افتراس الضعيف لإخافة السائرين
سألوا "عنترة بن شداد" عن سر شجاعته؟ فقال:اضرب الضعيف الجبان ضربة يخاف منها الشجاع ويطير لها قلبه.
يبدو ان ترامب قد اعتمد في مسرحيته التي اجراها مع زيلينسكي السلوك الذي كان ينتهجه "عنترة". فقد سبق ان دفعت اميركا بالمجرم صدام لغزو الكويت، الدولة الضعيفة مقارنة بالجيش الذي استخدمه الارعن صدام بعد فشله الفاضح إبان الحرب التي فرضها على الجمهورية الاسلامية الايرانية، فأرادت اميركا ان تعوضه بالهجوم على دولة جارة مسالمة للعراق وفي نفس الوقت يكون درساً لجميع دول الخليج الفارسي ان لا يترددوا بتنفيذ مطالب الشيطان الاكبر.
كما وليس مصادفة ان تتزامن حرب اوكرانيا مع العدوان على قطاع غزة ومن ثم على الضفة الغربية، وما تردده اميركا من نشوب حرب عالمية ثالثة جراء استمرار القتال في اوكرانيا. انها تذكير بالمشروع الصهيوني إبان الحرب العالمية الاولى وموجة الهجرة اليهودية الى فلسطين من عام 1904 الى 1914 والتي تبلورت بإنشاء الجامعة العبرية في القدس عام 1925. ولاجل الحفاظ على نقاء يهودية الكيان الصهيوني تم انشاء أسوار وتحصينات تحيط بالمستعمرات لاستبعاد فكرة دولة ثنائية القومية في فلسطين.فصار تهويد الارض معلماً بارزاً واساسياً في توجهات "حركة العمل الصهيونية" الذي يشكل حزب العمل الاسرائيلي حالياً الوريث التاريخي لها، وهم اساساً من صفوف موجة الهجرة اليهودية من روسيا ودول اوروبا الشرقية، على اعتاب الحرب الكونية الاولى، وهذا ما يحاول نتنياهو تطبيقه اليوم على قطاع غزة والضفة الغربية. اذ استغل التطورات الحاصلة في المنطقة والتركيز على الدور العسكري بموافقة اميركا والغرب، فعمل على تحصين العمق الستراتيجي في الاراضي المحتلة لاسيما وان غزة تشكل الخاصرة الرخوة للكيان الصهيوني فاستغل نتنياهو عملية السابع من اكتوبر 2023 ليظهر امام العالم ان "اسرائيل" دولة مسالمة وهي مهددة بهجمات مباغتة. وتتشابه الخارطة مع الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان آذار عام 1978 رداً على عملية "كمال عدوان" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، اذ ان مخططاتها كانت جاهزة وبانتظار الظرف المناسب، فعززت عدة امور بايجاد امتداد اقليمي يصل من جبل الشيخ حتى البحر الابيض المتوسط، بخلق جيب انعزالي في الجنوب، وذلك لتأمين الحماية للمستوطنات الاسرائيلية في مناطق الجليل باعتماد قوات سعد حداد وبالتالي ربط لبنان بمسار التطبيع الذي يبلغ له ترامب.
وما أشبه اليوم بالبارحة حيث تمكنت اسرائيل على جبل الشيخ في جنوب سوريا واستمرار قصف البنى العسكرية واللوجستية، وهو ما صرح به قائد سلاح الطيران الاسرائيلي "دافيد عفري" عام 1979 بعد ان نصبت سوريا صواريخ ارض – جو مضادة للطائرات؛ محذراً سوريا من اقامة بطاريات صواريخ لان ذلك يشكل تصعيداً جدياً. فتبادلت واشنطن وتل ابيب حينذاك ممارسة ردع مشترك متناغم ضد سوريا وحليفاتها في المنطقة يهدف منع اقامة نظام دفاع جوي فعال يدعم المقاومة.
في نفس السياق استخدمت اميركا بعض دول المنطقة من خلال التسليح العسكري كأدوات لمآرب اقليمية، اذ انشأت التحالف السعودي الذي ضم بعض الدول العربية منها الامارات لمساندة حكومة عبد ربه منصور هادي "عام 2014" والذي فر من صنعاء جراء صمود انصار الله وتحريرهم للعاصمة. فكان العقد التسيلحي السعودي في عام 2017 من قبل اميركا بقيمة 110 مليار دولار، لابقائها مرتبطة دائماً باملاءات اميركا الطامحة في الشرق الاوسط ولمنافسة خصومها مثل ايران. وحين حدد ابن سلمان مبلغ 600 مليار دولار للاستثمار في اميركا ليضيف ترامب المبلغ الى تريليون دولار، وهو الذي اعتبرها البقرة الحلوب في دورته الرئاسية الاولى.
ولكن كل هذا الولاء لا يشبع النهم الاميركي، اذ ترسخ اميركا اقدامها في المنطقة من خلال تحالفات معلنة وغير معلنة والتخلي عن فكرة إنشاء الدولتين وإلا سيكون مصير الاخرين كم حصل لزيلنسكي بشكل علني على الهواء الطلق. فالحدود الأمنة والعمق الستراتيجي من وجهة نظر الكيان الصهيوني هي حاجة ملحة لا تحسم بالمعارك البرية وكثافة النيران، وحتى القوة الجوية والصواريخ هي عوامل مساعدة ولكن ليس بالحاسمة، بعد ان ادركت "اسرائيل"صعوبة الاستمرار في حرب طويلة الامد لتداخل المصالح الدولية، فلا مناص إلا بانكار حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والسياسية وحق تقرير المصير.
وتوصلت "اسرائيل" الى ان امن الدولة العبرية لا يتحقق الا بالاستيلاء على الارض وتهويدها وابعاد السكان الاصليين منها، اضافة لتعزيز الامن الاقتصادي.
تأسيساً على ذلك ندرك دور المقاومة الاسلامية في افشال كافة المخططات سواء الترامبية أوالاسرائيلية وتوعية شعوب المنطقة بأن الحق يؤخذ ولا يُعطى وما تفعله حركة حماس في غزة هو لاسترداد كرامة الامة المسلوبة وارجاع هويتها المطموسة، وينبغي مراجعة بعض التصريحات المتعجلة التي صدرت من مواقع رسمية كما سُمع من الرئيس اللبناني الذي قال: "ان لبنان تعب من حروب الآخرين على ارضه، واننا دفعنا ثمناً باهظاً دفاعاً عن القضية الفلسطينية". فكيف يمكن ان ننسى ان الجنوب اللبناني قد تعرض للاعتداءات الصهيونية منذ عام 1948 وارتكبت العصابات الصهيونية المجازر الدموية، اضافة لتشريد الفلسطينيين.
وكم نحن بحاجة لمراجعة توجيهات سماحة الامام الخميني في الدفاع عن المستضعفين، خلال حديث بتاريخ 24/1/1981، قال: "لو لم يكن هذا التشتت بين المسلمين هل كانت "اسرائيل" تجرؤ بهذا النحو وتدوس على كرامة المسلمين؟ لو لم يكن هذا الاختلاف موجوداً بين الدول الاسلامية وبين الحكومات الاسلامية هل كان يتسنى لاميركا ان تتحكم بكل هذه الدول وان تنهب ثرواتها".