kayhan.ir

رمز الخبر: 203008
تأريخ النشر : 2025February24 - 20:24

تشييع شمس لبنان

 

 من الصعوبة بمكان ان نكتب حول "سيد الشجاعة" و"سيد الدراية" و"سيد الصبر" و"سيد التوكل"، فبعد ثقل فاجعة رحلة الامام الخميني "رضوان الله عليه" لم يمر بنا مصاب أهمنا اثقل من هم شهادة العالم المجاهد "سيد حسن نصر الله" الا انه ما الحيلة وما يمكننا قوله. فبحسب ما نقل عنه من رؤيا قد رآها في عنفوان شبابه انه بعث ليحل مشكلة اساسية تعاني منها الامة الاسلامية ظنها عدم اندحار الكيان الصهيوني فاستطاع من حلها، ان السيد حسن نصر الله قد بدأ من نقطة تحت الصفر، حيث لم يكن الكيان الغاصب قد سيطر كاملاً على فلسطين وحسب بل كان يسيطر على نصف الاراضي اللبنانية وكذلك هيمن على الساحة السياسية للبنان وذلك بفرض الكتائب عليها. فبدأ السيد عباس الموسوي والسيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين و... عملهم ودليلهم كان عبارة للامام الخميني وهي "ينبغي ان يتم قلع هذه الغدة السرطانية"، فهم كانوا يعتقدون انها استراتيجية وافق للعمل اي ينبغي التحرك بهذا الاتجاه كضرورة وكذلك ان هذا الطريق سيؤدي بهم الى نتيجة مرجوة. فكانت الخطوة الاولى في هذا الدرب الصعب وهو "الايمان بولي الله".

عمد السيد حسن نصر الله ورفاقه بتأسيس تنظيم لتحقيق هذه الستراتيجية التي حددها ولي الله. فبدأ التنظيم بشكل متواضع حتى كان يبدو انه لا يتناسب مع تحقيق هكذا هدف صعب، ولا يملك الامكانية اللوجستية المناسبة لمواجهة ما يمتلكه الكيان الغاصب، فاطلق عليه اسم "حزب الله"، ورغم اطلاق كلمة حزب الله على هذا العمل ولكنه في الحقيقة ما كانوا ليأسسوا حزباً، اذ ان الحزب يتم تأسيسه لهدف وطني للمشاركة في مسار سياسي وبالتالي السيطرة على الحكم، بينما تشكيل حزب الله منذ بدايته كان لاجل تحرير فلسطين، ومن حيث التوجه كان للحزب عنواناً عريضاً يحوم حول ولاية الفقيه، منهنا لم يكن حزب الله كحزب ولذا عرف بالحركة الثورية وبالطبع سرى عليه فيما بعد اسم حزب الله. وهذه التسمية تعكس تغييرين اساسيين في السياسة اللبنانية والاقليمية، فهو تغيير في الماهية اذ ان "حزب الله" يشير الى توجه قرآني وديني، وبحد ذاته كان كسراً للمتعارف في زمانه، في حينها كانت الاحزاب تنحو منحاً قومياً ورؤية حداثوية لتستقطب فئة خاصة. اما حزب الله فكان حزباً قرآنياً يستذوقه الوالهون للقرأن ومعارفه العميقة. كما ان اساس الحزب يصاحب البشارات القرآنية "فأن حزب الله هم الغالبون"، فهذه البشارة تقشع الانطباعات المتشائمة الطاغية في سبعينيات القرن الماضي وقبلها في التأليفات القومية والاشتراكية والانسانية، ليطرح "حزب الله" مقولة "محول الحول والاحوال"على نهج الجهاد. والتغيير الاساسي الثاني انحصر في ساحة عمل الحزب وهو تحرير فلسطين، كتطلع شامل ولذا فان من يلتحق بهذا التنظيم يهيئ نفسه للصعاب، ولذا لا يخطر في ذهن أحد كسب مال أو سلطة، فلا فرق بين الامين العام للحزب والعنصر العادي فيه. وهكذا بدأ الحزب مشواره ليعزز خلال عمره على مدى 43 عاماً الخلوص والوفاء على العهد الالهي.فكان السيد حسن نصر الله خلال 33 عاماً في قلب الميدان كمدير للعمل الجهادي فيما لم يكن يلحظ بعض نشاطه فكما قال الشهيد قاسم سليماني العظيم؛ ان العمل الذي لا يدرك اكثر تأثيراً.

ان واحدة من مناقب السيد حسن نصر الله التي واكبها خلال 33 عاماً كأمين عام للحزب التركيز على موضوع اساسي أي "ازالة اسرائيل". فكم ووجه بتحد داخلي بسبب ذلك وهوجمت عناصر حزب الله واستشهد منهم لهذا الامر وقاوم الحزب هذه الحملات ودافع عن نفسه الا انه دفع ثمناً باهظاً اذ لم تطلق رصاصة صوب المخالفين. وكان الحزب في فترات كثيرة له القدرة ان يسيطر على الاوضاع في لبنان ولكن لم يخطو نحو هذا.

ورغم ان السيد حسن نصر الله قد اعطى للشيعة في لبنان العزة لم يكن يتمتع بها لمئات السنين الا انه لم يجعل همه طائفته فقط اذ جعل السيد الجميع من مسيحيين ودروز ومسلمين سنةً وشيعة تحت خيمته في الدفاع عنهم. اذ تقول "بهية" ابنة المرحوم رفيق الحريري الذي قتل بمؤامرة صهيونية عام 2005، نقلاً عن والدها؛ "ان في لبنان يمكن الثقة برجل واحد لا مصلحة له وصادق في نهجه وهو السيد حسن نصر الله".

إن التشييع التاريخي المهيب الذي اقيم في بيروت ولم تشهده لبنان والكثير من الدول العربية والاسلامية الى الان يعكس المكانة الحقيقية للسيد حسن نصر الله والمكانة الحقيقية للحزب بين اللبنانيين والطوائف الاخرى. وبيّن ان السيد حسن نصر الله ورفاقه كانوا خلال 43 عاماً الدعامة الاساس لقدرة لبنان.

ان نظام الكيان الصهيوني قد تظاهر بـ82 طن من القنابل قبال شخص واحد، فهل افضل من ذلك عظمة ان يتمظهر رجل قد تحدى الكيان الصهيوني 43 عاماً وبشكل مستمر وتمكن من هزيمته مرات؟

فالكيان الصهيوني قد أقر بصلابة هذا الرجل، وأي عظمة اكبر من ان يجبر انصاره في غيابه وغياب عشرات القادة ان يجبر الجيش الاسرائيلي على قبول وقف اطلاق النار والتراجع، في الوقت الذي كان يظن حين بدأ هجومه انه آن آوان خوض مسيرة من الحدود الى بيروت! انه البنيان المرصوص الذي لم يتزعزع برحيل السيد.

كما ان الكيان الصهيوني الذي اعتبر ضرورياً من خلال حضوره في خمس نقاط من لبنان كي لا يعود لزمن تهديد حزب الله ينبغي ان يكون قد ادرك بوضوح مراسم التشييع. فهو يعلم انه اذا تم تشييع جميع المسؤولين السياسيين والاقتصاديين والعسكريين اللبنانيين رفيعي المستوى في وقت واحد لم يكن ليحضر هذا الحشد العظيم، اذن فالكيان الصهيوني يعلم جيداً ان القدرة الحقيقية في لبنان هي حزب الله كانت ومازالت، ولذا فقد تسلم الرسالة أن لا يواجه الغضب المستجمع وهو "لبنان حزب الله".

إن حزب الله قد أعلن انه سيرد عملياً على وساوس ابقاء جنود اسرائيليين في لبنان بعد التشييع، وان "اسرائيل" تدرك ان رد حزب الله ليس باصدار البيان وليس اجراء استعراضي، انه سينقضى كالرعد وسيسلب مما بقي على الاراضي اللبنانية من الجنود الاسرائيليين المساكين فرصة البقاء.

ان نتنياهو هو الذي قال بعد شهادة السيد حسن نصر الله، انها الرد على تلك العبارة التي وصفنا بها السيد حسن نصر الله قبل سنوات، وهي "ان اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت". ان على الكيان الصهيوني ان يصبر قليلاً ليسمع نداءات السيد المرتفعة مرة اخرى من "بنت جبيل"، والصواعق التي نزلت على "اسرائيل" على الترتيب في الاعوام "1986 – 1997 – 2000 – 2006 و2024" ليتراجع من بيروت والى النهر ومن النهر الى الحدود، ومن صور الى الحدود، ومن اماكن توغله لـ"3.5" كم الى الحدود. وبالنسبة لحزب الله سيحيل من يوم الاحد قبل وقف اطلاق النار من الحدود الى تل ابيب سيحيله الى جهنم.

ان السيد حسن نصر الله يجري في وجود كل المقاتلين الشباب من حزب الله، فالعصابة التي كتب عليها "انّا على العهد" تبرهن ان نصر الله حاضر وان رب نصر الله في المرصاد للمجرمين؛ "ان ربك لبالمرصاد".

ومسك ختام هذا المقال خاطرة من السيد حسن نصر الله، فبعد حرب الـ33 يوماً، زار السيد حسن طهران، فاجتمع به ثلة قليلة وصلينا خلفه فرض المغرب والعشاء، وبعد الصلاة طلبنا من السيد أن يحدثنا، وقبل ان يشرع السيد حديثه انبرى احد الاخوة يذكر اخلاص وشجاعة وحسن تدبير السيد وبالذات ركز على جانب ادارته الحكيمة، ولكن ظهرت على وجنتي السيد سيماء عدم الانبساط، وقال: "لا تندبوني بهذه العبارات، نعم ان التدبير مهم جداً في هذه الحرب ولكن لم يصدر مني، اذ نحن نخضع لتدبير سماحة القائد وما شهدتم من نصر تاريخي كبير يعود لسماحته. نحن كنا خاضعين لتدبيره الالهي وما دمنا في حالة تسليم فنحن منتصرون، نعوذ بالله ان انسب لنفسي امراً في هذه الاحداث فأن صدر ذلك فهو بداية السقوط".