أهل فلسطين أدرى بشعابها
عوداً على بدء يحاول الغرب ان يحصر القضية الفلسطينية بين مصر والاردن، فبعد ان دمر القصف "الاسرائيلي" حوالى ربع مليون وحدة سكنية واكثر من 90% من الطرقات و80% من المرافق الصحية، وألحقت اضراراً تقدر بثلاثين مليار دولار، تضع مصر خطة على ثلاث مراحل تستغرق خمس سنوات لاعادة اعمار غزة دون اخراج سكانه، وانشاء ادارة فلسطينية غير منحازة لحركة حماس أو السلطة الفلسطينية لادارة القطاع والاشراف على جهود اعادة الاعمار، ومن المقرر ان يزور الرئيس المصري السيسي السعودية اليوم لمناقشة تداعيات الامر في اطار قمة عربية مرتقبة بالقاهرة اجلت الى الرابع من مارس، وكان الموقف الاردني متطابقاً مع الموقف المصري بعدم القبول بترحيل سكان غزة. وهكذا كان مصير الفلسطينيين يتقرر من قبل مصر والاردن بأرسال قوات الى قطاع غزة والضفة الغربية لتقوم بفرض النظام وللتوصل الى تسوية، فأثر الهزيمة التي مني بها العرب في حرب يونيو / حزيران 1967، اصدر مجلس الامن الدولي التابع لمنظمة الامم المتحدة في 22 نوفمبر / تشرين الثاني عام 1967 القرار رقم 242 كحل وسط بين عدة مشاريع قرارات طرحت على النقاش بعد الحرب وذلك بانسحاب القوات الاسرائيلية من الاراضي التي احتلت عام 1967 وانهاء حالة الحرب والاعتراف ضمناً بـ"اسرائيل" دون ربط ذلك بحل قضية فلسطين التي اعتبرها القرار مشكلة لاجئين. فقبلت بعض الدول العربية بالقرار ومنها مصر والاردن. هذا الوضع المزري الذي بلغ بالساحة العربية جعل من بعض رموز حركة فتح عام 1967 لطرح فكرة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية لنهر الاردن وقطاع غزة. بينما طرح ملك الاردن الملك حسين في اكتوبر عام 1988 مشروع الكونفدرالية بين الاردن والدولة الفلسطينية، للمحافظة على التوازن الديمغرافي الحساس في الاردن. وهكذا نجح الغرب والكيان الصهيوني بتمرير سياسة تطويع الساحة العربية برمتها واقناعها بالمنطق الصراعي التراجعي والتصدي للتيار الاسلامي في الاراضي المحتلة، اذ لم يخف المسؤولون الصهاينة مخاوفهم من الظاهرة الاسلامية، حين صرح "شمعون بيريز" في مقابلة اذاعية في 8/11/1984 ان الحرب التي نخوضها هي حرب ايديولوجية، وان الثورة الاسلامية هي ثورة ايديولوجية لا مثيل لها في القرن الحالي". بينما قال رئيس الدولة الصهيونية حينها "حاييم هرتزوغ" امام الكونغرس الاميركي: "ان الاصولية الاسلامية هي الخطر الحقيقي في منطقة الشرق الاوسط وليس الصراع بين العرب و"اسرائيل". وان الخيار هو بين فرض بيروت جديدة أو طهران جديدة".
بينما صرح وزير الدفاع الصهيوني "اسحاق رابين" امام الكنيست" " اذا كان هنالك عامل اشعر بالقلق منه فانما هو تعاظم الجهات الدينية في يهودا والسامرة واخشى ان يتحول الصراع الى صراع ديني". هذه التخوفات الصهيونية ما كانت عن فراغ بعد قراءتهم لمصداقية الثورة الاسلامية الايرانية واعتبارها القضية الفلسطينية هي القضية الاولى للمسلمين. وهذا ما نشهده اليوم على الارض من دعم للمقاومة وعدم تركها في صراعها. فقد استقبل سماحة قائد الثورة في الثامن من شباط الجاري رئيس واعضاء مجلس قيادة حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية "حماس"، احيا خلاله ذكرى شهداء غزة، قائلاً: "لقد منحكم الله العزة والنصر وجعل غزة مصداقاً للآية الكريمة التي تقول : "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله"، مؤكداً: "لقد انتصرتم على الكيان الصهيوني وفي الواقع على اميركا وبفضل الله لم تتركوا لهم فرصة لتحقيق اي من اهدافهم".
كما واستقبل سماحة الامام الخامنئي الثلاثاء الماضي 18 شباط الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي الفلسطينية "زياد النخالة" والوفد المرافق له، مشيراً الى فشل الخطط الاميركية بشأن غزة، قائلاً: "ان هذه المشاريع ستفشل وان الذين ادعوا انهم سيقضون على المقاومة قبل عام ونصف اصبحوا الان يتسلمون اسراهم من مجموعات صغيرة من مجاهدي المقاومة ويقومون بإخلاء سبيل عدد كبير من الاسرى الفلسطينيين. وان العمل الكبير الذي قام به قادة ومجاهدي المقاومة الفلسطينية في وحدتهم وتلاحمهم والثبات في وجه العدو وادارة المفاوضات المعقدة وكذلك صبر الاهالي وصمودهم قد رفع رأس المقاومة عالياً في المنطقة".
واما في لبنان فتمر الحكومة اللبنانية في اختبار صعب ودقيق للغاية، اذ تحت ذريعة "حفظ أمن المستوطنات من هجمات حزب الله" تروج "اسرائيل" لربط وجود جيشها في خمس نقاط جنوب لبنان لوقت اضافي بعد انتهاء مهلة انسحابها وهو ما يعكس نية مبيتة للبقاء في مراكز انذار مبكر لحماية خلفية قواتها التي اصبحت في جبل الشيخ الواقع بين سوريا ولبنان، وكذلك تعود اهمية التلال الخمس في اشرافها على اجزاء واسعة من الاراضي اللبنانية. هذه العنجهية الاسرائيلية لا توقفها سوى بنادق المقاومة الاسلامية من ابناء لبنان الغيارى، رغم ان الدولة اللبنانية قد طالبت في اجتماع لرؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان، مجلس الامن الدولي بأتخاذ الاجراءات اللازمة لمعالجة الخروقات الاسرائيلية، معتبرين استمرار الوجود الاسرائيلي في اي شبر من الاراضي اللبنانية احتلالاً.