هدوء يسبق العاصفة
من يتابع الشأن السوري يُفاجأ بحراك دبلوماسي مكوكي من كافة الاقطار وانعطاف على الوضع الداخلي بالتسامح والتفاهم فلسان حال الجولاني انها قطيعة مع النهج الستراتيجي للقاعدة وتنظيم الدولة. وبعث رسائل طمأنة للجميع ففي كلمة وجهها الى رئيس وزراء العراق "السوداني" دعاه الى عدم زج العراق في شؤون سوريا الداخلية وان سوريا الجديدة ستكون صديقة للعراق وليست مصدر توتر ـ وهنا نستوقف قراءة لمرحلة قادمة سنشير لها بعد عرض مقدمات ـ، كما وارسل الجولاني بياناً الى موسكو يشدد على ان الادارة الجديدة ليست ضد اي دولة بما فيها روسيا وانما العلاقات مع الجميع ايجابية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة ـ وهنا ايضا وقفة تكون حلقة وصل في خاتمة الموضوع ـ. وكذلك صرح الجولاني مؤخراً؛ ان الحكومة السورية الجديدة لا يمكنها قطع علاقاتها مع الدول الكبرى، بما في ذلك الجمهورية الاسلامية الايرانية. مضيفاً ويجب ان تكون علاقات دمشق وطهران قائمةعلى مبادئ دبلوماسية واحترام متبادل لسيادة البلدين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
اذن البداية كانت بنزع الجولاني للزي العسكري والعمامة التي اعتاد الظهور بها، وبعث رسائل تهدئة الى المجتمع وان ما يفعله ليس مجرد عملية تكيف برغماتية مؤقتة، وان الماضي حقبة ولت من حياته وافكاره اليوم لا تتشابه مع التنظيمات التي انتمى اليها سابقا. فصار له حضور إعلامي جيد يتحدث بهدوء في المقابلات التي اجراها. وكأن سنوات القتال التي خاضها منذ 2003 حين كان منتمياً للقاعدة صارت امتداداً للسياسة واحد مجالات ممارسة السياسة.
والشاهد على ذلك الكم الهائل من التحرك الدبلوماسي غير المعهود في اي دولة يحصل فيها انقلاب يتغير فيها النظام، حتى ان دولة على مستوى روسيا تصرح على لسان مستشار الكرملين للسياسة الخارجية "يوري اوشاكوف"، بان روسيا على اتصال مع الادارة السورية الجديدة على المستويين الدبلوماسي والعسكري. في المقابل يدعو الجولاني امير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لزيارة سوريا مشيراً الى ان لقطر اولوية خاصة بسبب مواقفها المشرفة تجاه الشعب السوري.
اما على الصعيد الداخلي فيحاول الجولاني انهاء كل الملفات العالقة بما فيها وضع المسيحيين فيلغي "مكتب املاك النصارى" ويحوله الى الادارة العامة للاسكان، ويلتقي بزعماء الديانة المسيحية، والدرزية والاسماعيلية والعلوية. كما وتحاول الادارة الجديدة دمج جماعات مسلحة في الجيش من بينهم افراد من الايغور والاوزبك واردنيين واتراك بعد ان تمنحهم الجنسية السورية ويُسمح لهم بالبقاء في البلاد. لاسيما بعد ان وجهت مجموعة حديثة التاسيس في سوريا تحذيرا للجولاني عبر بيان رسمي تدعى "المقاومة السورية في المنطقة الساحلية" تطالب بوقف الاعتداءات على المواطنين السوريين وعمليات القتل والنهب.
الى هنا تبقى الصورة وردية وتعيش تركيا شهر العسل بهيمنتها على القرار السوري مع تخوف من الدور الاميركي لاسيما ودعمها للجماعات الكردية المسلحة ووجودها العسكري المتزايد، والسيطرة على الموارد النفطية بعد ان وضعت تركيا كل رصيدها في الهجوم الذي بدأ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني بواسطة فصائل منظوية تحت ادارة العمليات العسكرية واسقاط النظام في 12 يوماً. فهل تتوقع تركيا انقلاباً اميركياً على الوضع الحالي في سوريا قبل مجيء ترامب للحكم وتنفيذ مشروع تفتيت المنطقة الى دويلات متناحرة بهدف بيع الاسلحة ونهب الثروات وتمكين "اسرائيل" من انشاء "اسرائيل الكبرى"؟ فالتحرك الاول ما صدر عن السفارة الاميركية في العاصمة دمشق باعلانها ان مسؤولين اميركيين التقوا مع السلطات المؤقتة في دمشق وبحثوا عددا من الملفات من بينها "منع ايران من الظهور مرة اخرى في سوريا". فيبدو ان اميركا تسعى لفرض املاءاتها على الحكومة الجديدة بدمشق، وابرزها الاوضاع في العراق، والموقف من المقاومة العراقية وهي سبق ان اغتالت قيادات في حركة النجباء كالشهيد "ابي تقوى السعيدي" بغارة وسط بغداد والقيادي في كتائب حزب الله الشهيد "ابو باقر الساعدي" كرد فعل على الدور الكبير لفصائل المقاومة الاسلامية العراقية في دعم واسناد الشعبين الفلسطيني واللبناني في حربهما ضد الكيان الصهيوني، والاندكاك العراقي ـ الرسمي والشعبي ـ مع نضال الشعب الفلسطيني. فشوارع العراق ازدحمت بصور الشهداء؛ اسماعيل هنية ويحيى السنوار وكذلك الشهيد السيد حسن نصرالله. اذن ما نرقبه هو تحول الهدوء المريب في سوريا الى عاصفة بنقل عصابات ارهابية للداخل العراقي واعادة سيناريو عام 2014، مع فارق هو ان هذه المرة تتمتع هذه العصابات بوجود ظهير لها في سوريا يمولها بالسلاح والافراد ووجود خلايا نائمة من داعش وبعثيين وممتعضين على النظام الحالي في العراق لما فقدوه من مصالح ومكاسب كانوا يتمتعون بها زمان المجرم صدام حسين.