كرامتنا الشهادة
ليس بمصادفة ان تتقارب المسافات الزمنية التي سجلت فيها أروع وقائع لعروج قامات من رجال المقاومة. ففي الاول من رجب الاصب نعيش ذكرى شهادة قامات شامخة في الجهاد كالحاج قاسم سليماني وابو مهدي المهندس اللذان طالتهما يد الغدر الاميركي، وفي رثاء القائد سليماني قال سماحة القائد؛ "ان نهج الجهاد في المقاومة سيستمر بدوافع مضاعفة وان النصر الحاسم سيكون حليف مجاهدي هذا المسار المبارك" ويصادف ايضا شهادة السيد محمد باقر الحكيم الذي اغتالته كذلك اليد الاميركية الغاشمة، كما اكد ذلك سماحة قائد الثورة في كلمة لمناسبة شهادته: "ان اغتياله يصب في خدمة مصالح اميركا والصهاينة". وها هي قوافل الشهداء تمر تترى في غزة ولبنان تاركة بصمة ابدية على مسير المقاومة ان كرامتنا من الله الشهادة.
ان عنوان "الصحوة الاسلامية" هو ما اطلقته الجمهورية الاسلامية الايرانية مع بداية الربيع العربي كترحيب بالتطورات الحاصلة معتبرة ان مبادئ الثورة الاسلامية تنفست في ارجاء العالم العربي، وهي بادرة خير.
الا ان ما كانت تخطط له الدوائر الغربية يعتمد دعا متين؛ الاولى: زرع التفرقة بين شعوب المنطقة برمتها، وبين أبناء البلد الواحد. والثانية: الحؤول دون نهضة هذه الدول وخنقها اقتصاديا. هذا اضافة لايجاد بؤر دائمة من الارهابيين في الخاصرات الرخوة ومثاله "مخيم الهول" الذي يضم 30 الف شخص من اطفال ونساء ومقاتلين من عصابات داعش، يشكلون خطراً على امن المنطقة واستقرارها وكمدرسة لتخريج جيل جديد من الدواعش، بالامكان تسريبهم الى العراق وقلب الموازين في هذا البلد. وهو أشبه بمراكز استيطان وتجميع اليهود في فلسطين بعد وعد بلفور عام 1917 الذي قطعته بريطانيا على الصهاينة لتكوين وطن قومي لهم، وتم تنفيذ ذلك في 15 مايو من عام 1948 باعلان ميلاد دولة الكيان الصهيوني.
وكمصداق آخر للمخطط الغربي ما نشهده في السودان اليوم من حرب طاحنة دمرت البلاد والعباد، وكأنه قطع بيادق الشطرنج تحركها حتى تتحول الدولة المستقرة الى ولايات يحكمها ملوك الطوائف. وهو الذي حصل في ليبيا كذلك، وارادت له في اليمن الحبيب، لو لا صمود ابطال المقاومة وبث روح ثورية لنقل الصراع الداخلي الى حالة مقدسة بصب غضب الجمهور على الكيان الصهيوني والغرب.
والنموذج الآخر ما وقع في سوريا لمدة 14 عاماً من تدمير للبنى التحتية وزرع الفرقة بين ابناء البلد الواحد، فتضافرت كل قوى الشر دوليا واقليميا ولن تنثني حتى اوقعت النظام السوري في فخ الجامعة العربية بدورها المعهود في تمييع الهمم والطعن من الخلف وفريسة، وبالتالي قدموها للكيان الصهيوني ومن شواهدها ما حصل ايضا في فلسطين المحتلة بقيام يهودي متطرف بحرق المسجد الاقصى في آب / اغسطس عام 1969، فكان لهذا الحادث رد فعل واسع في العالم الاسلامي، حيث قامت المظاهرات في كل مكان ورفعت "اسرائيل" حالة التأهب متوقعة رداً عربياً يوازي حجم الجريمة التي ارتكبت بحق القبلة الاولى ولكن بعد مضي 48 ساعة ادرك الاسرائيليون ان الرد العربي لن يخرج عن حدود الادانة والاستنكار. فقالت حينها غولدا مائير: "لم أنم ليلتها وانا اتخيل العرب سيدخلون اسرائيل افواجا من كل صوب لكن عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء ادركت ان باستطاعتنا فعل ما نشاء فهذه امة نائمة".
ولاجل تدارك الموقف اجتمع قادة الدول الاسلامية في الرياض في ايلول 1969 وتوصلوا لتأسيس مجلس التعاون الاسلامي، وتشكلت لجنة القدس برئاسة العاهل المغربي حليف الكيان الصهيوني.
إن ما نخلص له من سرد وقائع التذكير بحال الامة اليوم وما تنبأ له الامام علي عليه السلام حين قال في خطبة الجهاد:
"فو الله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم... حتى شنت عليكم الغارات" بينما كان المفترض ان نعمل في الاقل بما قاله الامام علي عليه السلام في جانب آخر "ردوا الحجر من حيث جاء فان الشر لا يدفعه إلا الشر".
إذن فليس قادة المقاومة من أضعف الحكومات والدول بل هم من رفعوا رؤوس أبناء الامة الشرفاء بتركهم الدنيا وزخرفها وبذلوا الغالي والنفيس لعزة وكرامة المبادئ الحقة، لا يختلفون في مواقعهم ومذاهبهم وساحات جهادهم كمصداق لقول الرسول عليه السلام: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". فلم تعرف لبنان واليمن الراحة لما يجري في غزة حتى سطروا ملاحم التضحية، والمسيرة مستمرة في زخم أشد وان طال السُرى.