بوادر الخارطة الحقيقية للمنطقة
مع انتصار الثورة الاسلامية في ايران تبلورت اولى خطوات خارطة حقيقية للمنطقة رسمت بيد شخصية خبرت اوضاع العالم الاسلامي وما يُخطط له من قبل الاستكبار العالمي، وهو عالم الدين الذي ادرك ان الخلل ليس في الاسلام وانما في المسلمين حين يتفرقون ولا يلتفتوا ان قوتهم في اعتقادهم بان الاسلام يعلو ولا يعلى عليه وان الامة الاسلامية هي خير اُمة اخرجت للناس. وكل طارئ يواجهها نتيجة عدم اتباع اوامر الرسالة كما حصل في معركة اُحد هو منصة لاقلاع جديد. اذن ما تمر به جبهة المقاومة اليوم لا يشكل فيصلاً للحكم على معادلة الصراع برمتها، فالقاعدة العريضة التي بُنيت عليها ادوات التحرك تعطينا زخماً مستمراً يتزايد بمرور الزمن لان المهمة لا تقتصر على حدود البلدان الاسلامية وانما الناس كل الناس "ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً". فشعوب العالم الاسلامي لا ترضى بغير الاسلام كعقيدة تحكمهم، وما يفتقروه هو القائد المحنك الذي أخلص لله وللامة في الدفاع عن شرعة الله في أرضه. والامثلة على ذلك كثيرة، ومصداقها اليوم بوجود سماحة قائد الثورة الاسلامية في ايران الذي لا تأخذه في الله لومة لائم.
واما على مستوى وعي الامة، رغم المساحة الضيقة للحدث الذي نعرضه فهو ما حصل في سوريا بعد عام 1955 بتحريض اميركا للحكومة التركية لغزو سوريا وتحريك الاسطول الاميركي السادس وتحشيد القوات على حدودها، الا ان الموقف العربي الموحد والمظاهرات التي اندلعت في العالم العربي ضد اميركا افشل هذا المخطط. وتتكرر الحالة بعد مجيء اردوغان للسلطة عام 2002 وهو اجسه واطماعه لتطبيق ستراتيجية الهيمنة على سوريا، فاتفقت كلمته حتى مع الكيان الصهيوني لاسقاط النظام في سوريا وهذا ما افشى به وزير الحرب الاسرائيلي "يسرائيل كاتس" حين قال: "لقد اسقطنا نظام بشار الاسد في سورية ودمرناه". فالمشروع واحد تقاسمه اميركا وتركيا و"اسرائيل". فالهم الاميركي السيطرة على مصادر الطاقة في سوريا وحاجة "اسرائيل" لاراضي جديدة بينما تفكر تركيا بالممر الاقتصادي الحيوي الذي يربطها بالعالم العربي واوروبا لنقل الغاز وتصريف الانتاج. وأما البلدان العربية الداعمة للمشروع فلا ناقة لها ولا جمل وانما هي دمى تحرك اميركا خيوطها كيفما تشاء.
ولسنا بصدد مناقشة دور الحكام وتاثيرهم فهذا ما حكم عليه تاريخ من الخيانات وسوء التدبير، وانما نحاول ان نربط بين جماهير الامة بما تمتلكه من رصيد روحي عظيم تغذت على المدارس الدينية العريقة سواء في مصر او تونس او باكستان او العراق والكثير غيرها لا الحصر. وأما الحالة في الجمهورية الاسلامية الايرانية فهي تختلف لبروز قيادات جماهيرية تحرك الشارع العام سواء بموقف او بفتوى شرعية. فالخارطة واضحة لديهم نُقلت من كابر لكابر حتى تُسلم الراية في يوم موعود.
وهذا ما يؤرق الغرب ويسلب الراحة من بالهم وهم جربوا 46 عاماً من الاصرار المبدئي للقيادة الايرانية وصدقها مع الجماهير بكافة مذاهبها رغم الحصار والحروب المفروضة ومختلف اساليب التسقيط والتخويف، فلم يزيد القيادة إلا اصراراً على المواجهة والاعداد لكل مرحلة ما يناسبها من الآليات تبقي بصيص الامل متقداً حتى لدى ضعاف الايمان ومن تتزلزل دعائمهم لأدنى تهديد خارجي.
وعوداً على بدء فان رصيد الامة الاساس محفوظ في جوهر اعتقادها لا يسلبه اعتى القوى الاستكبارية. الا ان الذي تحتاجه ربان السفينة الذي يوحد الكلمة اولاً، ويذكرها بالوعد الالهي بالنصر دائما، ولا يقر له قرار حتى يوصل الامة لجادة الامان. ولا ننسى ان الله سبحانه قد جعل وفير نعمه في ارض المسلمين واغدق عليهم بركاته، وهي الامة الوسط التي فضلها على العالمين. والمبادرة الضرورية ان تجتمع علماء الامة من اهل الحل والعقد لمدارسة اسباب الضعف وركن كل خلاف جانباً كي يتم تشخيص العدو الحقيقي، وفضح المخططات الغربية واطماعها التي يتم تنفيذها عن طريق الكيان الصهيوني المجرم من خلال برنامج ممنهج يطال كل المنطقة، فبدأوا بغزة ولا ينتهون حتى يحتلوا الضفة الغربية ومن ثم السيطرة على جنوب لبنان واقتطاع مناطق من سوريا، ولا احد يعلم كيف سينفذوا الخطوات التالية لمشروعهم الاستعماري الجديد القديم.