بنيامين اردوغان ضد سوريا
الهجمات التي شنت على حلب منذ الخميس الماضي تثير تساؤلات عدة. فهي نفذت بواسطة مجموعة ارهابية تعرف بجبهة تحرير الشام ـ الذي يتشكل من اربع مجموعات ارهابية صغيرة ـ ولكن حتى معارضي الحكومة السورية قد اكدوا ان هذه الهجمات تعززت من قبل اطراف خارجية. فالارهابيون استخدموا انواعاً من المسيرات ومدرعات ثقيلة.
وليس بالامر المعقد ان تكون للايادي الاجنبية دخل في ما يجري في سوريا؛ اذ ان دور الجيش التركي واضح جداً، فتركيا خلال مفاوضات آستانا قبل سنوات قد تبنت بشكل رسمي مسؤولية الجماعة الارهابية "جبهة تحرير الشام"، كما ان التصاق منطقة ادلب للاراضي التركية، لها دلالة في هذه الحملة.
من جانب آخر فان للكيان الصهيوني الدور الواضح في هذه الحملة. فقد نقلت صحيفة "تايمز اسرائيل" عن مصدر عسكري رفيع ان الكيان قد كتب: "ان الجيش الاسرائيلي لا يكتفي بمهاجمة المخازن وعنابر الذخيرة في لبنان اذ ستدفع سوريا ثمن دعمها لحزب الله كذلك".
من هنا فان الهجوم على حلب يمكن ان يكون مبرمجاً، فالاعداد والنفقات هي من عند الحكومة التركية وتل ابيب بالاعتماد على المجاميع الارهابية المعروفة التي لها مقاصد خاصة.
وهذا الهدف يمكن حصره في استسلام ادارة بشار الاسد وبعبارة ادق استسلام سوريا والتخلي عن المقاومة قبال المشاريع التوسعية للغرب والصهاينة ضد سوريا.
ولكن حين ندخل صلب القضية نرجح احتمالاً انه مشروع بالاساس صهيوني قد فوض غيره لتنفيذه، ليُعمل امكانات جيشه واستخدام التكفيريين الارهابيين. وهنالك امور بخصوص هذه التحولات؛
1ـ بعد رضوخ الكيان الصهيوني لقرار وقف اطلاق النار في حربه مع لبنان وذلك لتأثير القوة العسكرية لحزب الله ـ لاسيما ضربات يوم الاحد السابق، حين حولت المقاومة من جنوب لبنان الى تل ابيب الى جهنم حقيقي ـ شرع الهجوم التكفيري على حلب بعد يوم من ذلك بدعم اجنبي. فجماعة هيئة تحرير الشامل الارهابية استغلت حالة الانذار المستدام للجيش السوري منذ عام 2016 والى اليوم، وثمان سنوات من الحفاظ على حلب هاجم الارهابيون بالذات المنطقة من غرب مدينة حلب الى شرق مدينة ادلب لا على كل المنطقة ـ المسافة من حلب الى ادلب ـ وسيطروا على عشرين قرية. ولكن في نفس الوقت ينبغي ان نضع في الحسبان انه مع اشتداد القتال ستصعب الامور على الجيش السوري، الا ان للجيش الخبرة الكاملة للسيطرة على هذه المنطقة لاسيما الوحدات التي قاتلت منذ عام 2012 والى عام 2016 تعرف طبيعة الارض شبراً شبراً سيتمكن من استعادة الامور لطبيعتها، ولذا لا وجود لاي قلق في البين.
2 ـ وفي الحقيقة لا نرغب اثارة جارتنا الغربية او ان نحملها اكثر من اللازم، ولكن نهج تركيا خلال فترة 2012 والى عام 2015 من حيث الاسلوب والهدف لا يختلف عن نهج جبهة النصرة التي تحولت فيما بعد الى جبهة تحرير الشام. فالاثنان بصدد قلب النظام السوري وبالطبع الاثنان كانا يظنان ان كل منهما يستفيد من الاخر لنيل مقصوده وبالتالي شطب الطرف الآخر من الساحة.
فهيئة تحرير الشام كانت تظن ان بامكانها الصعود على ظهر تركيا وبعد ان تؤسس دولة الخلافة اشبه بحكومة شبه عثمانية عربية فتجعل انقرة امام الامر الواقع. فيما كان اردوغان يظن انه باستخدام الارهابيين ان يسقط حكومة الاسد، ومن ثم بآلية ايجاد التفرقة بين الفصائل المسلحة المعارضة لحكومة دمشق ان تدفعهم جانبا لتاسيس حكومة تابعة لانقرة تقبل بتقسيم الاجزاء الشمالية من سوريا والحاقها بتركيا، هذه الامال لم تتحقق للطرفين عام 2016.
بعد ذلك سعى اردوغان بقبوله المشاركة في مفاوضات آستانا، ان يكون له دور في مسار لم يسهم في خلقه. ولكن تركيا في كثير من الحالات، خلال مفاوضات آستانا لم تنفذ بشكل حقيقي الدور المطلوب، اذ كان يعارض انهيار الارهابيين قبل الوقت المعلوم فهو يعتبرهم كرأسمال له، ولذا بالرغم من انه قَبلِ في احدى اجتماعات عام 2017 لمفاوضات آستانا بتطبيق قرار نزع سلاح المجاميع الارهابية في ادلب وتسليم هذه المنطقة الى الجيش والحكومة السورية خلال ستة اشهر، ولكنه تملص من تنفيذ ذلك. ولذا استمر تسليح هذه المجاميع. وخلال العام الماضي طرحت تركيا قضية "احياء العلاقات السياسية مع سوريا" وارسلت وفوداً الى دمشق، ولكن تركيا لم ترضخ لتغيير وضع الارهابيين في ادلب او اخراج مسلحيها من الباب ومنبج والقامشلي، ولذا كانت الزيارات دون فائدة.
3 ـ ان ما نشهده هو ان الكيان الصهيوني له في هذا المشروع دور "صاحب العمل". اذ ان تشكيل الكابينة الامنية الاسرائيلية الخميس ليلاً اي بعد ساعات من هجمات الارهابيين على حلب، اضافة لبيان مدى اهمية هذه التحولات بالنسبة للكيان الصهيوني، كذلك يبين دور الاسناد واضحاً والحقيقة ان اسرائيل قد اوقفت حرب لبنان بقبولها الاندحار من حزب الله، وترى نفسها في ظرف مضطرة لايقاف الحرب في غزة غير المثمرة لها. على ذلك فان كيان الاحتلال بحاجة لخلق الفوضى في احدى اهم اركان المقاومة ولاسيما اهم سند للمقاومة الفلسطينية واللبنانية اي في سوريا، ولكن من الواضح انه بسبب فشل الكيان في لبنان وفي غزة فلا يوجد تاييد داخلي لها وسيبعث على معارضة اقليمية ودولية. من هنا فوظت اسرائيل المشروع ونفقات منه للغير. فرسالة الشكر التي بعثها القائد الميداني لهيئة تحرير الشامل مخاطبا الحكومة الاسرائيلية وهو ما نشرته وسائل الاعلام للكيان الصهيوني يعكس هذا التواصل ومدى ارتباط اسرائيل بالعمليات. كما ان اسلوب عمليات الارهابيين في حركتهم من ادلب باتجاه حلب يتطابق مع اسلوب قتال الجيش الاسرائيلي في هجومه الاخير على لبنان. فهي حركة ممتدة باتجاه النقطة النهائية المقصودة وعدم الاشتباك في المناطق الفعالة من المبدأ للمقصد.
ورغم ذلك فربما لا يكون للمشروع برنامج واحد الا انه من الواضح لها اهداف مشتركة. فاسرائيل تريد معاقبة سوريا لانها واحدة من العوامل المهمة في نجاح المقاومة اللبنانية في الحربين؛ 2006 و2023، والفات دمشق على انها ستدفع ثمناً باهضاً بسبب ذلك.
في المقابل تريد تركيا ان تغير سلوك الحكومة السورية نحوها، وتدفعها لقبول الدور المحوري لانقرة في تحولات احدى اطرافها سورية. على ذلك فان قلنا انه ظهرت على الساحة حركة "تآزرية" ما قلنا شططا.
4 ـ ان وضع جبهة المقاومة في هذه الساحة واضح؛ فحكومتان في شمال وجنوب سوريا تسعيان ان تضغطا على حليف مهم للمقاومة كي تضطر للخضوع. فيما المقاومة تعرف وظيفتها في دعم حليفها في مواجهة الاطراف المعتدية سواء من المجاميع الارهابية او من الحكومات المتطاولة.
انه عمل شرعي ـ وغير عدائي ـ وفي نفس الوقت مؤثر جدا. انها تجربة قد مورست لمرات وخرجت بالنصر.
سعد الله زارعي