مبادرة نقل الصراع قفزة الاعرج
لم تعد تنفع النظرية العسكرية لكيان الاحتلال بنقل القتال الى ارض الخصم كي لا تتضرر مدنها ومستوطناتها، وهو ما طبقته عام 1982 حين وصلت طلائع جيش الكيان الغاصب الى بيروت في ستة أيام، كي تفرض من ثم شروطها. اما اليوم فقد تغيرت المعادلة اذ بعد خمسين يوماً من القتال الشرس لازالت قوات الكيان تتراوح في الاشبار التي دخلتها من ارض لبنان، فيما يستمر قصف المستوطنات والمدن الاسرائيلية وحتى تل ابيب كل يوم بصواريخ ومسيرات حزب الله.
وفيما كان الكثير بانتظار وصول الحرب الروسية الاوكرانية الى مرحلة التفاوض ووقف اطلاق النار بفوز ترامب برئاسة الجمهورية، بعد الالفية الاولى من نشوبها، يفاجأ العالم باصدار بايدن وبتأييد من قادة بريطانيا وفرنسا قرار الغاء حظر استخدام اوكرانيا لاسلحة بعيدة المدى لمهاجمة عمق الاراضي الروسية بصواريخ اميركية من طراز "سكالب" و"ظل العاصفة"، وهو بمثابة العد العكسي لحرب كبرى بين روسية والناتو، يكون التدمير فيه شاملاً والحسم خاطفاً. وقرار بايدن اشبه بما فعله الرئيس الاميركي الاسبق "رونالد ريغان" عندما وصل الصراع بين اميركا والاتحاد السوفياتي السابق الى حافة الهاوية فحرض ريغان الاميركان لدعم ما اسماها بـ"مبادرة الدفاع الستراتيجي" او ما سمي بـ"حرب النجوم"، بعدما تفوق الاتحاد السوفياتي في كثير من عناصر القوة فتحتم وجود قفزات اميركية كبرى لردم الهوة.
ان القوة اذا كانت بيد الفاسدين والظالمين فهي مصدر شر في حياة الناس، واداة تخريب وسلب للامن وممارسة الظلم، وان عسكرة التقنيات من اخطر ما تواجه الكرة الارضية حاليا. اما اذا كانت القوة والتقنية بيد الصالحين "واعدوا لهم ما إستطعتم من قوة"، فهي بمثابة الويل والهلكة للمفسدين لانها تنهي احلامهم الشيطانية، وهذا ما نلحظه باستمرار من خلال تصريحات الكيان الصهيوني بضرورة استهداف المنشآت النووية الايرانية.
فيما كان تأكيد رئيس المنظمة الايرانية للطاقة النووية "محمد اسلامي" بخصوص الزيارة الاخيرة للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية "رافائيل غروسي" الى ايران، ان البرنامج النووي السلمي للجمهورية الاسلامية الايرانية يسير وفقاً لقانون "الاجراء الستراتيجي" بالغاء الحظر. وهذا ما اكده ايضا الرئيس مسعود بزشكيان خلال استقباله المدير العام للوكالة؛ اننا وكما اعلنا مراراً وتأسيساً على الفتوى الصريحة لقائد الثورة الاسلامية لم ولن نكن بصدد انتاج السلاح النووي فايران تريد السلام والامن في العالم.
الا ان الاعداد لقدرات صاروخية هي من الامور الضرورية في عالمنا المعاصر، وهو ما اعلنه مؤخرا قائد وحدة الفضاء التابعة للقوة الجو فضائية للحرس الثوري، العميد علي جعفر آبادي بان الانشطة الفضائية في العالم تعرف بانها سلمية ولكن السلمية لا تعني المدنية صرفاً فالجميع لديه قطاع عسكري، حيث تتولى وزارة الدفاع مسؤولية انتاج حاملات الاقمار الصناعية التي تعمل بالوقود السائل اضافة الى التي تعمل بالوقود الصلب.
اذن المعادلة الردعية ماضية في تصاعدها مادامت قوى الشر تمتلك تقنيات عسكرية لفرض الهيمنة والاستبداد، ولا يهمها مصائر الشعوب كما سيحصل لاوكرانيا اذا ما جربت حظها واستخدمت الصواريخ في العمق الروسي وكأن امثال هؤلاء الحكام يتوارثون الحماقة باشعال حربين كونيتين خلال عقدين من الزمن وتسببوا بهلاك عشرات الملايين من الابرياء. وهكذا ارادت اميركا من اوكرانيا فخاً وحرب استنزاف طويلة الامد لروسيا على غرار ما حصل لها في افغانستان زمن الاتحاد السوفياتي السابق، الا ان هدف روسيا من الحرب في اوكرانيا يختلف في الشكل والاساس لكون اوكرانيا تشكل خاصرة الامن القومي لروسيا ومجالها الحيوي واي تفريط في الحسابات والمواجهة والحسم سيتيح للحلف الاطلسي التمدد باتجاه روسيا ومن ثم احتوائها وزعزعة استقرارها مما يسهل لاميركا في ما بعد الهيمنة على اوراسيا. اذن عملياً هي حرب تجري بين روسيا وبين اميركا وحلفائها.
ومن اغرب ما وصفت بها الحرب في اوكرانيا ما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" بان اميركا لم تكن خلال فترة حرب اوكرانيا بصدد دعمها الكامل لكييف وانما تصبو لهدف قديم وهو اضعاف موسكو. والقرار الاخير لبايدن السماح لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى ضد روسيا يصب في هذا المجال وهو مؤشر خطير جدا قد يدفع بالامور لاندلاع حرب عالمية ثالثة ان لم تكف واشنطن ورئيسها الخرف والمنتهي الصلاحية اللعب بالنار.