kayhan.ir

رمز الخبر: 19755
تأريخ النشر : 2015May23 - 21:14

تراجع سقف الاحتلال من الحسم الى الردع الى الاندحار

جهاد حيدر

شكل تحرير العام 2000 محطة مفصلية في تاريخ لبنان والمنطقة. وتحول إلى مدرسة يمكن لأي جماعة أو شعب أن يستلهم منها. في المقابل كثرت المساعي السياسية والاعلامية بهدف تطويق هذا الانتصار، كما غيره من انتصارات المقاومة، منعا لتحولها إلى عامل استنهاض عربي شامل في مواجهة إسرائيل. مع ذلك، فإن أبرز تداعيات انتصارات حزب الله في لبنان وصولا إلى تحرير العام 2000، تجلت على أرض فلسطين.

رغم أن دائرة مفاعيل التحرير كان يمكن لها أن تكون أوسع وأكثر حضورا لولا الحرب المضادة التي شنها أعداء المقاومة في العالم العربي، لكن هذه الحرب لم تستطع أن تحجب وتحول دون جانب أساس من تداعياته، وتحديداً ما يتصل بمعادلات الصراع وبالفكر السياسي والعسكري في الكيان الإسرائيلي.

الحديث عن تحرير العام 2000، يستوجب بالضرورة استحضار كل انتصارات المقاومة وتضحياتها، لأنه ليس سوى تتويج لمسار تراكمي من الانتصارات التي سجلتها المقاومة في مواجهة شتى أنواع الحروب.

عدم القدرة على الحسم

يشكل الحسم العنصر الأساس في الاسترتيجية الأمنية الإسرائيلية، ويعني - حسب تعابير جنرالات جيش العدو والخبراء العسكريين الإسرائيليين - تدمير قدرات العدو واحتلال الارض. لكن استراتيجية حزب الله العسكرية سلبت العدو القدرة على تحقيق هذا الهدف. وبالتالي مكَّن حزب الله من الجمع بين القدرة على المبادرة العملانية والاستمرار والتطور.

يمكن مقاربة التحرير من زاويتين:

كونه نتيجة عجز "إسرائيلي” على حسم المعركة مع المقاومة، التي استطاعت المحافظة على زخمها ومواصلة مسارها التصاعدي ما أدى إلى استنزاف العدو وتكوين حالة ضغط على الواقع الإسرائيلي وأنتج تيارا شعبيا وسياسيا يتبنى الانسحاب كخيار للخروج من المستنقع الذي غرق فيه الجيش.

من جهة أخرى، يشكل التحرير ايضا مؤشراً كاشفاً عن تسليم صانع القرار في تل ابيب بالعجز على الحسم. وهو معطى ينطوي على تحوُّل جذري في العقيدة السياسية والعسكرية الإسرائيلية. ويترتب عليه سياسات وخطط بناء قوة مختلفة اتضحت معالمها في السنوات اللاحقة. كما أن تسليم القيادة الإسرائيلية بهذا العجز دفعها إلى البحث عن خيارات واستراتيجيات بديلة. ونتيجة تراجع سقف الحروب التي شنتها إسرائيل في حينه من الحسم إلى محاولة ردع المقاومة عن مواصلة عملياتها لتحرير الارض.

عدم القدرة على الردع

مهما قيل عن عناصر قوة حزب الله، فإن من أهم ما يميز لبنان تمتعه بعناصر ضعف تكوينية تتصل بمحدودية مساحته الجغرافية، وقلة عدد سكانه، وضعف إمكاناته وثرواته... وهي كلها عوامل لها أثرها على قدرات المقاومة وآفاقها وهامش حركتها. في المقابل يتمتع العدو الإسرائيلي بتفوق كمي ونوعي في مواجهة لبنان ومقاومته، على كافة المستويات العسكرية والامنية والاقتصادية...

هذه الهوة بين الطرفين ألقت بثقلها على حركة الصراع، ويصح القول أنها تعزز من تألق انتصار حزب الله، كونه تحقق بالرغم من هذه الظروف وموازين القوى.

أبدع حزب الله في فرض معادلات تقوم في جزء اساس منها على الرد الصاروخي المدروس والهادف، في العمق الإسرائيلي

في ظل هذا الواقع، أبدع حزب الله في فرض معادلات تقوم في جزء اساس منها على الرد الصاروخي المدروس والهادف، في العمق الإسرائيلي.

وأبرز من أقر بشكل صريح ومباشر بهذه المعادلة الرئيس الحالي لهيئة اركان جيش العدو، غادي ايزنكوت، عندما اوضح في محاضرة له عندما كان يتولى قيادة المنطقة الشمالية بالقول "اذا لم تخني الذاكرة فإن جل اطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية كان على اثر عمليات للجيش الإسرائيلي اعتبرها حزب الله تجاوزا لخط ما” (معهد ابحاث الامن القومي/ نشرة الجيش والاستراتيجية/ حزيران 2010).

استاع حزب الله قلب مفاعيل النظرية التي حاول العدو الترويج لها من أجل تأمين اجماع داخلي يتكيف مع الاستنزاف البشري في صفوف جنوده. وتقوم هذه النظرية – المعادلة، على أن إسرائيل تحتاج إلى استمرار احتلال أراض لبنانية باعتبارها "حزاما أمنيا” لحماية شمال إسرائيل. لكن الاستراتيجية الصاروخية التي اتبعتها المقاومة، حوَّلت الاحتلال إلى سبب تدهور أمن مستوطنات الشمال، ردا على أي استهداف يطال المناطق المدنية اللبنانية. وحوَّلت مستوطنات الشمال إلى قيد على حركة جيش الاحتلال الذي بات مضطرا أن يأخذ بالحسبان إمكانية استهدافهم لدى دراسة خيارات توسيع نطاق العدوان إلى العمق اللبناني. وتحول هذا الواقع المركب إلى عامل ضغط اضافي على كيان الاحتلال تُعمِّق من خسائره واستنزافه.

وهكذا نجح حزب الله في حصر ساحة المواجهة بعيداً عن العمق اللبناني، وبتعبير آخر نجح في تحييد المدنيين اللبنانيين إلى حد كبير. ومن أهم نتائج هذه المعادلة أنها أسست بشكل فعلي لتحرير العام 2000.

أدى إقرار العدو بفشله على الحسم في مواجهة المقاومة، بل وحتى إزاء ردعها عن مواصلة عملياتها ما دام الاحتلال يجثم على الأراضي اللبنانية المحتلة، إلى تداعيات سياسية واستراتيجية. بمعنى أن إسرائيل أدركت حدود قوتها على ارض لبنان، وكونها لم تعد قادرة على التوسع واحتلال المزيد من الاراضي العربية والبقاء فيها. وبتعبير آخر اسقطت المقاومة في لبنان اسطورة إسرائيل الكبرى.