حسين شريعتمداري

1 ـ "السلام عليك يا رسول الله عني والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائنة في الثرى ببقعتك والمختار الله لها سرعة اللحاق بك. قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلّدي الا ان في التأسي لي بسنتك في فرقتك موضع تعز فلقد وسدتك في ملحودة قبرك وفاضت نفسك بين نحري وصدري... قد استرجعت الوديعة واخُذت الرهينة واختلست الزهراء  فما اقبح الخضراء والغبراء.

يار سول الله اما حزني فسرمد واما ليلي  فمسهد... وستنبئك ابنتك بتظافر اُمتك على هضمها فاحفها السؤال واستخبرها الحال...".

ما الذي حصل لعلي؟! وما الذي جرى على بضعة رسول الله؟! ليجلس علي تلك الليلة ويناجي رسول الله بهذه الطريقة ويقدم شكواه بان "والى الله يا رسول الله المشتكى وفيك يا رسول الله اُحسن العزاء".

فما حصل تلك الايام؟

لنقرأ!

2 ـ ان الزهراء(س) في تلك الايام بعد رحيل رسول الله(ص) وقبل ان تفارق هي الحياة لتكون عند مليك مقتدر وتلتحق بابيها الذي ينتظرها، قد قطعت الازقة لتلتقي ببعض الخواص في المدينة، ان فاطمة تذكرهم بقلق توصيات رسول الله(ص) والعهد الذي قطعوه مع الله والآن قد نقضوه من غير وجل. الا ان قلق فاطمة(س) الذي استتبعه اصرارها لم يلق إلا السكوت من بعض الخواص، وهكذا كان صوت فاطمة(س) قد حجب بين ثنايا الصمت الثقيل والمحير في تلك الايام. ان زهراءنا كانت تعلم ان الناس اذا ولوا عن ولاية علي، سيضطرون لقبول ولاية الحكام الظلمة، ان فاطمة كانت ترى من خلال حرمان العالم الاسلامي من إمامة علي(ع)، "فتنة الجمل"، وتسمع نعيق معاوية الممسوس  في خدعة صفين.

وتنظر لجهل الخوارج في النهران، وتنحب على رأس علي المطبور ليلة التاسع عشر من رمضان السنة 40 للهجرة في محراب مسجد الكوفة. وترى الطبقة الارستقراطية المنبوذة قد سجلت حضورها في الساحة مرة ثانية.

والحسن(ع) الذي يعتصر قلبه دماً لجفاء الناس المبتلين في مخالب معاوية، وترى رأس الحسين(ع) المطهر على رماح غدر الارستقراطيين يقطر دماً، وترى يزيد  اذ يضع راس ابن رسول الله المذبوح، امامه وينكت بالقضيب على ثنايا الحسين(ع)؛ وهو يقول:

ليت اشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل

فالناس  المظلومين  المبتلين بالمخالب الدموية لبني امية وبني العباس، والمسلمون الذين يعضوا  يد الندامة حسرة ويضربوا على جباههم ان ليتهم عرفوا حق ولاية علي(ع) محب المحرومين وحامي المظلومين، ولا ان يشهدوا حكم الحجاج بن يوسف الثقفي ومنصور الدوانيقي وامثالهما مصاصي الدماء  اعداء البشرية" فكانت فاطمة تشهد كل ذلك وينتابها الجزع.

3 ـ ان المؤرخين في صدر الاسلام قد دونوا بعض الجزئيات واقل الاحداث اهمية في تلك الايام دونوها بدقة وشرحوا التفاصيل وثبتوها، اذ يمكن اليوم مراجعها.

فمثلاً؛ اين كان يسكن القائد الاسلامي الكذائي، او اين استشهد الشخص الفلاني في صدر الاسلام وفي اي معركة او حتى في اي موقع من ساحةالحرب،  او ان المقاتل أكان يهجم بالرمح او بالسيف و... من هنا أليس مستغربا ان تبقى التربة التي دفنت فيها فاطمة (س) مع دورها البارز في الاسلام والمكانة المرموقة  لها مع ما يُنقل عن رسول الله(ص) بخصوصها، ان تبقى تربتها دون مَعلم؟! وان هذا التغييب هو توصية مؤكدة منها؟

ان فاطمة (س) باخفاء قبرها قد تركت علامةواضحة وخالدة على جبين التاريخ وللابد. فالقبر المغيب لفاطمة دليل واضح على عدم رضاها، وتقرير موثق على الانحراف  الذي حصل بعد رحلة الرسول(ص). ان فاطمة بتغييب تربتها قد أدلت الاجيال على الصراط المستقيم.

4 ـ وهكذا دارت الايام ودارت لتصل الى عصر حسب قول سماحة قائد الثورة "عصر الخميني" وهي التسمية الأليق والعلامة الفارقة الانيق.

ان دائرة الزمان اذ بلغت  عصر الخميني، قد ألبست مرة اخرى احداث صدر الاسلام لبوساً مكرراً. اذ ان امامنا الراحل قد نفض غبار قرون من البدع والتحريف  وانحراف الافكار التي علت وجه الاسلام الاصيل، وقدم الاسلام المحمدي الاصيل كما كان في صدر الاسلام قدمه الى عالم متعطش لطلب الله والعدالة. فعثر الشعب  الايراني ومن ثم كل من يسكن بقاع العالم، عثرواعلى ضالتهم. ومرة اخرى تتكرر وقائع ما حصل في الصدر الاول للاسلام. فالتحق الناس افواجاً وجماعات بالاسلام الذي رفع عنه الرين والتحريف. وبذلك صار نوم الاعداء ومريدي  السوء الذين دفعوا بالاسلام الاصيل الى الحاشية، صار نومهم كابوساً  وهجم نظام السلطة العالمية الذين هم جميعا اعداء الانسانية مسارعين الى الميدان. وتكررت مرة اخرى معارك؛ بدر واحد وحنين وصفين والجمل بنفس خصوصياتها ولكن هذه المرة في اُفق واسع واكثر تعقيدا و...

5 ـ ولكن هذه المرة اختلفت الامور مع ما حصل في صدر الاسلام اختلافا بنيويا. فالامة الاسلامية تحمل تجربة 1400 عاما على اكتافها.

وترى الوجوه من خلف النقاب وتميز بين السقيم والسليم. ولا تتجه صوب السراب بحثاً عن الماء و...

ان شعوب  هذا العصر تعلمت من فاطمة (س) انها اذا ابتعدت عن ولاية علي(ع)، سيضطرون دون ادنى شك لقبول  ولاية الحكام الظلمة...

والعهد الالهي الذي ابرموه في "الوادي الايمن" قد اوصلهم الى ميقات "ارني"، فالتحقوا بارواحهم بولدي فاطمة ـ الخميني والخامنئي ـ. وفلقوا السقف المظلم لنظام السلطة، ليطرحوا مشروعاً جديداً، وهذه القافلة  النورانية ما زالت تقتحم في سيرها الثغور، كي تقتحم كما قال امامنا الراحل العقبات المحورية للعالم الواحدة تلو الاخرى...

فاليوم وفي معسكر غرب آسيا يحدوها فتح فلسطين المحتلة  واسقاط الكيان الصهيوني الوحشي. وحين تنظر وتقارن النقطة الحالية عن نقطة البداية ستجد بوضوح انها فتحت ثغور عدة وتسلقت القمة.

حقاً يا فاطمة العزيزة! لو تكون من حفيدك اشارة واحدة لهرولت على رؤوسها افواج الرجال والنساء...

فهل انت راضية عن امتك في آخر الزمان؟