جوهر الاسلام يرفض الاستسلام
من المباحث الاساسية لدراسة التطور السياسي في المنطقة هي العلاقة بين الاسلام والسياسة خلال الربع الاخير من القرن العشرين. فالمنظومة القيمية التي تشكل مبادئ عامة للحكم في الاسلام قد جعلته حاضراً في الحياة السياسية، اذ لم يغفل الاسلام كما يجسده القرآن والسنة عن مسألة السلطة والحكم.
فعلى خلفية الانقلابات العسكرية التي اطاحت بالنظم الملكية في عديد من الدول العربية شاعت الايديولوجية القومية كبديل لحالة الاستعمار واستغلال الشعوب بداية القرن الماضي، الا انها هي الاخرى فشلت في اشعار الامة بعزتها.
ان تسونامي الثورة الاسلامية في ايران أخرجت المارد الاسلامي من قمقمه واعطت الامل الوضاء للجمهور اذ استبطنت استنكارا ورفضا لتجربة طويلة من الصراع قادتها الانظمة العربية. فالحالة الاسلامية التي انتقلت لابناء المنطقة هي التي فجرت الانتفاضة الفلسطينية الشهر العاشر من عام 1987، فتعمق التيار الاسلامي واتسع. وبلغ المد في مدن الداخل الفلسطيني وما نفع معه اي تهديد او وعيد حتى حاكمية الاسلاميين لقطاع غزة في استفتاء شعبي. وتزامن هذا الشعور مع تبلور الحالة الاسلامية في اليمن لتفرز حركة انصار الله التي اعادت لليمن صورتها الناصعة كما كانت منذ اليوم الاول للدعوة الاسلامية المحمدية. وبالطبع ما شهدته لبنان بجنوبها البطل قد اتمت الحجة على من استمرأ الخنوع والياس او من تحالف مع العدو الصهيوني على حساب الوطن.
ان جوهر الاسلام بما يعنيه من تسليم مطلق للواحد القهار سيرفض بشكل قاطع اي مهادنة او استسلام، ولا يهم المسلم أوقع على الموت ام وقع الموت عليه اذا كان الخطر يحدق بمبدأه. وها نحن نعيش اليوم المواجهة الحقيقية بين الكفر كله المتمثل باميركا والغرب والكيان الصهيوني، والاسلام كله المتمثل بجبهة المقاومة الاسلامية وقاعدتها الاساس الجمهورية الاسلامية الايرانية، وهذا ما نشهده في غزة العصية على الخنوع وتجدد الروح القتالية في ابناء الشهيد السيد نصر الله فلم تنجح الضربات الامنية القاسية التي تلقتها في تراجعها، اذ أظهر سلاح الصواريخ شديدة الدقة في التخطيط والتنفيذ مما خلقت توازنا ناريا، وكذلك حولت الطائرات المسيرة انهاكاً للعدو بعد ان وصلت الى غرفة نوم نتنياهو ووصلت اخرى الى غرفة الطعام في قاعدة بنيامينا وقتلت وجرحت قرابة المئة من ضباط وجنود لواء جولاني، فعادت الثقة بتحقيق النصر بمقاتلين اولي بأس شديد. وهذا ما اكده اول امس "محمد عفيف" مسؤول العلاقات الاعلامية في حزب الله، لمناسبة يوم الشهيد؛ "ان لدى المقاومين لاسيما في الخطوط الامامية ما يكفي من السلاح والعتاد والمؤن ما يكفي حرباً طويلة نستعد لها على الاصعدة كافة. ومازال العدو عاجزا عن احتلال قرية لبنانية واحدة". فما كان من المعتوه نتنياهو إلا وعزل وزير دفاعه لتسجيل كل الفشل على حساب الوزير ومحاولة لاظهار ان ما في جعبته من جديد سيغير المعادلة، ولكن هيهات ان تؤثر محاولات العدو في الروح القتالية لجبهات الاسناد كافة. فحرب الاستنزاف هي التي ستفعل مفاعيلها.