دعامتان اساسيتان لاستحكام حزب الله
سعدالله زارعي
الى ما قبل شهادة "عماد مغنية" في الثاني عشر من فبراير عام 2007، كان ثلة قليلة تعلم عن شخصيته وقدراته المعلوماتية والعملياتية. والى ما قبل شهادة "مصطفى بدرالدين" داهية عمليات حزب الله في العاشر من مارس 2016 كان على علم القليل عن قدراته المخصوصة. والى ما قبل شهادة "فؤاد شكر" القيادي الارشد في حزب الله في الثلاثين من جولاي هذا العام، يندر من يعلم عن هكذا قائد في حزب الله. والى ما قبل شهادة "ابراهيم عقيل"في العشرين من سبتمبر هذا العام، كذلك القليل من يعلم عن ابعاد شخصتيهما ووسعة وجودهما.
ونذكر حين استشهد عماد مغنية الذي كان الشهيد سليماني يصفه باعجوبة التخطيط في دمشق، قال الكثير من الاصدقاء بامتعاض والكثير من الاعداء بسرور "لقد انكسر ظهر السيد حسن نصر الله وظهر الحزب". وحقاً لم تكن شهادة الحاج رضوان بالحدث الهين. ففي ذلك الوقت وجه البعض من بيننا الشماتة لحزب الله وقوات فيلق قدس، والحاج قاسم، انه لماذا تم التقاعس في حفظ شخص بهذه الدرجة من الاهمية، فيما لم يستفسروا عن كيف ادرجت هكذا شخصية منذ عام 1985 على القائمة الاساس للاغتيال من قبل منظمات مخابراتية ارهابية اميركية وبريطانية وفرنسية واسرائيلية وبعض الدول العربية في المنطقة. فخلال 23 عاماً لم يتم التعرف عليه وكيف تمكن حزب الله ان يحفظ هكذا داهية كل هذه المدة.
ومن ثم استشهد مصطفى بدر الدين الذي كان البعض يعتبره "عماد العمليات" لحزب الله، فتكررت نفس الاسئلة حتى وصلنا الى شهادة "فؤاد شكر" وتناقلت وسائل الاعلام لاول مرة صوراً جذابة عنه. هذه المرة تساءل البعض في اشارة الى وقع جلل مثل شهادة الحاج علي زاهدي في هذه الايام في سوريا ولبنان، ما الذي كان حزب الله وايران و... تفعله كي تتلقى المقاومة اللبنانية هكذا ضربة. ومن ثم وقعت شهادة اسطورة المقاومة السيدحسن نصر الله والان شهادة آية الله السيد هاشم صفي الدين، وغداً ستكرر شهادة اخرى وتتكرر نفس الاسئلة.
ولا نعجب من تحليق اشباه "العباس" سواء في حزب الله او حماس والجهاد الاسلامي وانصار الله، والحشد الشعبي و... رغم الحسرة. وما سيجعل التاريخ يضع ابهامه في فمه تعجباً، العظمة الروحية لهكذا شخصيات ومادام هذا الاعجاب موجوداً فان السعي للتوصل لمكانة عباس بن علي سيكون الفعل الرائج. فمع عظمة عماد مغنية الا انه استشهد ولكن تم تثبيت ان حزب الله اكبر واكثر قدره من عماد مغنية بعد ان انتصر حزب الله. كما انه عند شهادة سيد عباس الموسوي الامين العام السابق لحزب الله، تم تطهير جنوب لبنان من لوث الجيش الاسرائيلي في غيابه. فتبين ان حزب الله اكبر بكثير واكثر اقتداراً من سيد عباس. وحين يستشهد امثال فؤاد شكر وابراهيم عقيل وعلي كركي وعدة قادة آخرين، اصابة لثلاثة كوادر من حزب الله خلال شهرين في حرب طاحنة، ياتي الحديث كذلك عن افضلية قدرات القادة والقدرة النارية لحزب الله، وهذا يعني ان حزب الله اكبرمن مجموع قادته! وهذا الامر هو الاكثر اعجاباً وليس شهادة القادة.
فلماذا يكون هذا؟ وسببه العمق والادارة العالية في تاسيس منظمة وتيار. وهنا اذا احتاج البعض لاجل اطمئنان قلوبهم بخصوص اقتدار حزب الله الداخلي، لادلة، فهذا الدليل قد حضر ورفع النقاب عن وجهه، اذ ان حزب الله تشكل على اساس نظرية مركزية محكمة. فهذه النظرية تقوم على اساس الاعتقاد بحكومة الصالحين ـ الوعد القرآني في كثير من الآيات ـ في عصر الغيبة بالاعتصام باصل ولاية الفقيه.
فما هو تأثير ولاية الفقيه؟ انه ادارة المجتمع، وفي الحقيقة جعل ترابط بين السماء والارض، كيف؟ فجانب من ولاية الفقيه جهته الشرعية. اي الاعتقاد بانه في عصر غيبة الامام عجل الله فرجه تكون نظرية ولاية الفقيه هي الحاكمة للمجتمع الاسلامي، لتطمئن قلوب المؤمنين ويحفظوا من اي تزلزل. اذ في بعض الاحيان تصل الامور الى مرحلة حرجة جدا، وحسب تعبير القرآن تعلو الاصوات "متى نصر الله". ففي مثل هكذا ظروف فان الاعتقاد بالتمسك بالحق والكون على الحق يفتح العقد الذهنية والعملية، كما قال امير المؤمنين عليه السلام؛ "المؤمن كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف".
والعنصر الثاني في ولاية الفقيه الوجهة الشعبية. الاعتقاد بان الاصلح له الاحقية في ادارة المجتمع، وهذا ملاك عقلائي. فحين يصل شخص من بين صفوف المجتمع المحروم الى الولاية والزعامة لتكون له المكانة الموثوقة والمطمئنة وتكون حكومته شرعية الى ابد التاريخ. فجميع عناصر حزب الله لبنان من الامين العام والى الكادر الادنى لهم الاعتقاد الراسخ بولاية الولي الفقيه، ولذا فان حزب الله وبعد العبور من الاعوجاج في عامه الاول وبخصوص امينه العام الاول، والى اليوم لم يواجه بتفرع او عزل المسؤولين او حدوث اختلاف داخلي، وهذا استثناء بين سائر الاحزاب.
الامر الآخر في استمرارية الجهاد والفكر الجهادي. اذ ان حزب الله ومنذ تاسيسه عام 1982 والى اليوم اي في جميع العقود الاربعة لم يكن بعيدا عن المعركة. فكانت 18 عاما من الحروب خلال اشتداد عود الحزب، ومن بعد ست سنوات وقعت حرب شديدة هي الـ 33 يوما، التي اسماها سماحة قائد الثورة دامت بركاته، بحرب الخندق، ومن بعد خمس سنوات، كانت ثمان سنوات في حرب مع الارهاب في سوريا وبعد خمس سنوات دخل الحزب في حرب الدفاع عن غزة.
فهذا الموضوع اي استمرار الجهاد بعد الاعتقاد بولاية الفقيه كان له الدور في استحكام حزب الله. فالمرحلة الرابعة بدأت منذ اكتوبر العام الماضي من حيث الاستحكام والانسجام اكثر من 18 عاما من الصراع في الوقت الذي خلال هذه الفترات كان حزب الله يواجه باستمرار شهادة قادته وزعمائه. فلماذا؟ ان سر هذه المطاوعة والاقتدار يكمن في الجهاد المستمر. فيقول امير المؤمنين عليه السلام؛ "الخير كله في السيف وتحت السيف وفي ظل السيف" عدم الملل من القتال والتولي من جهاد العدو، وعدم التذرع بالحجج في دخول المعارك وهذا ما اوجد حزب الله. وصار الكابوس المشترك لجميع اعداء الشعوب (من اميركا الى الكيان الغاصب والى بريطانيا وفرنسا والى بعض الحكومات العربية في المنطقة) وليس لهم طريق حل في مواجهته!
هذا وينتظر بعض الذين لم يقرأوا تاريخ اربعين عاما من عمر حزب الله او قرأوه ولم يتأملوا فيه ولم يتوصلوا الى كنه حزب الله، ينتظرون ليرون مصير حزب الله في هذا الخضم ما الذي سيحصل!
ان الذين كانت الصورة لهم واضحة خلال اربعين عاما الماضية، يعلمون انه بالرغم من بعض التهويلات، ان لا شيء يمكنه دفع حزب الله الى وراء نهر الليطاني، وهو الذي مر بظروف اصعب وتغلب عليها في الداخل والخارج اللبناني، او ان يفرض معاهدات قديمة مثل 1559، و1701 لمجلس الامن الدولي، فلا توجد قوة بامكانها ان تفصل حزب الله عن مركزيتها لجبهة المقاومة ودورها الاقليمي. ولا يمكن لاي قدرة ان توجه ضرراً لطريقة حزب الله في الحصول على اسلحة اكثر واحدث، ولا تتمكن اي قدرة ان تفصل حزب الله عن مكانتها السياسية المؤثرة الحالية في لبنان. ان حزب الله وجبهة المقاومة سترسم ساحة الاحداث المستقبلية بقدرة اكبر. ولكن اصبروا قليلا.