الدفاع عن السُّنة.. الخديعة الكبرى
يونس أحمد الناصر
افترق الاسلام بعد الخلافة الراشدة فرقاً عديدة في فهمهم للرسالة المحمدية و نشأت لذلك طرق عرفانية كثيرة , و ليس هذا موضوع بحثنا فما حدث قد حدث.
اليوم و بعد أكثر من ألف و أربعمئة عام , جاء من يستغل الخلافات الفكرية بين الطرق العرفانية في الاسلام و يجعلها سلاحاً لقتل الاسلام و المسلمين, و آخر تجليات اللعب على هذا الوتر هو المشروع الأمريكي الكبير لتفتيت العالم العربي على أسس طائفية لتوكيد مشروعية الدولة اليهودية في فلسطين المحتلة و جعلها أكبر مكون في هذه المنطقة من العالم .
و كي نفهم ما يحدث اليوم علينا العودة إلى مشروع الادارة الامريكية الذي وضعه برنارد لويس في نهاية السبعينيات من القرن الماضي و بعد حرب تشرين /اكتوبر التي هدد بها العرب وجود إسرائيل تهديدا حقيقياً.
إذا مخطط برنارد لويس هو مشروع تتناقله إيادي الساسة الأمريكيين و كل إدارة تسلمه للإدارة التي تليها باعتباره مشروعاً جوهرياً في السياسة الأمريكية الخارجية.
وبعد حادثة انهيار برجي التجارة العالمية في أيلول ( و الذي قد يكون مفتعلا ) أعلنت الا دارة الأمريكية الحرب على الاسلام باعتباره العدو للحضارة الأمريكية كما يدعون , و أطلق صقور هذه الادارة مشروع الشرق الأوسط الجديد عبر ما سمته وزيرة الخارجية الأمريكية بالفوضى الخلاقة المدارة أمريكياً و التي تعمل على تناقضات الفوضى لتحقيق المصالح الأمريكية و ربيبتها إسرائيل .
مراكز الدراسات الأمريكية التي درست الاسلام و عرفته أكثر من الكثيرين من معتنقي هذا الدين , وجدت في فكر ابن تيمية التكفيري و تلميذه محمد بن عبدالوهاب حصان طروادة لاقتحام حصون الاسلام و تفتيته من الداخل , فجندت جنود هذا الفكر تحت شعار " جنود الخلافة " و تمويل البترودولار الوهابي و الاسلحة الأمريكية و الغربية , لينقض جنود الخلافة على بلدان المسلمين تخريباً و تدميراً .
و ما بنته هذه الشعوب عبر تاريخها أصبح أكواماً من التراب و الخراب , فخاض هؤلاء الأغبياء حرب الوكالة عن العدو الأصيل و أعني أمريكا و إسرائيل تحت عنوان مخادع هو " الدفاع عن أهل السنة و الجماعة " بما يماثل الحروب الصليبية على الشرق .
المهم بأن هؤلاء " رجال الخلافة " المخدرون بالدين و الجنس , رفعوا راية الخلافة على قوافل سيارات الدفع الرباعي المزودة بالرشاشات , و زنًَروا أجسامهم بأحزمة السيفور القاتلة , و مضوا يرددون شعارات التكفير و القتل و يهددون روما من وراء البحار , بينما سواطيرهم القاتلة لا تطال سوى أبناء جلدتهم .
قالوا بأنهم جاؤوا للدفاع عن أهل السنة و الجماعة و انتصاراً لمظلوميتهم ضد أبناء وطنهم الذين عاشوا معهم آلاف السنين , و تحت صيحات التكبير " الله أكبر " ارتكبوا أبشع جرائم القتل و التمثيل بالجثث و أكل لحوم البشر و كأنهم كائنات شريرة صنعت مخبرياً ثم فقد صانعها السيطرة عليها.
تحت شعارهم السابق " الدفاع عن أهل السنة” اخترقوا البيئة السُّنية التي اطمأنت لهم في الكثير من المدن العربية , بسبب الجهل و التخلف و سيطرة الدين على عقول هؤلاء الناس , فكانوا أول ضحاياهم – قبل غيرهم – من أبناء الوطن حيث نهبت الأرزاق و انتهكت الأعراض تحت عناوين دينية أفتى بها زناة العصر و استندت إلى إسرائيليات تم دسّها في كتبنا الصفراء و اليوم أتى موعد استثمارها و قد وقف المثقفون و المتنورون من هذه البيئة ضد هؤلاء الظلاميين و عانوا ما عانوا من عسف هذه المجموعات .
البيئة الحاضنة... مجرمة أم ضحية ؟؟
إني لا ألتمس عذراً للبيئة الحاضنة التي أعتقد بأنه قد تم توريطها في مواجهة مجتمعها , تحت الترغيب و الترهيب و أقصد في سورية تحديداً و يمكن التعميم في مجتمعات أخرى مع فوارق بسيطة و أعني في المجتمعات ذات اللون الواحد حيث تم بث الصراع على أنه خلاف بين العلمانيين و المتدينين على اعتبار أن العلمانيين كفاراً يجب قتالهم , و هذا ما حدث في البلدان المغاربية كالجزائر مثلاً.
البيئة الحاضنة , ضحية هذا الفكر التكفيري و ربما أكثر من غيرها كونها أصبحت بين فكي كماشة , فمن طرف , الحكومات التي تكافح هذا الفكر المتطرف و من إجرام تلك العصابات من طرف آخر التي كوتهم بالحديد و النار باعتبارهم مسلمين و لكن يجب إعادتهم إلى الدين القويم كما يزعمون عبر فرض سلوكيات تجاوزها الزمن كالنقاب و إقامة ما يسمونه الحدود و التنكيل بالعباد تحت عنوان هدايتهم إلى الدين الحق .
و الذي حدث في هذه البيئة , هي إنها بيئة سنية لا تختلف من حيث الجوهر مع هذه التنظيمات , سوى بالحدة في تطبيق الشعائر, و كون هذه التنظيمات هي الأقوى فهي تفرض فهمها للدين على الآخرين , كجلد تارك الصلاة و قص أصابع المدخنين و عقوبة " عض " المرأة التي يظهر من بدنها شيء حتى لو كان أطراف أصابعها أو جواربها الرقيقة .
الاتفاق في جوهر العقيدة مكَّن هذه التنظيمات من اختراق هذه البيئة كنباتات طفيلية , و ذلك من خلال رجال دين تم شراء تأييدهم بمغريات عديدة أو تحت التهديد و من يرفض فجزاؤه القتل و هذا ما حدث في الكثير من الأحياء و المدن التي دخلها هؤلاء المتطرفون.
يضاف إلى ما سبق حول كيفية تمكن هذه التنظيمات من السيطرة على البيئة الحاضنة و اعتبارها مجتمعا لها و اعتبارها أساساً لدولة خلافتهم التي ينشدون, رغم قناعة أغلبية هذه البيئة بأن هؤلاء ليسوا على صواب و ما يفعلونه مخالف للعقيدة , و لكن ما باليد حيلة كما يقال , فغالبيتهم ليس لديهم السلاح الذي يدافعون به عن أنفسهم و إن كان موجوداً عند البعض فهو ليس بفاعلية سلاح هذه التنظيمات المتطور, يضاف له عامل الجُبُن و الخوف على الأرواح و الممتلكات و الركون للظالم على حساب المظلوم .
و تشير الكثير من الاستطلاعات التي أجريت في البيئات الحاضنة لهؤلاء المتطرفون بأنهم يرفضونها , و حدثت الكثير من حالات التمرد كان الرد عليها بالنار .
هذه ما يحدث اليوم , و حدث منذ بداية ربيعهم المزعوم , ففي مدينة حماة و التي تعتبر من أشد البيئات الحاضنة تاريخياً لهم , فقد أجبرهم المسلحون على التظاهر في بداية العدوان على سورية و بثوا الفيديوهات المبالغ فيها عن حجم التظاهر ضد الدولة أضعافا مضاعفة , و رغم ذلك فليس كل من نزل إلى التظاهر هو ضد دولته , إنما بسبب ترهيب تلك المجموعات و إجرامها , باستهداف هؤلاء أو أسرهم و أرزاقهم بحجة إنهم مؤيدون للدولة , و لكن اختلف المشهد تماماً عند سيطرة الجيش العربي السوري على مدينة حماة و طرد المسلحين منها , حيث أصبحت من المدن الهادئة في سورية و حتى يومنا هذا , و ما قلته عن حماة ينطبق أيضاً على دير الزور التي خرج مواطنوها بالأهازيج و الزغاريد لاستقبال عناصر الجيش العربي السوري المنتصرين في معركة مطار دير الزور , و ربما كانوا قبلها يهتفون لهؤلاء الأوباش .
ما أريد قوله بأن السوريون المحبون لبلدهم , هم أنفسهم لم يتغيروا و لكن الظروف غيرتهم , و عندما تزول هذه الظروف سيعود كل شيء كما كان , و ربما أفضل بحكم التجربة المريرة التي عشناها جميعاً و التي اكتشفنا خلالها بأن أثمن ما كنَّا نملكه هو الأمان الذي افتقدناه بسبب هؤلاء المجرمون... و إننا إلى النصر سائرون.