kayhan.ir

رمز الخبر: 195738
تأريخ النشر : 2024October15 - 22:11

لبنان، حرب وساحة اخرى

 

سعدالله زارعي

مرت ثلاثة وعشرون يوماً على الهجمات الثقيلة من قبل كيان الاحتلال على لبنان، فيما شهدت الايام الاخيرة تبادل الهجمات بكثافة من الجانبين، وان الهجوم بمسيرة من قبل حزب الله على المقر العسكري للواء غولاني الخاص الواقع بين حيفا وتل ابيب وعلى مسافة ستين كيلومتر من الحدود اللبنانية اضافة للهجوم الصاروخي على تل ابيب يعزز مقولة ان الحرب تشتد كلما تقدم الزمن.

فشهادة امين عام حزب الله وهو ما يصعب تصديقه وما تحمله كيان الاحتلال الاحد الماضي يدلل على مواجهة الجانبين لظروف غير منضبطة. فليست حرباً سهلة فهي حرب التقنيات ولكن ليس هذا كل الكلام، هي حرب الارادات ومع ذلك لا ينتهي الامر هنا؛ انها حرب وسائل الاعلام وكذلك لا يختتم هنا، اذ ان نتنياهو اسماها حرب وجود ولا تقتصر على "اسرائيل" وفلسطين بل كل المنطقة وحتى العالم. فالتلموديون اسموه الحرب الاخيرة، بينما الغربيون فيصنفوها باهم معركة منذ خمسين عاما. ولها آثار اخطر من انهيار الاتحاد السوفياتي قبل 33 عاماً.

1 ـ ان جيش "اسرائيل" الارهابي في حرب مع حزب الله لـ 42 عاماً من عمره الـ76 اي اكثر من نصف تاريخه، وفي احدى المقاطع نالت الحرب لـ18 عاماً وفي مقطع آخر استمر القتال لعام وفي مقطع آخر لـ33 يوماً وهي من اشدها. وبعيدا عن المواجهات بشكل حرب عصابات (كما في مواجهة؛ القسام، وعرفات و...) والتجارب الاخرى بين الدول العربية و"اسرائيل" منذ عام 1948 والى عام 1973، حصلت حروباً اربعة المعروفة. والمهم هنا ان "اسرائيل" تمر بأشد الحروب واطولها واكثر ستراتيجية، اذ خلفت الكثير من القتلى وتدمير اشد وبالطبع نتائج اكثر مصيرية، فالحروب قبلها كانت ذات هدف محدد، ولكن ان يتحدث قادة الكيان الغاصب عن حرب الوجود وبعث "اسرائيل" وتغيير مصير المنطقة وتحديد مصير العالم، ولا يضلوا في قولهم اذ في الاقل يطلق على هذه الحرب حرب الوجود. فالبعض بالنظر لمستوى التخريب وعشرات الآلاف من الشهداء والمجروحين يرون ان "اسرائيل" ستعزز مواقعها بنهاية الحرب وتدمر المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وستضعف ايران بضرب اذرعها لتتجه نحو الانهيار. على ذلك فان عبارة حرب الوجود التي يطلقها نتنياهو وبايدن هي حرب "اسرائيل" واميركا على الجمهورية الاسلامية! وبالطبع هذا يختلف عن تصريحات المسؤولين الاسرائيليين والاميركيين والاوروبيين. فنتنياهو خلال خطاب في الكونغرس الاميركي في اغسطس الماضي، قال؛"اذا لم نضع ايدينا بايدي البعض سنتدمر وعلينا حينها ترك الشرق الاوسط". اذن الترجمة بالضبط هي حرب الوجود اذ هي مواجهة اسرائيلية سواء كنظام او كرمز لحاكمية الغرب على العالم الاسلامي. وبالطبع فان هذه الظروف بالنسبة للمقاومة ذات تأثير ونقطة عطف لها.

2 ـ ان ما يحدد المصير النهائي لهذه الحرب ليست الارادة الاولية للبقاء او الغلبة؛ بل هي الاستقامة والمصابرة. فالكيان الاسرائيلي يتظاهر انه مستعد لحرب طويلة وشديدة ضد جبهة المقاومة بغض النظر الى اين ستنتهي، كما ويبدو انه خلال العقد الاخير قد اوجد هذه الحالة بين المجتمع اليهودي وفي منظومته الاجتماعية، لتحمل الظروف الصعبة. فعمل على توسيع الملاجئ، وتحضير التدريبات الاولية، وتوسيع المخازن تحت الارض لادارة مديدة، ولتهيئة الرأي العام في المجتمع اليهودي والسيطرة الكاملة على المعلومات العسكرية.

ولكن هل بامكان الجيش الاسرائيلي ان يصمد طويلا امام الضغط الكبير؟ والاجابة على هكذا سؤال مهمة واساسية. فمن جهة مصابرة قوى المقاومة في غزة وفي لبنان لا سيما في لبنان فانه مصيري جداً. فاسرائيل بمحاصرتها برياً وجوياً وبحرياً لغزة ولبنان والقصف المكثف لمراكز تعتقد انها محل استقرار حركة حماس وحزب الله، والعتاد والاجهزة، تحاول قطع الشريان الحيوي للمقاومة لتضع حداً لظروف قبل الموت. ولكن الحقيقة هي ان المقاومة سواء في فلسطين ام في لبنان كانت تتوقع منذ نهاية الحرب الماضية مع الكيان الغاصب، وقوع حرب جديدة واكثر شدة ولهذا فهي لم تقعد مكتوفة الايد. واذا ما تحملت المقاومة الضغوط التي يفرضها الكيان الغاصب لتدمير صمود المقاومة وتضعفها فانها ستغلب الحرب في مواجهة اكبر من المواجهات السابقة .

واذا كانت "اسرائيل" بحاجة لاسقاط المقاومة والحصول على نصر، لذا في مثل هكذا مواجهة سيكون وضع الكيان الغاصب اشد. من هنا فان المراكز المعلوماتية والامنية الغربية تحذر من ان ستراتيجية طموحة مبنية على شطب المقاومة في غزة ولبنان لهو اندحار جديد للنظام الاسرائيلي تداعياتها ابعد من فشل الكيان في حروب سابقة.

فقبل شهر كتبت المؤسسة الملكية البريطانية "جتم هاوس" مقالا جاء فيه: "ان ستراتيجية "اسرائيل" تواجه مشكلة هي ان نتنياهو قد اغلق قاصداً جميع الطرق التي تنتهي الى السلام. ففي المجتمع الاسرائيلي، يشعر العلمانيون ان المتحفظين الدينيين يخلقون المشاكل، في الوقت الذي هم لا يدفعون تكاليف هذه المشاكل". ان المقاومة في ايران وفي العراق وفي لبنان وفي سورية وفي اليمن وفي فلسطين تعلم انه بالنظر لستراتيجية "اسرائيل" فلا حل سوى التغلب على "اسرائيل" عسكريا وان دعامة هذه الغلبة هي الاستقامة والتركيز على الستراتيجية الاساسية العسكرية للعدو ـ في غزة فصل الشمال عن الجنوب وفي لبنان السيطرة على طرق المواصلات والجسور البرية ـ. ففي هذه المرحلة يكفي ان تفشل هاتين السياستين. هذا بالرغم من انه في الظاهر هو وضع تكتيكي الا انه في الحقيقة هي حالة ستراتيجية؛ اذ ان فشل "اسرائيل" في الحاق شمال غزة بالاراضي المحتلة وفشل الكيان كذلك في السيطرة على المعابر في الجنوب، سينعكس ذلك على ارادة الجيش الاسرائيلي والمجتمع اليهودي الغاصب بشكل جاد ويغير وضع العدو وان "اسرائيل" بالرغم من رغبتها ستتجه نحو إيقاف الحرب.

اذن فرمز النجاح للمقاومة ودحر كيان الاحتلال ينحصر في افشال مشروع نفوذ وتوسيع الاراضي لاسيما في جنوب لبنان.

كما ان رمز الانتصار في توسيع النفوذ، اذ ان "اسرائيل" خلال الاعوام الخمسة والعشرين الماضية لم تتمكن من السيطرة على معبر في الحرب مع حزب الله ولهذا السبب تعتبر هي الطرف الخاسر في هذه الحروب. وهذه المرة كذلك ينبغي ان يحصل هذا الامر اذ القرائن تدل على ان المقاومة و رغم ما المت بها من جروح لا ينقصها ما تستمر عليه حربها ومقاومتها.

3ـ ان الحرب الحالية حسب ما يتبين ستكون الحرب الاخيرة بالنسبة لاسرائيل، ومن هنا لا ينبغي تقييم هذه الحرب كسابقاتها ـ سواء من حيث شكلها الكلاسيكي او من الشكل غير المتكافئ ـ. انها حرب وجود وليست حرب حفظ الكفة الاعلى كي يمكن التغافل عن نتائجها. فهذه الحرب لها خصوصياتها، والجهة التي تضع في الحسبان تغيير الظروف وتغيير التكتيك الدفاعي واللجوء لخطط جديدة وخلق المفاجآت هي الجهة الرابحة.

ان حرباً تطول لعام، ووقوع احداث لم تخطر في البال مثل استمرار المقاومة لعام كامل في غزة كل هذا يعكس ان للمقاومة قدرة النصر.