"طوفان الاقصى" انعطافة كبرى في نضال الشعب الفلسطيني
ناصر أبو شريف
ممثل حركة الجهاد الإسلامي
في ذكرى عملية "طوفان الأقصى"، نقف بكل فخر واعتزاز أمام هذا الإنجاز التاريخي الذي مثّل علامة فارقة في مسار الصراع مع العدو الصهيوني. هذه العملية ليست مجرد حدث عابر في سياق المقاومة الفلسطينية، بل هي تجسيد لحق مشروع لشعبنا الفلسطيني المظلوم في الدفاع عن نفسه وأرضه، وهي رد حاسم على العدو الذي لا يتوانى عن ممارسة أبشع الجرائم بحقنا، جرائم حرب وإبادة وإرهاب ممنهج، وكل ذلك بدعم وتواطؤ دولي مفضوح.
أسباب العملية: عملية "طوفان الأقصى" جاءت في لحظة مفصلية من تاريخ شعبنا، حيث كان العدو يسعى، عبر الدعم الاميركي اللامحدود، إلى تنفيذ مخطط استعماري خطير يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي، وجعل إسرائيل قائدًا أوحدًا للمنطقة تحت رعاية اميركية. هذا المشروع لم يكن يستهدف فقط الشعب الفلسطيني، بل كان يسعى لاحتواء وتطويق كافة القوى المقاومة والرافضة للهيمنة الاميركية والصهيونية في المنطقة، وإخضاع الأمة كلها لسلطة الاحتلال الصهيوني.
هذه العملية جاءت لتكسر هذه المؤامرة ولتوجه رسالة قوية لكل من يقف خلفها، بأن المقاومة الفلسطينية، ومعها كل قوى التحرر في المنطقة، لن تسمح بتمرير هذا المشروع. كانت طوفان الأقصى ضربة استراتيجية للعدو وللتحالف الاميركي الصهيوني، حيث حاول هذا التحالف ترسيخ واقع استعماري جديد، إلا أن هذه العملية أربكت حساباته وأسقطت كثيرًا من أوهامه.
آثار العملية: عملية "طوفان الأقصى" لم تكن مجرد ضربة عسكرية، بل كانت هزة عميقة لصورة الكيان الصهيوني الذي طالما حاول تقديم نفسه كقوة لا تقهر. لقد تمّ تحطيم هذه الصورة الزائفة بشكل لا يمكن إصلاحه، وبرزت هشاشة هذا الكيان أمام صمود المقاومة الفلسطينية. في أعقاب العملية، لجأت إسرائيل إلى ارتكاب المزيد من الجرائم ضد الإنسانية في محاولاتها للانتقام، مستعينة بالدعم الغربي المطلق، وخصوصًا من الولايات المتحدة، التي تواصل منح الاحتلال الحماية السياسية والعسكرية والدبلوماسية في جميع المحافل الدولية.
ولكن، وكما رأينا، هذه الجرائم لم تُسكت العالم، بل على العكس، كشفت للعالم أجمع الطبيعة الإجرامية الحقيقية لهذا الكيان. المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق الأطفال والنساء والشيوخ العزل، والتدمير المنهجي للبنى التحتية، لم تعد خافية على أحد، وبدأت التقارير الدولية تفضح هذه الجرائم أمام شعوب العالم. لقد رأينا تحولات هائلة في الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية، حيث أصبحت الأصوات التي تندد بالاحتلال وتدعم حقوق الشعب الفلسطيني في تزايد مستمر.
ما بعد العملية: اليوم، ونحن نقف على أعتاب مرحلة جديدة وخطيرة في الصراع مع هذا الكيان، نجد أنفسنا أمام مسؤولية تاريخية بمواصلة مقاومة هذا المشروع الصهيوني الاميركي من جميع الجبهات. يجب علينا تكثيف ضرباتنا للعدو، ليس فقط عسكريًا، بل إعلاميًا وسياسيًا ودبلوماسيًا، لفضح زيف هذا الكيان أمام العالم. علينا أن نؤكد للعالم أن إسرائيل كيان غريب عن هذه المنطقة، لا ينتمي إليها ولا يمكنه أن يكون جزءًا منها. يجب أن نوقظ الأمة على حقيقة هذا الكيان الغاصب، وعلى الدور الخبيث الذي يلعبه في زعزعة استقرار المنطقة.
معاناتنا كشعب فلسطيني: قبل السابع من أكتوبر، كنا شعبًا يعاني من الاحتلال والحصار والقمع، ولكن بعد السابع من أكتوبر، ورغم تصاعد وتيرة الجرائم ضدنا، أصبحت معركتنا أكثر وضوحًا للعالم. لن يتحقق السلام الحقيقي في هذه المنطقة، ولن يعرف شعبنا الفلسطيني الراحة حتى زوال هذا الاحتلال البغيض من كل شبر من أرض فلسطين. كما قال الله تعالى: "فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض." الاحتلال إلى زوال، والمقاومة إلى نصر مؤزر بإذن الله.
إن هذه المرحلة تتطلب منا وحدة صف، وتماسكًا لا يهتز أمام كل المؤامرات، ويجب أن يكون تركيزنا منصبًا على مواصلة النضال، واستنهاض الأمة من سباتها، وتوحيد الجهود لمواجهة هذا الكيان وداعميه والمتعاونين معه. لا راحة لنا ولا لشعبنا ولا لمنطقتنا حتى نحرر فلسطين، كل فلسطين.
ننعى اليوم بكل حزن وألم استشهاد القائد المجاهد السيد حسن نصر الله، الشخصية التي شكلت علامة فارقة في تاريخ المقاومة الإسلامية، وأكثر قيادات المشروع الإسلامي تأثيرًا في الواقع العربي وإنجازًا. لقد تجاوز السيد نصر الله في تأثيره وإنجازاته الحدود، ليصبح رمزًا للمقاومة في وجه الهيمنة الصهيونية والاميركية، ليس فقط في لبنان، بل في العالمين العربي والإسلامي.
إن استشهاد السيد حسن نصر الله يمثل خسارة جسيمة، لكنه في الوقت ذاته يؤكد على استمرارية المشروع الإسلامي المقاوم الذي ساهم السيد في ترسيخه. فقد كان السيد نصر الله واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا في العالم العربي، حيث قاد المقاومة لتحقيق انتصارات تاريخية أضعفت الكيان الصهيوني، وأثبتت أن إرادة المقاومة هي التي ستنتصر في النهاية. ما أنجزه السيد نصر الله من انتصارات جعلته قائدًا فريدًا، مؤثرًا في كل الجبهات، وأيقونة للمقاومة في وجه قوى الاستكبار العالمي.
إرث السيد حسن نصر الله وروحه وكلماته ستظل خالدة في ذاكرة ووجدان كل أنصاره ومحبيه، وكل أحرار العالم. خطبه وكلماته كانت مصدر إلهام دائم، وستبقى محفورة في عقول وقلوب الملايين الذين استلهموا منه الصمود والإصرار. هذا الإرث العظيم سيظل منارة تهدي كل من يسير في درب الحرية والمقاومة.
المستقبل: اليوم، ونحن أمام مرحلة جديدة وخطيرة في صراعنا مع الكيان الصهيوني، نؤكد أن هذا المشروع الإسلامي المقاوم الذي مثله السيد نصر الله سيبقى مستمرًا. دماء الشهداء، وفي مقدمتهم السيد حسن نصر الله، لن تذهب سُدى. إن إرثه الروحي والنضالي سيظل نبراسًا يهتدي به كل من يواصل مسيرة المقاومة.
ختامًا، نؤكد أن المشروع الذي قاده السيد حسن نصر الله لن يتوقف، وأن النصر قريب بإذن الله. رحم الله الشهيد القائد السيد حسن نصر الله، وجعلنا الله من الثابتين على دربه حتى زوال هذا الكيان الصهيوني الغاصب.