ليس بعيدا صباح فلسطين
سعد الله زارعي
يمر الكيان الصهيوني بظروف خاصة، فما كانت التهديدات الداخلية والخارجية على مر التاريخ السوداوي لهذا الكيان بهذه الظلمة.
وفيما ايقن الجميع بان يفتقد الصهاينة للظروف اللازمة للصمود امام هذه التهديدات. فقد صرح احد المحللين المعروفين لهذا النظام والذي على طول ستين عاما الدعامة الاعلامية لتبرير وبيان حركة الجيش الاسرائيلي، صرح قبل ايام وفي اشارة الى مسار الحرب واستقالة القادة العسكريين وما يصاحبها من اعتراضات واسعة ضد الحكومة، قائلا: "ان ما تمر به اسرائيل عصيب للغاية، فما نشهده اليوم غير مسبوق على الاطلاق، اذ اقتربت الحكومة الاسرائيلية من الانهيار".
كما وصرح "ليبرمن" وزير خارجية اسرائيل السابق والذي يعد احد اركان حكومة نتنياهو حاليا، صرح مغتاظا قبل اسبوع وفي اشارة الى الهجمات القاصمة لحزب الله ـ المعروفة بعمليات الاربعين ـ وعجز اسرائيل عن اخماد نار المقاومة اللبنانية، مخاطبا الحكومات الغربية الداعمة لكيان الاحتلال؛ "ان ايران وحزب الله بصدد خنق اسرائيل". وحول هذا البحث نؤشر باقتضاب:
1 ـ ان الاعتراضات واحتجاجات اليهود المحتلين ضد حكومة نتنياهو قد فاقت سعة وديمومة ما كانت تحصل قبل عمليات طوفان الاقصى. ولكن هذه المرة انحصرت مطالب المعترضين اليهود بالاساس على قبول نتنياهو بوقف اطلاق النار مع حركة حماس في غزة اي انهاء حالة الحرب. فقد ضاقوا ذرعا من القيود المفروضة جراء استمرار الحرب لـ 11 شهراً ولا يشهدون اي مؤشرات لصالح اسرائيل في الافق، الامر الذي جعلهم يعتقدون ان نتنياهو قد ربط اسرائيل بكابينة لا طائل منها. فالمطالب المدنية وحتى العسكرية لانهاء حرب يعاني منها الفلسطينيون اكثر انسانياً ومادياً. وحصيلة ما توصلوا اليه سواء الجيش ام المعارضة والقوى المدنية لكيان الاحتلال ان نتيجة الحرب يمكن ان تؤدي لاي شيء الا كسر المقاومة في غزة.
ان زيارة نتنياهو لاميركا قبل شهر ونصف الشهر قد استمهل شهرا ليصلح الاوضاع الامنية والسياسية لاسرائيل. وها هي المدة انتهت فيما الاوضاع ساءت اكثر. فحين طلب نتنياهو من الشعب الاعتذار لوقوع حادث للاسرى الستة الاسرائيليين، جاعلاً نفسه شريكاً في المواساة، التفت الصهاينة المحتلين ان اعطاء الفرصة لنتنياهو سيسيء الاوضاع اكثر. وقبل ذلك كان نتنياهو الخيار غير المرغوب الوحيد ولا حيلة في تحمله، ومن هنا كان مؤيدو الكيان في الخارج يقيمون الابقاء على الحكومة خلال الحرب مكسباً، ويقولون؛ ان الحكومة التي ووجهت خلال اربع سنوات بخمسة انتخابات متداومة، ستستمر بفضل الحرب.
2ـ فالكيان الذي يمر باسوأ وضع خلال ستين عاما، يشهد تحول الضفة الغربية الى صفيح ساخن للمواجهة. فشدة المواجهة لدرجة ان تستخدم اسرائيل، وفي اجراء غير مسبوق، الطائرات المقاتلة وتطلق الصواريخ في الرد على الفلسطينيين في جنين. وباتت العمليات في طولكرم وجنين ونور الشمس بشكل اغتيالات مبرمجة. فعلى الاقل قتل خلال إسبوع، عشرة جنود من القوات الاسرائيلية من بينهم ضابط كبير في الخليل، وجنين وطولكرم، فيما اصيب اكثر من ثلاثين مجنداً. ما دفع الكيان بثلاثة الوية للسيطرة على الاوضاع في الضفة الغربية والقدس، مما يعكس مدى سوء الاوضاع.
ان الضفة الغربية لطالما كانت كابوساً لكيان الاحتلال. إذ يعيش اكثر من 5/3 مليون فلسطيني في هذه المنطقة، كما وتمتاز هذه البقعة بوجود مشاهد مقدسة لانبياء الله، مما يزيد من التعصب لها. فجعل من الصعوبة على اسرائيل السيطرة عليها مما هو في قطاع غزة. ولهذا السبب بعد ثلاثة ايام من بداية الحرب في غزة اعلن نتنياهو الضفة الغربية منطقة عسكرية. فيما استشهد خلال فترة الحرب الـ 11 شهراً سبعمائة مواطن من سكان الضفة الغربية، بينما تم اعتقال اكثر من 4000 شخص.
ان الاخبار التي رشحت من وسائل الاعلام الاوروبية الموالية لاسرائيل ، لا سيما التقرير الذي صدر مؤخرا من قبل المؤسسة الملكية "جتم هاوس"، والذي عكسه مجلس العلاقات الخارجية الاميركية، يفيد انه خلال الفترة من السادس من اكتوبر العام الماضي والى الثاني من اغسطس هذا العام، ووجه كيان الاحتلال بـ 678 عملية عسكرية من قبل فلسطينيي الضفة الغربية، وخلال هذه الفترة قتل اكثر من ثمانين عسكرياً اسرائيلياً. في نفس الوقت وبسبب ما تكبد كيان الاحتلال من ضربات افقدته توازنه نشهد ادعاءات حمقاء تصدر من نتنياهو بان الضفة الغربية جزءاً لا يتجزأ من اسرائيل، كما ودخل "بن غوير" وزير الامن الداخلي للكيان، المسجد الاقصى، مما يعكس مدى التأرجح الذي يعيشه الكيان. فمن الزاوية التي تنظر بها اسرائيل تعتبر الضفة الغربية بالمنطقة التي تحدد مصيرها، وهذا يفسر لنا ضراوة الحرب هناك.
3 ـ وعلى مستوى المفاوضات لوقف اطلاق النار نجد ضغوط اسرائيل على موضوعين؛
تقييد تحرك الفلسطينيين في الجنوب والشمال والسيطرة على محوري "نتساريم" و"فيلادلفيا" جنوب قطاع غزة.
هذا في الوقت الذي يرى الاميركان بضرورة الاسراع لحل ينقذ الاسرائيليين من هذا الوضع المعقد. فترى اميركا انه بالنظر لاندحارات اسرائيل العسكرية ينبغي ارجاع قضية السيطرة على حركةحماس والنظم الجديد لادارة غزة سياسيا وامنيا الى المفاوضات.
فكانت الوصفة الاميركية ان يتم شطب حركة حماس بالتنسيق مع الحكومات العربية والسلطة الفلسطينية. فهي تركيب من ادارة دولية في اطار قوات عربية خاصة وفرض عقوبات مالية على حركة حماس. والتاكيد على كونها منظمة ارهابية ـ لاضفاء الشرعية على عمليات اغتيال قادة المقاومة ـ، فيما لا تثق اسرائيل بهذه الصورة من الحل، وترى انه لما يؤيد غالبية الفلسطينيين حركة حماس فلا فائدة من عزل الحركة واغتيال قادتها وعناصرها.
ان نتنياهو يرى انه لما دخل غزة بهذا الشكل الخاطئ فلا ينبغي تركها دون فرض معادلة للسيطرة على المقاومة. ولذا يشدد على ابقاء قواته في القسمين الجنوبي والوسطي لقطاع غزة. ولكن هل بامكان هذه القوات البقاء دون ان تتلقى الضربات؟ فقبل يومين اعلن رئيس الكيان الغاصب: "نحن ندفن يوميا العديد من قادة الجيش وقوى الامن وهذا ما لا سابقة له".
وهل بامكان الكيان منع حركة المقاومة؟ اذ ان تجربة المقاومة تشير الى ان اسرائيل لم تتمكن الى الان من فرض قوتها النسبية لتدمير المقاومة.
من هنا فان حركة حماس مستمرة في مواجهة الحضور العسكري الاسرائيلي في "نتساريم" و"فيلادلفيا"، اضافة الى ما تعده من مخطط طويل الامد للعمل على انهيار الجيش وقوى الامن للكيان الغاصب.
ولذا نجد الكيان يتحدث عن تقليل عدد القوات في هاذين المحورين الى 25%.
وهذا يعني زيادة تحرك المقاومة والعمليات المباغتة لخلق خلل بين الراس والبدن لجيش الاحتلال. وهو ما ادى الى استقالة القادة ومنهم قائد القوات البرية الاسرائيلية وانسحاب قادة الوحدة الامنية الخاصة 8200.
ان جيش الكيان له سابقة في ضعفه برياً كما حصل في حرب عام 1973 اذ تمكن الجيش المصري من استرجاع صحراء سيناء خلال 3 ايام. وهذا يفسر لنا مدى شعور اسرائيل بهول المستنقع الذي وقعوا فيه يوماً بعد آخر، وهو سر مقاومة الشعب الفلسطيني والصمود حتى تحرير كل الاراضي المقدسة.