الرئيس الاسد: الحليف الايراني لن يتغير حيال سوريا إنما أميركا والغرب بدأوا يرسلون إشارات التغيير
طهران- كيهان العربي:- اعلن الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد أن شعار "سوا" سيكون شعار المرحلة المقبلة، مؤكدًا أن الحوار وثقافة الحوار وتعويد الناس على الحوار مع الاخر باتت عناوين المرحلة.
مواقف الرئيس الأسد جاءت في حديث مفصل أجرته معه صحيفة "الأخبار" اللبنانية ونشرته في عددها الصادر أمس الأربعاء، حيث أشار الرئيس السوري الى أن صوابية الحوار الداخلي تأكدت بعد عدد من المصالحات.
ويقول: صالحنا حَمَلة السلاح وأصدرنا عفواً عنهم، فكيف لا نحاور بعضنا بعضاً. لم تكن مصالحة حمص نتيجة توافق اقليمي ودولي، بل كانت نتيجة الحوار بين الدفاع الشعبي والمسلحين. هؤلاء يعرفون بعضهم بعضاً. يتجاورون في الأحياء. لذلك نجحت المصالحة وتعاملت الدولة باحترام كبير مع المسلحين، رغم الجروح والدماء والأحقاد، وتركتهم يخرجون بعد تسليم سلاحهم ويستخدمون الهواتف ويعيشون حياتهم الطبيعية.
ويؤكد الرئيس الأسد قناعته أكثر من أي وقت مضي، بقدرة الشعب السوري على تخطّي هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا. لعل هذا بالضبط ما أبقاه متماسكاً طيلة الازمة. يقول: بقيت ألتقي بالناس والوفود التي تأتي الى أو أذهب اليها. وشعرت منذ اللحظات الأولى لهذه الأزمة التي أدخلوها الى بلادنا لتدمير سوريا ان الناس تثق بالدولة ورئيسها وجيشها. لذلك بقيت أراهن على قدرة هذا الشعب على ضرب جذور المؤامرة. وجاءت الانتخابات لتؤكد ان الشعب السوري لم يتغيّر رغم الاعلام المضلل والتجييش والتكفير والارهاب والتآمر الخارجي.
واكد الرئيس السوري ثقته الكبيرة بالموقف الايراني ويقينه بالتحالف مع روسيا ودعم الرئيس "بوتين".
وقال: لقد بعث قائد الثورة الإسلامية سماحة السيد الخامنئي أكثر من رسالة دعم واضحة. يدرك الحليف الايراني ان الحرب على سوريا تستهدفه أيضاً لأنها تستهدف كل خط المقاومة وداعميها. لا تترك القيادة الايرانية فرصة الا وترسل إشارات الدعم. ليس غريباً، إذاً، ان تصدر عن الرئيس حسن روحاني في أنقرة مؤشرات صريحة الى رغبة طهران بتغيير الرياح التركية التي عصفت على سوريا فساهمت بالحرب، ولكنها أفقدت تركيا الجزء الأكبر من دورها في المنطقة.
* يكتسب الكلام أهمية خاصة الآن للرد على كل من يعتقد ان التقارب الايراني - الاميركي الحالي قد يغيّر موقف طهران حيال القيادة السورية. يبتسم الاسد. يقدّم، كعادته، تحليلاً استراتيجياً دقيقاً وبلا مغالاة، لا بل وبواقعية باردة كالثلج، لكل الإطار الدولي والإقليمي، فيصل السامع الى النتائج التالية ويقول: ليس الحليف الايراني هو الذي سيتغيّر حيال سوريا. فهو صامد في موقفه اكثر مما يعتقد البعض. وإنما أميركا والغرب هم الذين بدأوا يرسلون إشارات تغيير. صار الارهاب في عقر دارهم. ثمّة أميركي فجّر نفسه على الاراضي السورية، وثمّة فرنسي من أصل مغاربي قتل يهوداً في كنيس في بروكسيل.
واضاف الرئيس السوري: لن يستطيع الغرب أن يفعل أكثر مما فعل لتغيير المعادلة. يحكون عن أسلحة فتّاكة وغير فتّاكة. الأسلحة كلها متوفرة عند المسلحين الإرهابيين منذ فترة طويلة بما فيها المضادات للطائرات.مضيفاً: يحاول مسؤولون أميركيون حاليون أو سابقون التواصل معنا، لكنهم لا يجرأون بسبب لوبيات تضغط عليهم”.
* تعود الذكرى الى الرئيس الاميركي الاسبق "جيمي كارتر" حين أراد المجيء الى دمشق عام ۲۰۰۷، لكنه اعتذر لاحقاً معللاً الأمر بأن الادارة الاميركية لم تسمح له.
اكد الرئيس الاسد هذه الرواية. واضاف اليها جملة واحدة قد تختصر حاضر العلاقة مع اميركا: اذا كان رئيس سابق لا يستطيع المجيء بلا إذن فكيف بمسؤول حالي؟. قد يفهم السائل ان خطوة السيناتور الاميركي لولاية فيرجينيا الذي نوّه بالأسد وجيشه ضد "المجرمين” لم تكن حالة معزولة ولم تكن مبادرة فردية. التفاصيل سيرويها التاريخ لاحقاً.
وقال الرئيس السوري: الأميركيون أثبتوا انهم اكثر عقلانية من الفرنسيين رغم اشتراك الجميع بالتآمر. يبدو ان احد ابرز أسباب التشدد الفرنسي مالية تتعلق بصفقات مع السعودية وغيرها.
مشيراً الى انتهاء عهد الرئيس "نيكولا ساركوزي" بفضيحة مالية، تماماً كما كان الحال مع جاك شيراك. ويقول: كل من تآمر يرحل وسوريا باقية ومنتصرة بكل أطياف شعبها وجيشها.
* لعل الدولة الاقليمية الأكثر استمراراً في عدائيتها لسوريا بالنسبة للأسد، هي السعودية. فقال الاسد: منذ قمة بيروت التي طرحت فيها الرياض التطبيع الكامل مع اسرائيل اشتدت الخصومة. كانت السعودية تريد تقديم كل شيء لاسرائيل مقابل لا شيء. كانت مهجوسة آنذاك بردة الفعل الاميركية بعد الاعتداءات على مركز التجارة العالمي وتورط سعوديين في الهجوم. وقفنا، أنا والرئيس الصديق إميل لحود، ضد ذلك، وهددت الامير سعود الفيصل بإلقاء خطاب ينسف المبادرة ان لم تؤخذ ملاحظاتنا وملاحظات خيار المقاومة في الاعتبار. قلت له آنذاك: أنتم توقّعون مبادرة وتغادرون ونحن نتحمل الباقي لأننا دولة مواجهة. غضب الملك آنذاك، لكننا استطعنا تعديل المبادرة قدر الإمكان، فجاءت اقل سوءاً. يمكنني أن أعود اكثر الى الوراء، الى خلافاتنا عام ۸۹ منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد. استمرت الخلافات في القمم الاخرى، لكننا كنا حريصين على جمع العرب لنصرة المقاومة. وحين بدأت الازمة في سوريا، أرسل لنا الملك عبد الله ابنه عبد العزيز يطلب منا ان نسحق المنتفضين، وخصوصاً الاخوان المسلمين، سريعاً وعرض المساعدة.
في تفسير الاسد للموقف السعودي تختلط "الاملاءات الاميركية مع الحقد الشخصي، فينتج هذا الموقف العدائي من السعودية”.
* أما بالنسبة لقطر، فيقول الرئيس السوري: لا تزال تدعم وتموّل المسلحين. لكنها تسعى الآن الى التقارب مع ايران، وتعرب عن استعدادات لتغيير شيء من موقفها. لكن الأساس يبقي التنفيذ. شبعنا شعارات. المهم ان توقف السعودية وقطر وتركيا وفرنسا والغرب الاطلسي دعم الارهاب اذا كانوا فعلاً يريدون تغييراً.
* لم يتغير الموقف التركي بعد. لكن الرئيس الاسد مدرك ان الحركة الايرانية صوب انقرة، فيقول: لا يمكن ان نستبعد السعي الايراني لوقف الدعم التركي للإرهاب، وقد كان ذلك واضحاً من خلال كلام الرئيس روحاني.
* دعم الارهاب في سوريا هو الذي يدفع الرئيس الاسد الى عدم المغالاة في تحديد موعد لنهاية الحرب. فيدرك بالقول: اننا أوقفنا المؤامرة على الصعيد الاستراتيجي، وان الدولة ستنتصر حتى ولو تطلب الامر وقتاً للقضاء على كل الإرهابيين. لكن تحديد وقت لنهاية الحرب غير منطقي الآن. الأهم هو ان القيادة والجيش والشعب صاروا على يقين مطلق بأن النصر آتٍ. وحين تنتصر سوريا فان العرب جميعاً والمقاومة يكونون قد أوقفوا احد اخطر المشاريع على منطقتهم.
* ماذا عن معارضة الخارج؟ لم يتغيّر جواب الاسد الذي كان قد استقبل لتوه منافسه في الانتخابات حسان النوري. فقال: نحن قلنا اننا مع الحوار وحاورنا أسوأ المسلحين. ولكن ماذا سيقدم الحوار مع معارضة الخارج. لا شيء، لأنها ببساطة لم تعد تمون على شيء. ليست لها علاقة لا بالناس ولا بالارض. بيعت لها أوهام من دول غربية وعربية فباعت الناس أوهاماً. جاءت الانتخابات لتعرّيها. ما بعد الانتخابات ليس كما قبلها. الناس قالوا رأيهم وعلينا احترامه”. ماذا عن جنيف اذاً؟ "انتهى لأن الظروف تغيرت.
* ينساق الحديث صوب وساطة الاخضر الابراهيمي. تميل عينا الرئيس الاسد صوب العبوس وشيء من الغضب. المبعوث الدولي كان قال لتوه كلاماً عن احتمال تحول سوريا الى دولة فاشلة او الى صومال ثانية. تعود الذاكرة الى ثالث لقاء بين الاسد والابراهيمي في كانون الاول ۲۰۱۲ حين جاء ناصحاً بالتنحي. يبدو لسامع الاسد ان الابراهيمي لم يكن يوماً وسيطاً نزيهاً، ليس الآن فقط، ولكن حتى خلال الحرب على لبنان. ثمة شكوك تصل الى أسباب التعيين الدائم للابراهيمي في المنظمة الدولية. لا يمكن لعربي ان يحتل مثل هذه المناصب طويلاً من دون رضى أميركي. ولا يمكن لأميركا ان ترضى على من يكون صديقاً لدولة مقاومة كسوريا. على السامع ان يستنتج ماذا يعني هذا الكلام.
* عند الرئيس السوري ميل دائم صوب الحديث الاستراتيجي اكثر من التفاصيل رغم إلمامه بأدقها. لعل لبنان صار تفصيلاً امام التحولات الدولية الكبيرة. الحليف الدائم والأهم السيد حسن نصر الله هو الأساس. فقال: لم يعبّر السيد نصر الله يوماً سوى عن تعاطف ودعم لن تنساه سوريا ولا السوريون. ما يراه السيد في لبنان نراه...
* في هذه النظرة كثير من العاطفة الشخصية وفيه واقعية التحليل. فاضاف: خيارات الحليف المقاوم صبّت في سياق وقف الارهاب من لبنان او التخفيف منه الى أقصى حد رغم الانقسام الداخلي.
* يبدو الجنرال ميشال عون الأقرب الى قلب الاسد وذهنه في معركة الانتخابات الرئاسية. ثمة روايات تنعش ذاكرته في الحديث عن عون، بينها موقف الجنرال حين جاء معزياً بشقيق الرئيس، وكيف صالح احد اكبر الضباط السوريين الذي كان مسؤولاً في لبنان اثناء انتفاضة عون ضد سوريا. وقال: مذاك كشف عون عن طينة رجل نزيه وشريف خاصم بشرف وتصالح بشرف وبقي وفياً لموقفه حيالنا، رغم كل العواصف والإغراءات. نحن لا نتدخل في شأن اي دولة عربية، لكننا نرحب بانتخاب عون رئيساً لما فيه مصلحة لبنان اولاً ومصالح علاقات الأخوة. ونعرف عنه انه وطني لا طائفي ومؤمن بالمقاومة والعروبة.