kayhan.ir

رمز الخبر: 19004
تأريخ النشر : 2015May09 - 21:21

إضافة تعليق!

ثريا عاصي

عندما يكون نفوذ "شيخ البيان” في لبنان أعمّ من نفوذ الشخصيات التي تحتل بحسب الظاهر مراكز في قمة المؤسستين السياسية والمذهبية، يكون ذلك دليلاً على خّواء الدولة وعلى أن نصف لبنان صار تحت سلطة آل سعود. في المقابل، عندما يعلن قائد المقاومة التي دحرت المستعمرين الإسرائيليين عن الأراضي اللبنانية والتي خاضت حرباً ضارية ضدهم في تموز2006 وأفشلت خطتهم، عندما يعلن هذا الرجل أن المقاومة في لبنان، هي فصيل من فصائل ثورة إسلامية بدأت في إيران، وأن قائدها هو مرشد هذه الثورة الإسلامية، إنما يعني أن نصف لبنان الآخر إنخرط في سيرورة ثورية غايتها تطبيق النموذج الإيراني حيثما تستطيع.

مجمل القول، اننا حيال خيارين أو بالأحرى نموذجين، مملكة آل سعود في كفة والثورة الإيرانية في كفة ثانية. ولكن الإشكالية هي في أن عوامل من خارج السياق تشوّش الذهنيات، بحيث تمنعها من المقارنة المجردة، بين النموذجين المذكورين ومن اتخاذ الموقف الملائم منهما ! لعل نظرية التكفير هي المصدر الأساسي لحجج الذين يتهيـّبون هذه المقارنة. بصريح العبارة، إن آل سعود ومؤسسة الأزهر في مصر، بادروا لغاية في النفْسِ، إلى تسليط سيف التكفير فوق رأس جميع الذين يسلكون النهج الذي دلّ عليه الإيرانيون، كون الأخيرين في نظر آل سعود و الأزهر، من أتباع المذهب الإسلامي الشيعي وبالتالي هم يشككون في إسلامهم. إنطلاقا من هذه المقولة تتوالد إتهامات هي في الواقع مسخرات تكشف عن جهالة. ولكنها أوصلت في المحصلة إلى تفرقة طالت نسبة لابأس بها من الناس على أساس مذهبي وطائفي، وأغرقت البلدان في بحور من الدم، إرضاء للولايات المتحدة الأميركية ولأذنابها في أوروبا، وإرضاء في النهاية للمستعمرين الإسرائيليين!

من البديهي أنه لو كان مستوى الوعي الوطني على درجة أعلى، ولو كان الفكر السياسي والإجتماعي متقدماً أكثر، بحيث يجعل الحوار الديمقراطي ممكناً ومثمراً، لنهض بالقطع، تيار وطني بكل ما تعني كلمة وطن من تكامل ومساواة بين جميع المواطنين دون تمييز على أساس الدين والعرق والرأي، ولتجنّب الناس المنازعة الدموية القبلية الجاهلية ـ المذهبية التي يغذيها الدولار النفطي الخليجي، بقصد محو القضية العربية والوجود العربي.

واضح مما تقدم أن الحياد بين آل سعود من جهة ونهج الثورة الإيرانية من جهة ثانية ليس مبرراً وملائماً في هذه الظروف على الإطلاق، بل هو مناف للعقل والمصلحة. الذين سلكوا نهج الثورة الإيرانية في لبنان حرروا الأرض من المستعمرين الإسرائيليين، ولا شك في أن الأخيرين صاروا يعرفون أن التوغل في الأراضي اللبنانية لم يعد كمثل النزهة كما كان. بمعنى آخر أن حزب الله الذي تربطه علاقة بالثورة الإسلامية التي إنطلقت من إيران تشبه إلى حد ما تلك التي كانت قائمة بين الحزب الشيوعي وبين الثورة السوفياتية. حزب الله هذا سوف يتصدى بكل ما يملك من قدرات لمقاومة المستعمرين الإسرائيليين دفاعا عن التراب الوطني اللبناني. أغلب الظن أنه سيكون المدافع الوحيد. تشهد على ذلك وقائع حرب تموز 2006.

إن علاقة حزب الله بالثورة الإيرانية هي شأن من شؤونه. ولكني أعتقد أن ما تقدم من بيان يحتوي ضمنياً على خلاصة مفادها أن الهجوم الإمبريالي الرجعي العربي على بعض البلدان العربية، يملي على الوطنيين والتقدميين دون تردد ودون شروط، تأييد الذين يتصدون لمقاومة هذا الهجوم. توخياً للدقة نقول يتوجب الإتحاد مع الذين اختاروا سلوك النهج الذي دشنته الثورة الإيرانية ضد التحالف الذي يضم الولايات المتحدة الأميركية وآل سعود بالإضافة إلى أعوان الطرفين.

هذا يعني ان بين مؤيدي حزب الله في لبنان على سبيل المثال، بالضد من الذين يناصبونه العداء على قاعدة مذهبية ـ عصبية، وطنيين مناهضين للإستعمار والرجعية، علمانيين، شيعة ولكنهم ليسوا شيعة، من السنة ولكنهم ليسوا سنة، مسيحيين ليسوا مسيحيين. أناس عاديون يؤيدون حزب الله ضمن حدود المواجهة مع المستعمر المفترس الذي يريد أن يحطم الإنسان والوطن. أي أنهم مع حزب الله في حرب التحرير والدفاع عن الوطن، ولكنهم يختلفون معه في السياسة الداخلية. مهما يكن لا خيار لهم في الراهن على الإطلاق.

ينبني عليه أنه يتوجب على حزب الله أن يعترف بهذا المعطى ذات الأهمية القصوى في حرب التحرير التي من المحتمل أن تحقق فيها الفصائل إنتصارات جزئية، ولكن لا تفوز بها نهائياً إلا الأمة التي تكاملت وانصهرت أثناءها! أما المثال الذي نصبوا إليه أكثر فأكثر، كلما ابتعد عنا، فهو أن يتاح للناس في داخل الوطن المحرر، حرية التعبير والنشاط السياسي، في مأمن من البنادق والقذائف والفاجرين.. هذا حلم!