البعد الاستراتيجي في رسالة الإمام الخامنئي لطلاب الجامعات الأميركية
ايهاب شوقي
إيهاب شوقي
لا شك أن الرسائل التي تأتي وسط المعركة، هي أقوى الرسائل من حيث التوقيت لأنها تكون عرضة للاختبار العملي لمصداقيتها عبر مراقبة الحدث وتطوراته والتأكد من صدق مضامين الرسالة، كما أنها تكون جزءًا من الحدث وليست تنبؤًا ولا تقييمًا بأثر رجعي، وبالتالي تشارك تداعيات التعاطي معها والاستجابة لها في صناعة الحدث والتأثير في نتائج المعركة.
وفي 30 أيار/مايو 2024 وجه قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله السيد علي الخامنئي رسالة بعنوان "التاريخ يطوي صفحاته وقد وقفتم في الجهة الصحيحة منه" إلی طلاب الجامعات الأميركية المحتجين على العدوان الصهيوني على غزّة حيث أعرب فيها عن تعاطفه وتضامنه مع موقفهم الأخلاقي، وخاطبهم بالقول إنّكم "تشكّلون الآن جزءًا من جبهة المقاومة، وقد شرعتم بنضال شريف تحت ضغوط حكومتكم القاسية، الّتي تُجاهر بدفاعها عن الكيان الصّهيوني الغاصب وعديم الرّحمة".
وربط بين موقفهم والموقف النضالي الممتد لمحور المقاومة، حيث لفت إلى أنّ "جبهة المقاومة العظيمة تكافح منذ سنين، في نقطة بعيدة عنكم، بالإدراك نفسه وبالمشاعر ذاتها الّتي تعيشونها الآن. والهدف من هذا الكفاح، هو وقف الظّلم الفاضح الّذي ألحقته شبكة إرهابيّة عديمة الرّحمة تُدعى الصّهيونيّة بالشّعب الفلسطيني، منذ أعوام خلت، ومارست بحقّه أقسى الضّغوط وأنواع الاضطهاد بعد أن احتلّت بلاده".
وقبل الخوض في بيان البعد الاستراتيجي لهذه الرسالة، ينبغي لفت الأنظار إلى أن هذه الرسالة ليست استثناء وإنما دأب ومنهج يلتزمه الامام الخامنئي عند المحطات الكبرى الفاصلة، وقد سبقتها رسالتان شهيرتان في العام 2015 عند نشوب فتنة كبرى في أوروبا وتشويه كبير لصورة الإسلام ووسمه بالإرهاب، فخرجت رسائل الامام الخامنئي لتخاطب شباب الغرب وتدافع عن الإسلام وتطالبهم بالبحث عن مصادره الأصلية بعيدًا عن الدعايات الكاذبة والمؤامرات التي تستعين بالإرهاب في تصدير صورة مغلوطة ومشوهة.
كما اعتاد أن يخاطب الشباب الثائرين في الميادين عند اندلاع الثورات في البلاد العربية في ما عرف بـ"الربيع العربي"، ليحدد لهم قيم الثورة وضوابطها وأهدافها النبيلة التي يجب أن تطمح لتحقيقها.
ولتوضيح البعد الاستراتيجي في رسالة الإمام الخامنئي فإن هناك عدة نقاط ينبغي تناولها:
1 - اعتماد نهج الحوار والخطاب مع الشباب، وهو خيار استراتيجي في ذاته، لأن الشباب هم المستقبل وهو أكثر الطرق فاعلية لأن استجابة الشباب الذي لا يزال في مرحلة تكوين الفكر تكون أقوى من استجابة الشيوخ الذين اغتروا بمناصب ومصالح أو فترت هممهم، وهو ما جاء في الرسالة الأخلاقية التي وجهها الإمام الخميني(رض) إلى ابنه السيد أحمد رحمه الله وجاء في فقرة منها:
"بنيّ: أتحدّث إليك الآن لأنك ما زلت شابًّا، عليك أن تنتبه إلى أن التوبة أسهل على الشبان، كما أن إصلاح النفس وتربيتها يتم بسرعة أكبر لدى الشبان، في حين أن الأهواء النفسانية والسعي للجاه وحب المال والغرور أكثر وأشدّ بكثير لدى الشيوخ منه لدى الشبان. أرواح الشبان رقيقة شفافة سلسة القياد، وليس لدى الشبان من حبّ النفس وحب الدنيا بقدر ما لدى الشيوخ؛ فالشاب يستطيع بسهولة ـ نسبيًّا ـ أن يتخلص من شر النفس الأمارة بالسوء، ويتوجّه نحو المعنويات. وفي جلسات الوعظ والتربية الأخلاقية يتأثر الشبان بدرجة كبيرة لا تحصل لدى الشيوخ..".
2 - يوجه الخطاب ضربة استراتيجية كبرى لصميم المشروع الصهيو - أميركي، حيث يتّجه الخطاب مباشرة لهدم الأعمدة التي بني عليها المشروع عبر دعايات المظلومية الصهيونية وادعاء الأحقية وادعاء الديمقراطية والقيم الغربية المنادية بحقوق الإنسان، ووصف أي خصوم لأميركا والصهاينة بأنهم قوى ظلامية وإرهابية ودموية.
وهنا ووسط المعركة ووسط حرب الإبادة التي يشنها الصهاينة وسط مساندة ودعم أميركي وتوفير غطاء وحماية للعدوان، يكشف خطاب الإمام الخامنئي زيف الدعاوى الديمقراطية والأخلاقية التي تبناها الغرب وتبنتها أميركا ويضيء بالدليل الدامغ على مظلومية الشعب الفلسطيني، والأهم هو الربط بين هذا المشهد الكاشف وبين محور المقاومة والذي مورست الدعايات ضدّه، وبالتالي فإنها تبرئة شاملة لصفحة محور المقاومة ككل وليست للمقاومة الفلسطينية فقط، وهي رسالة متعددة الأبعاد تجهض مخطّطات التشويه والدعايات الغربية التي قادتها أميركا لتشويه كلّ من يتمسك بالثوابت ويدعم فلسطين.
3 - خطاب الامام الخامنئي عن طي صفحات التاريخ وقوة جبهة المقاومة وانضمام شباب من الغرب وأميركا لها والاتّجاه الصاعد المتنامي نحو استعادة الحقوق وزوال الظلم هو ضربة استراتيجية لثقافة حاولت أميركا تسييدها عبر أطروحات مثل نهاية التاريخ واحتضان طرح فوكوياما كحرب نفسية على شعوب العالم، وها هو الخطاب المقاوم والمستند لصمود على الأرض ينسف هذه الاطروحات ويوضح الحقائق للأجيال القادمة.
ولم يفت السيد الخامنئي وهو يوضح الأبعاد السياسية أن يوصي بالبعد الثقافي والأخلاقي، ولم تفته الغيرة على الدين وعلى صورته، حيث أوصى السيد الخامنئي في ختام رسالته للطلاب في الولايات المتحدة بأن يتعرفوا على القرآن الكريم، قائلًا إنّ "جبهة المقاومة تمضي قدمًا بالاستلهام من تعاليمه وستحقق النصر بإذن الله".
وهي دعوة تربط الإسلام بأخلاقيات العدل والكرامة والشفافية وهي ترد على الاطروحات الاستراتيجية الأميركية التي ربطت القرآن والإسلام بالإرهاب والدموية لتسويغ الاحتلال والنهب، بينما يرد الامام السهم إليهم بأنه دين العدل والتحرر والتعايش والسلام وأن مشروعكم الاستعماري هو الإرهاب بعينه.