رابح ورابح.. وخاسران
حبيب فياض
بعيدا عن المعطيات التقنية وتفصيلاتها، فقد اقتربت مسألة إيران النووية من نهاياتها الحتمية بالعودة الى القاعدة التي انطلق منها الايرانيون في مفاوضاتهم مع الغرب في العام 2003: اعتراف العالم بحق إيران في تصنيع وامتلاك الطاقة النووية، مقابل تقديم الأخيرة لتطمينات وتعهدات بعدم الذهاب الى امتلاك القنبلة النووية.
على أن النجاح في التوصل الى تفاهم لوزان، لم يكن نتاج النوايا الحسنة، أو حصيلة رغبة غربية في التعامل مع طهران على قاعدة الحوار والإيجابية، بمقدار ما جاء نتيجة توازن في القوى بين طهران ومن معها، من جهة، وواشنطن وحلفائها من جهة ثانية، بحيث أن ذلك بالضبط ما منع الجانب الغربي من اللجوء الى القوة العسكرية ودفعه الى تحمل الطريقة الايرانية في التفاوض، وبالتالي الانخراط في مسار تفاوضي بطيء امتد لأكثر من عشر سنوات.
وإذا كان تفاهم لوزان قد كشف النقاب عن التوازنات الدولية القائمة، والتي باتت ايران جزءا منها الى جانب روسيا والصين مقابل المعسكر الغربي، فإن التفاهم عينه سيكشف عن توازنات إقليمية جديدة يسجل فيها لإيران موقعية متقدمة على حساب طرفين أساسيين هما: السعودية خصمها التقليدي، وإسرائيل عدوها اللدود.
يتخوف الإسرائيلي المعترض على التقارب الايراني - الغربي من خريطة سياسية اقليمية مختلفة، تؤدي الى تكريس الدور الايراني المتعاظم في المنطقة. ولعل تخوف تل أبيب، ينبني على الاستنتاج بأن الجمهورية الاسلامية التي لم تخفق في التمدد إقليمياً وهي محاصرة ومهددة، لن يمنعها شيء من استكمال مشروعها وتثبيت موقعيتها كقوة اقليمية عظمى، في ظل رفع العقوبات عنها وتقاربها مع الغرب. ويزداد التخوف الإسرائيلي على خلفية شرعنة تفاهم لوزان لكل الأنشطة الايرانية الممهدة لامتلاكها القنبلة النووية. فتحول طهران نحو النووي العسكري، كما يرى الإسرائيليون، لم يعُد ينقصه سوى خطوتين. الأولى سياسية متوقفة على الإرادة واتخاذ القرار، والثانية تقنية مرتبطة بزيادة كمية لعدد الطرود ورفع تدريجي لمستوى التخصيب. ولعل الخسارة الكبرى في حسابات تل ابيب انها ستجد نفسها أيضاً منفردة في خانة العداء لطهران، بعدما كانت على الدوام في هذه الخانة الى جانب اميركا والغرب. ما يؤكد هذه الحقيقة أن إسرائيل تدرك أن ثمة منتصف طريق بين إيران والغرب من الممكن أن يلتقيا عنده، لكن بينها وبين طهران لا منتصف طريق ولا حلول وسطى ولا نقاط التقاء.
أما المملكة السعودية التي حاولت، دون جدوى، الحضور على طاولة المفاوضات بين ايران والدول الست، ولو بصفة مراقب، بالنيابة عن المجموعة العربية، فإن خيبتها بعد لوزان، تتخطى الفشل في التحريض على عزل الجمهورية الاسلامية الى الصدمة من تعويمها. الاعتراف الدولي بحق ايران النووي يستدعي ضمنا تقوية دورها الاقليمي، وذلك في ذروة الاندفاع السعودي للحد من تمددها المتعاظم في الإقليم. وإذا كان العدوان السعودي على اليمن قد أخذ في الحسبان إمكانية أن يؤدي الى خربطة المفاوضات النووية، فإن تفاهم لوزان قد وضع المملكة، وهي في خضم عدوانها، أمام أفق مسدود في ظل عدم القدرة في التشويش على مسار العلاقات الايرانية - الغربية، وعجز ميداني عن تحقيق الأهداف.
تمخض عن تفاهم لوزان معادلة رابح ورابح، بحسب تعبير وزير الخارجية الإيراني في اشارة منه الى إيران والسداسية الدولية. ربما لباقة ظريف الديبلوماسية منعته من الحديث أيضا عن معادلة خاسر وخاسر، هما: السعودية واسرائيل.