الصومال : بوادر أمل للخروج من رحم الأزمات
ليس خافياً على أحد، أن الصومال كان دائماً بؤرة من بؤر الصراع في أفريقيا، وساحة حرب دولية وإقليمية مفتوحة. فبعد مرور عقدين من الزمن لا يزال هذا البلد الفقير يعاني من آثار حروبه الأهلية أو تلك القائمة بالوكالة على أرضه. إلا أن الحكومة الجديدة تحاول النهوض بالصومال الذي بات مثالاً و”بعبعا” يُضرب للدول الفاشلة في العالم العربي عبر نموذج "الصوملة”.
ففي السنوات الأخيرة برزت إلى العلن ـ ولأول مرة بعد ربع قرن من الفوضى ـ بوادر أمل للخروج من رحم الأزمات، إذ تشكلت أول حكومة صومالية حظيت باعتراف دولي وإقليمي، وهي التي تحاول إصلاح منظومة المؤسسات الحكومية التي طالها الفساد والخراب، حيث أعيد عمل المؤسسات العدلية والقضائية، كما رممت الهيئات العربية والأجنبية المرافق الحيوية للبلاد التي دمرتها الحروب الأهلية. وتواصل تلك الهيئات جهودها الرامية إلى ردِّ الاعتبار إلى الدولة الصومالية من خلال ربطه بالعالم الخارجي والمحلي وخاصة العربي.
ويعتقد الكاتب الصحفي نور محمد أن هناك جهودا جبارة لإيصال الصومال إلى بر الأمان، بعد سنوات عاش خلالها بين الفوضى الأمنية والسياسية والأزمات الإنسانية، مشيرا إلى أن هناك فرصاً واعدة للصومال بعد أن بدأ المغتربون يتدفقون على البلاد، ويساهمون في دفع عجلة التنمية الاقتصادية إلى الأمام.
فرص البناء
ويوضح نور محمد أن التحسُّن الأمني في البلاد، وطرد مسلحي "حركة الشباب”، مكن الصومال من افتتاح قنوات دبلوماسية مع العديد من الدول الأفريقية والعربية والغربية، وهي الدول التي افتتحت سفارتها في الصومال، ما أكسب الثقة للحكومة الصومالية الحالية التي توثق علاقتها مع الخارج، في إطار مساعيها لترتيب بيتها من الداخل، حسب نور.
كلام نور محمد ينسجم مع رأي المحلل السياسي محمد عبده، الذي يؤكد أن هناك نجاحات سياسية تحققها الصومال، والتي من شأنها أن تخرج هذا البلد الذي عانى من ويلات الحرب الأهلية والأزمات الإنسانية، مشيراً إلى أن اهتمام المجتمع الدولي الراهن للصومال، يعطي دفعة قوية للبلاد نحو تحقيق رؤية بناء دولة صومالية حديثة.
ويتوقع عبده أن تشهد البلاد في الأشهر المقبلة تطورات سياسية جديدة وخاصة بعد تشكيل ولايات فيدرالية في جنوب ووسط البلاد، التي أوقفت حمام الدم بين القبائل الصومالية التي كانت الصراعات الأهلية تدور فيما بينها لأكثر من عقدين من الزمن، ويضيف: أن الحكومة الصومالية بذلت مساع حثيثة لنبذ العنف في جنوب البلاد وتحقيق رؤية عام 2016 .
كما أن الحكومة الصومالية تسعى جاهدة لتأسيس المؤسسة العسكرية التي كانت قبل سقوط الحكومة المركزية عام 1991 من القرن الماضي أعتى قوة عسكرية في المنطقة، وتحاول الصومال استعادة مجدها العسكري بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تنفق شهرياً أموالاً طائلة لصرف رواتب الجنود، إلى جانب دور الحكومة التركية في ترميم المؤسسات العسكرية وإعادة ترميم الشوارع.
رؤية عام 2016
ويرى المحللون الصوماليون أن الفترة المقبلة تتمثل في المصادقة على بنود تأسيس الأحزاب السياسية، للمشاركة في الانتخابات المقبلة، وفي حال تحقق تجربة التعددية الحزبية فإن الصومال ستخرج من ظلمات الاستبداد والقهر، وهي البلد الذي لم يذق طعم التعددية الحزبية منذ استقلاله عام 1961 وهي الفترة التي كان الحزب الواحدة متغطرساً على الحكم ومنفرداً في شؤون السياسة والرئاسة.
وقد أكَّد الرئيس الصومالي أثناء مشاركته في القمة العربية الأخيرة التي عقدت في شرم شيخ نهاية الشهر الفائت أن الحكومة الصومالية تحتاج إلى 10 ملايين دولار، لدعم الصومال نحو تحقيق رؤية عام 2016 لعقد انتخابات شرعية ينتخبها الشعب الصومالي لأعضاء البرلمان ورئيس الدولة، وهي تجربة فريدة لم يكتب لها مثيل في التاريخ الحديث للصومال منذ استقلاله عام 1961 من القرن الماضي.
ومع الخطوات الجريئة التي تخطوها الصومال نحو المصالحة السياسية بين الأطراف والقبائل الصومالية لنبذ العنف بين القبائل، تخطو الحكومة أيضاً خطوات لوأد جذور حركة الشباب المرتبطة بتنظيم "القاعدة” التي تنفذ هجمات دموية تستهدف المدنيين، حيث سيطرت الحكومة على مدن عديدة كانت بيد حركة الشباب، التي باتت محصورة في مدن قليلة في جنوب الصومال.
وعلى الرغم من جهود المجتمع الدولي والإقليمي للنهوض بالصومال مجدداً، إلا أن ثمة تحديات كثيرة أمام تحقيق هذه الجهود، حيث لا تزال الحكومة تواجه تحديات أهمها، الأمن الهش في البلاد وخاصة في مقديشو إلى جانب الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد منذ سنوات، ناهيك عن الفساد المالي والإداري الذي بات وصمة عار على جبين الحكومة الصومالية.
تحديات جمة
وترصد المحللة السياسية سعيدة عمر تحديات جمة أمام جهود بناء الدولة الصومال، مؤكدة أن الحرب على الإرهاب يستنزف طاقات الحكومة الصومالية، والتي لا تتمتع بأمن مستتب يمكِّنها من فرض هيبة الدولة في البلاد، إلى جانب القراصنة التي لا تزال تشكل قلقاً للمجتمع الإقليمي والدولي، رغم تقلص نشاط القراصنة قبالة السواحل الصومالية.
وتضيف الباحثة في كلية الاقتصاد في جامعة القاهرة عمر أن عنصر القبيلة في المجتمع الصومالي لا يزال يلعب دوراً كبيراً في خلق بيئة غير أمنة بالمرة، بالنسبة للحكومة التي تجاهد نحو بناء مؤسسات الدولة في الوضع الراهن، ناهيك عن الصراع الدولي للهيمنة على الصومال التي تتمتع بموقع جغرافي هام.
غير أن المحلل السياسي نور محمد يقلل من تأثير تلك التحديات على تقويض جهود بناء الدولة الصومالية، مشيراً إلى أنها عقبات تحتاج فقط إلى بذل المزيد من الجهود نحو تفكيك عقدها، لتذليل تلك العقبات وهذه التحديات.
وتتمتع الحكومة الراهنة بفرص كثيرة للمضي قدماً نحو تحقيق مزيد من المكاسب السياسية والأمنية والاقتصادية، كونها تتمتع بتأييد دولي وإقليمي، الأمر الذي يوفر لها دعماً مالياً وعسكرياً يفوق ميزانية عدد من الدول الأفريقية، فإذا استفادت هذه الحكومة من الدعم اللوجستي والعسكري فستكون قادرة على انتشال البلاد من أتون الحرب الأهلية والأزمات والاضطرابات الأمنية.
وفي المحصلة، يمثل المشهد الصومالي الراهن حالة فريدة وجسرا يمكن العبور من خلاله إلى الاستقرار والسلام، بعد سنوات ظلَّ البلد خلالها يعيش ويلات الحرب ومرارة الأزمات، وستتضح صورة الصومال في ميزان محيطها الإقليمي في الأشهر القليلة المقبلة، فإما أن يكون بلداً قادراً على العودة إلى المحافل الإقليمية والدولية أم أنه سيقع فريسة للغرب والدول الإقليمية، وهي الدول التي تآمرت عليه ولا تزال تحيك خيوط المؤامرة من الكواليس.