“عاصفة الحزم” فشلت قبل أن تبدأ.. ضبابية وارتباك وازدواجية!
حسين عاصي
مرّ اكثر من أسبوع على انطلاق عملية "عاصفة الحزم”، عملية أراد الواقفون وراءها أن "تجتاح” المنطقة، من محيطها إلى خليجها، وتفرض "ميزان قوى” جديد فيها، في وجه ما يسمّونه "التمدّد” الإيراني في المنطقة. حشد هؤلاء لعمليتهم ما حشدوه من الدعم والتمويل، فـ”تجنّدت” جميع الدول المصنّفة في "محور الاعتدال” لـ”نصرتها”، ووقف "أعداء العرب” يتفرّجون وهم "منفرجو الأسارير”.
سريعًا، شعر القائمون بالحملة وحلفاؤهم بـ”نشوة الانتصار”، نشوة لم يتضح حتى الساعة لا مصيرها ولا أفقها. ولكن مهلاً، عن أيّ انتصارٍ يمكن أن نتحدّث؟ ما الذي استطاعت الحملة تحقيقه عمليًا؟ أيّ تغييرٍ أحدثته على الأرض؟ وأصلاً، ما هي أهداف هذه الحملة؟ ولماذا تتسم شعاراتها بالطابع المذهبي والطائفي؟ وهل من إنجازٍ حققته اللهم سوى إغراق المنطقة في المزيد من الفوضى والخراب، وكأنّ ما كان فيها لا يكفيها؟!
الهدف الأوحد: قتل المدنيّين؟!
لا تبدو المشاهد القاسية الآتية من اليمن هذه الأيام غريبة على العرب. هي مشاهد حفظوها عن ظهر قلب، من كثرة ما تكرّرت، في لبنان وفلسطين، وفي سوريا والعراق، وفي مصر وتونس، وغيرها من ساحات النضال التي لا تُعَدّ ولا تُحصَى. كلّها ساحاتٌ تنزف وتنزف وتنزف، ولا أحد يسأل. ومن يسأل، إذا كان هذا أصلاً المخطّط منذ البداية، مخطّط تنوّعت أسماؤه من فوضى خلاقة إلى شرق أوسط جديد، وبقي مضمونه واحدًا؟!
المشهد نفسه يتكرّر اليوم على أرض اليمن، التي تشهد حربًا بكلّ ما للكلمة من معنى. المدنيّون هم، كالعادة، الضحية الأكبر لنزاعاتٍ لا حول لهم ولا قوة فيها. لكنّ كلمة حقٍ تُقال، قلوب العرب تحجّرت. لم يعد لصور الدماء والأشلاء أيّ اثرٍ فيهم، بل باتوا قادرين على تجاهلها ومواصلة يوميّاتهم وكأنّ شيئًا لم يكن. لم يعد المجتمع الدولي يكترث لهول المجازر التي تقع، ولم يعد يُسمع صوتٌ ولو خجول لمنظمات حقوق الإنسان.
هي همجيّة متنقّلة، تكاد تكون قاسمًا مشتركًا بين كلّ المعتدين، في مشرق الأرض ومغربها، همجيّة تسرح وتمرح هذه الأيام في اليمن، بدعمٍ وغطاءٍ منقطع النظير للأسف الشديد. لا يتوانى كثيرون من تبريرها وتوفير الغطاء اللازم لها. هذا ما فعلته جامعة الدول العربية، تلك الجامعة التي كاد العرب ينسون وجودها، فإذا بها تتسلّل من خلف الستار، لتشرّع انتهاك سيادة دولةٍ عربيةٍ، ومخالفة كلّ الأعراف والتقاليد. وهذا ما فعلته دولٌ عُظمى، لطالما ادّعت التزام حقوق الإنسان والحرص على سيادة الدول.
أهدافٌ تبرّر العدوان؟!
هو خطر التمدّد الإيراني إذاً يبدو لكثيرين كافًا لتبرير كلّ ذلك، بل هو كافٍ ليضع كثيرون برقبتهم دماءً بريئة سالت ولا تزال تسيل دون وجه حقّ. حتى أولئك الباحثون دومًا عن حلول سياسية غابوا عن المشهد. بعضهم انقطع حسّه، فيما البعض الآخر لم يتوانَ عن دعم الهجوم، لأنّه مبرّر، ولأنّ الأمور تخطت الخطوط الحمراء.
ولكن، أبعد من كلّ ذلك، يسأل سائل عن الأهداف الحقيقية وراء الحملة العسكرية، وعن توقيتها في هذه المرحلة بالذات، في وقتٍ كان العالم يستبشر خيرًا باتفاق إيراني غربي من شأنه أن يخفف التوترات في المنطقة، لا أن يشعلها من جديد، إلا أنّ للمتضررين، على ما يبدو، رأيٌ آخر.
على العموم، فإنّ الحملة تبقى غير واضحة الأهداف، أقلّه بالنظر إلى التصريحات الملتبسة والمرتبكة التي تصدر عن قادتها، فتارة هي من أجل تثبيت "شرعية” حليف المملكة العربية السعودية عبد ربه منصور هادي، وهو الرئيس الذي لم تنتهِ ولايته فحسب بل استقال من منصبه أيضًا، وتارة هي مستمرّة حتى تسليم حركة "أنصار الله” سلاحها، وطورًا من أجل منع إيران من السيطرة على باب المندب، وأحيانًا من أجل حماية السعودية من الحوثيين.
لبوس مذهبي مزيّف!
ولكن، وبعيدًا عن ضبابية الأهداف وتعدّدها، يبقى السؤال الأساس، ما الذي تحقّق منها؟
الجواب، أقلّه لغاية كتابة هذه السطور، هو لا شيء، اللهم باستثناء جرّ المنطقة إلى المزيد من الدمار والخراب، وإلى سيلان المزيد من الدماء البريئة. ولعلّ ما يُضاف إلى كلّ ما سبق، بل يكاد يكون الأخطر على الإطلاق، هو إغراق دول المنطقة في المزيد من الوحول الطائفية، في وقتٍ ليس مناسباً على الإطلاق، تتمّدد فيه تنظيمات تكفيرية إرهابية، تقتل وتذبح باسم الدين كلّ من يختلف معها في العقيدة والرأي والممارسة.
من هنا، كان على الدول المسمّاة "دول اعتدال” أن تفكّر بكيفية درء الخطر عن المنطقة من هذه التنظيمات، لا إغراق الدول العربية في المزيد من المذهبية، لكنّ ما حصل هو العكس، إذ إنّ الشعارات الطائفية تكاد تكون عنوان هذه الحملة الأوحد، حيث لا يتوانى البعض عن توصيفها بالحرب السنية الشيعية، وهي ليست كذلك على الإطلاق، إلا إذا كان اليمنيون لذي يتعرّضون للقصف والموت والدمار هم سنّة أو شيعة فقط.
أما من هرب من إلباس المعركة اللبوس المذهبي، وفضّل إعطاءها زيًا عروبيًا قوميًا، فلا يبدو أنه كان موفقًا أيضًا، فإذا كانت الحرب عربية فارسية كما يصفها البعض، يبقى السؤال عن موقع الأتراك والباكستانيين فيها، فهل هم عرب أقحاح مثلاً في مواجهة الفرس، وماذا عن الأميركيين والفرنسيين وغيرهم ممّن يتغنى البعض بدعمهم للمعركة، فأين حسّهم العروبي؟ وهل موقفهم من القضية الفلسطينية، التي توصّف على الورق بأنها القضية المركزية للعرب، يعطيهم هذا الفخر؟
رموزٌ إلى زوال..
وتبقى المفارقة في ازدواجية المعايير التي باتت على ما يبدو جزءًا لا يتجزّأ من "لعبة الأمم”. وفي هذا السياق، يستوقف المراقب مصطلحان يعتمدهما المدافعون عن عملية "عاصفة الحزم”، أولهما "دعم الشرعية”، فهذا الحماس لدعم الشرعية من قبل الدول الخليجية لم يظهر في الكثير من الدول العربية، بل إنّ هناك الكثير من الحالات التي تُظهِر العكس تمامًا، حيث دعمت هذه الدول حالات انقلابية وتمرّدية على حساب شرعية الدول العربية. أما المصطلح الثاني، فهو "التوريث”، حيث يقول الواقفون خلف الحملة أنّهم تدخّلوا في اليمن لمنع التوريث، وكأنّ أنظمتهم هي أنظمة جمهورية فيها انتخابات شرعية دورية ويتم تداول السلطة فيها بشكل سلمي وديموقراطي.
في مطلق الأحوال، فإنّ أوساطاً متابعة تتحدّث عن خلاف سعودي داخلي بدأ يطفو على السطح حول أسباب الحرب والنتائج المتوقعة منها، خصوصًا أنّ فشل الحملة سيؤدّي إلى الإطاحة برموز أساسية في النظام السعودي، تمامًا كما حصل مع الأمير بندر بن سلطان بعد فشله في سوريا.