مصادفة أم ماذا...؟
مصعب قشمر
قد يتساءل البعض عن أوجه التشابه بين السعودية و”إسرائيل”، وما الأسباب التي تدفع إلى الاعتقاد بوجود رابط بين الإثنين. قد يقول قائل أن السعودية دولة مسلمة، منها ظهر نور الإسلام وفيها قبلة المسلمين، و”إسرائيل” دولة يهودية عنصرية لا علاقة لها بالإسلام. وقد يقول القائل أن السعودية ناصرت الدول العربية وقضاياهم وأهمها القضية الفلسطينية، و”إسرائيل” دولة مغتصبة للأراضي، ارتكبت المجازر بحق الفلسطينيين وطردتهم من أرضهم وأسكنت مكانهم مستوطنيها. وقد يقال أيضا أن السعودية شاركت في الحروب العربية ضد "إسرائيل” التي شنت الحرب تلو الأخرى ضد الفلسطينيين ومصر وسوريا ولبنان.
لكن كل هذا لا ينفي أوجه التشابه والتقارب الى حدِّ التماهي بين السعودية و”إسرائيل” في كثير من الأمور التي لا لبس بها.
النشأة
لا توجد فوارق كثيرة بين نشأة النظامين الصهيوني والسعودي، فكلاهما نشأ بقوة السلاح وداس على القيم والمفاهيم الإنسانية.
أولا "إسرائيل” بنت كيانها على أنقاض الشعب الفلسطيني، بعدما أوغلت عصاباتها قتلا وتهجيرا به، وغيروا الاسم من دولة فلسطين الى دولة "إسرائيل” وهذا ينطبق أيضا على آل سعود الذين طردوا أمراء نجد والحجاز، وارتكبوا المجازر بحق أهلها ليبنوا دولتهم، وفي العام 1932 سيطر آل سعود على كامل المنطقة وغيروا اسمها من مملكة نجد والحجاز الى المملكة السعودية.
العلاقة مع بريطانيا وأميركا
وطَّد الصهاينة علاقتهم مع بريطانيا للحصول على دعمهم في مواجهة العرب والفلسطييين، وبعد إعلان دولتهم تحالفوا مع الاميركيين للحفاظ على وجودهم. ليس بعيداً ما حصل مع آل سعود، فقد ارتبط اسم العائلة عام 1915 بميثاق تعاون مع بريطانيا للحفاظ على ميليشياتهم.
السعودية واسرائيل
كما وثق آل سعود علاقتهم مع الولايات المتحدة منذ بداية الثلاثينات ما دفع بالرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت الى القول عام 1943 أن الدفاع عن السعودية يمثل مصلحة حيوية للولايات المتحدة، ثم أرسل أول بعثة عسكرية أميركية الى السعودية.
الأطماع التوسعية
"إسرائيل” لها أطماع توسعية على حساب البلدان العربية، ولا يخفى على أحد المشروع الصهيوني القائم على قيام دولة "إسرائيل” الكبرى من "الفرات الى النيل”. الأطماع التوسيعة الإسرائيلية تتشابه الى حد كبير مع الأطماع السعودية، إذ أن السعودية لها طموحات توسعية مع مختلف دول الخليج الفارسي، فبدت واضحة أطماع الرياض في اليمن، بما يحتويه من مخزون نفطي، وأجبرتها على التنازل عن مناطق عسير ونجران وجازان الجنوبية في اتفاقية العام 1934.
كما أن للسعودية مطامع في الكويت وقد ظهر ذلك جليا في الخلاف الذي نشأ بين الرياض والكويت حول حقلي الخفجي والدرة. يضاف الى ذلك محاولة السعودية ضم قطر الى مملكتها باعتبارها جزءا من إقليم الاحساء. الأطماع السعودية وصلت الى الإمارات، فقد أجبرت أبوظبي خلال اتفاقية عام 1974 على الاعتراف بسيادتها على منطقة خور العيديد الواقعة في المنطقة الساحلية الفاصلة بين الإمارات وقطر، كما حصلت على 80 بالمئة من آبار الشيبة النفطية وعلى جزيرة الحويصات.
أسلوب الحرب
بقطع النظر عما سبق، فإن كلا من السعودية واسرائيل يمارسان الأسلوب نفسه في الحروب التي يخوضونها ضد الآخرين، عبر سحق المعايير الاخلاقية والانسانية والدينية، إذ تعمد "إسرائيل” في اي عدوان تشنه على لبنان او غزة أولا الى ارتكاب المجازر عبر ضرب المدنيين، واستهداف المنشآت الحيوية من محطات الكهرباء والوقود وتدمير البنى التحتية من جسور وطرقات، فضلا عن قصفها مراكز الاتصالات والمصانع الغذائية المدارس والمستشفيات ومراكز الامم المتحدة، ومخيمات اللاجئين، ومحاولة فرض حصار بحري وجوي. وهذا ما فعلته السعودية بالتمام والكمال خلال عدوانها على اليمن، فقد اتبعت أسلوبا ممنهجا في التدمير، فلم تراع أي حرمة، قصفت المدنيين بحجة أنهم مسلحون، ولتبرير جريمتها تتذرع بأن المنطقة المستهدفة أطلقت منها النيران باتجاه الطائرات، تماما مثل المنطق "الاسرائيلي”. واضافت السعودية جريمة أخرى الى جرائمها العسكرية عبر منع إيصال المساعدات الانسانية والطبية الى السكان وهو الاسلوب نفسه الذي تعتمده "إسرائيل” في حروبها، بهدف فرض الحصار على السكان لإجبارهم على الاستسلام.
في عدوانها على لبنان وغزة ادعت "إسرائيل” بأنها حسمت المعركة عبر الجو، من خلال الضربات الاولى، لأماكن ادعت أنها عسكرية أو مخازن الصواريخ، وهذا ما فعلته السعودية من خلال ادعائها بأنها دمرت مخازن السلاح والصواريخ لحركة أنصار الله في أول ربع ساعة من الغارات.
فكما ان "إسرائيل” أعلنت ان هدفها من الحرب على لبنان وغزة هو سحق ترسانة المقاومة او تسليمها، كذلك فعلت السعودية خلال عدوانها على اليمن، بإعلانها أن الهدف هو تدمير سلاح حركة انصار الله.
ظرتهما الى الاتفاق النووي
يضاف الى ما تقدم، أن كِلا النظامين الصهيوني والسعودي يرفضان، ولوحدهما، التوصل الى اتفاق نووي بين إيران والسداسية الدولية حول برنامج إيران النووي، وكِلا النظامين يعتبران إيران عدوهما الاول ويطالبان بتشديد الشروط على طهران في حال وقع الاتفاق، كما أنهما يؤيدان أو يحرّضان على ضرب إيران عسكرياً، وقد ظهر ذلك من خلال ما كُشف عنه بأن السعودية قدمت التسهيلات لتل أبيب في حال قررت الأخيرة ضرب المفاعلات النووية الإيرانية.
وفي الخلاصة، يُستدل مما عرض بأن السعودية وإسرائيل يمتهنان الأسلوب نفسه والسلوك الإجرامي نفسه، وأن المسار التاريخيَّ لهذين النظامين يدلان على أنهما ينتميان الى مدرسة واحدة. وهنا يطرح السؤال، هل هي مصادفة بأن يتشابه مواقفها وسلوكهما في مقاربة الأمور؟...