هؤلاء ليسوا بشراً.. عن إيران أتحدّث!
عصري فياض
عن الايرانييـن أتحدث، نعم، عن الجمهـــورية الاسلامية، منذ اربع وأربعين عاما، وهذه الثــورة الفريدة، التي تضحي وتقدم وتصبر وتتحمل، لتبقى محافظة على وفائها لمبادئها القائمة على نصرة المظلوم والوقوف في وجه الظالم أينما كان وحيثما كان، وذلك استنادا وانطلاقا من الفكر الثـوري الاسلامـي المستمد من القرآن وتراث وجهــاد آل البيت عليهم السلام.
وعندما أعنون هذا المقال بعبارة “هؤلاء ليسوا بشر” أعني فيه بُعْدِهِ الاعلى والاسمى، فلا تكاد توجد دولة حتى لو كانت ثـورية أو معادية للاستكبــار العالمي أو الاستعمـار، تقف وتقدم دعما سخيا في كل مجالات الدعم المالي والتسليـحي والتقني والخبراتي والاغاثي وغيره للحركات المناضلـــة التي تمثل الشعوب المظلومة دون مقابل، ودون دخول المصالح المتبادلة على الخط سواء كانت الانية أو المنتظرة إلا إيــــــران..
فهذه إيــران،التي كان من أسباب ومسببات اندلاع ثورتهــا الحديثة ضد حكم الشاه البائد، وتَكَّوُنْ نظامها الحديث المتمثل بجمهوريتها الاسلاميـــة،هو موقف الشاة من “إسرائيل”، وأمريكيا الداعمة “لإسرائيل”، بالرغم من الاختلاف المذهبي بين الايرانييـــن الذين يدينون بالمذهب الشيعي الجعفري الاثنى عشري بمعظمهم وبغالبيتهم الساحقة، وبين الشعوب العربية في فلسطيـن ولبنان وسوريا التي تدين بغالبتها بالمذاهب السنية الاربع، وبالرغم من الاختلاف العرقي القومي بين الحضارتين العربية والفارسية بالرغم انصهارهما في الاسلام في حقب وأزمنة ممتدة على مدى الف واربعماية عام تقريبا،إلا انها منذ ايام انتصارها في العام 1979، وهي لا تنفك عن الصدح بالوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني، فعندما وصل الامام الخمينـــي المظفر لطهران عائدا من منفاه في فرنسا في الاول من شباط من ذلك العام، سألوه عن وجهته التالية فقال: فلسطيـن، وقال مقولته الشهيرة “أتمنى نيل الشهـــادة خلف مدفع رشاش في صفد “، ولم يكن قولا عاطفيا، بل كان الواقع يعكس هذا التوجه، فسفارة ” اسرائيل ” قبل الثــــورة، أصبحت سفارة لفلسطيـــن بعد الثــورة ، وهي أول سفارة لفلسطيــــن على وجه الأرض، كما أن زيارة القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لطهران بعد ايام من انتصار الثــــورة، وما قاله هناك خاصة تصريحة الشهير “ان الثــــورة الفلسطينية الان أصْبح لها عمق من طهـــران حتى صور”، وما تلى الزيارة من تدفق الالف المتطوعين الايرانيين لمعسكـرات “فتـح ” في سوريا ولبنان، وتبني خلق تنظيم لبناني مقاوم من الطائفة الشيعية في لبنان في العام 1982، وهو تنظيم حـــــزب الله، ودعمه بكل وسائل الدعم منذ ذلك اليوم لغاية الآن وبتصاعد،وموقف هذا الحــــزب من الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان وفلسطيــن شاهد لا يحتاج لدلائل، وبدون مقابل، ولا حتى في المقابل السياسي، حتى عندما حدثت قضية البوسنا والهرسك، اندفعت إيران في دعم البوسنيين المسلمين وحلفائهم الكروات بالمال والسلاح للوقوف في وجه الصرب، وعندما تداعت دول الاتحاد السوفياتي للسقوط، وتفككت الجمهوريات السوفياتية تباعا، قامت الطائرات الايرانيـــة بنقل المساعدات لدولة أذربيجان التي تحدها من الشمال محملة بالدعم والكتب الثقافية وعلى رأسها المصاحف الشريفة التي كانوا في أمس الحصول عليها بعد خضوعهم للنظام الشيوعي ردحا من الزمن، وذلك لان سبعون بالمئة من الشعب الاذري من المسلمين الشيعـــة، بالرغم من أن أذربيجان الان كنظام هي أقرب “لاسرائيل” من عدوتها أرمينيا التي تقف في نقطة أقرب لايـــران..
وعندما إندلعت الانتفاضــات الفلسطينية الثلاث الحجــــارة والاقــصى والحالية، كانت وما زالت إيــران في قلب الحدث الانتفاضــــي دعما ومساندة،وما قضية الاسيـــر المحرر اللواء فؤاد الشوبكي والذي كان مكلفا بإدخال سيفنة الســلاح المجانية القادمة من أيـــران لغـــــزة إلا مثالا ساطعا على ذلك الدعم، وما يصرح به قادة حمـــاس والجهــاد اليوم من ثناء وشكر ومدح لايــــران على دعمها الذي يؤكدون به انه سخي ومتواصل في كل المجالات والذي ساهم في صنع الصمود الاخير في معركة “ثأر الاحرار” ومن قبلها “وحدة الساحات” و”سيف القـــدس” والوعد بزيادته وتوسيعه.
وعندما انتهت الحرب العراقية الايرانية والتي دامت ثماني سنوات، وأصدر مجلس الان قراره الشهير الذي يُحمل العراق مسؤولية البدء بالحرب، وما بني على ذلك من إقرار مجلس الامن نفسه لقرار تعويض إيران عن خسائر تلك الحرب والبالغة ترليون ومثتي مليار دولار، وحدث للعراق ما حصل من حصار واحتلال،لم تطالب إيــــران رسميا بتنفيذ القرار،والحصول على التعويض الضخم مراعاة لظروف العراق وشعب العراق،بل وقفت لجانب الشعب العراقي في مقاومـــة الاحتــلال وبناء ألعراق، وعندما سيطرت داعــش على بعض المحافظات العراقية هبت أيـــران بالمال والســ ــلاح والمئونة للعراق والعراقيين، وكذلك بالخبراء والكفاءات والتي كان على رأسهم الشهــــيد قاســم سليمـــاني، فساهم هذا الدعم بشكل كبير في تحقيق الانتصار على داعـــش.
أما في سوريا، والحرب الكونية عليها،والتي التقت عليها أمريكيا ودول الغرب مع بعض دول الخليج والتنظيمات الاسلاميــة المصنفة ارهابيــة والجهات التكفيـــرية التي جاءت على انقاض الحراك الشعبي المطلبي،والعلمانيين الراغبين في التطبيع مع ” اسرائيل”، والتي كان من احد اسباب اندلاعها هو قطع طريق تواصل محور المقاومــــة والممانعـة الممتد من أيــــران للبنان مرورا بســـوريا والعراق وفلسطيـــن، فقد سارعت أيـــــران بالمال والســـلاح والخبراء والمتطوعين من العراق والباكستان وأفغانستان بالإضافة للمشاركة القوية من حـــزب الله اللبنـــاني، لافشال تحقيق ذلك المخطط الذي كان لو نجح سيخنق المقــــــاومة في لبنان، وسيؤثر كثيرا على المقـــــاومة الفلسطينيـــة في قطاع غـــــزة والضفة، فساهم الموقف الايرانـــــي في تحقيق الانتصــــار على هذا المخطط وأدواته، وأبقى بل عزز التواصل السلس بين دول المحـــور الاربع المذكورة بكل اريحية.
أما في اليمن الذي شهد تحولا عقائديا انطلاقا من محافظة صعدة على يد الزعيم الراحل بدر الدين الحـــــوثي، ومن بعده نجله السيد عبد الملك الحـــــوثي،الذي خاضت السعودية والنظام اليمني السابق ستة حروب لاستئصال شأفته، لكنهما فشلا في ذلك،ولما هبث الثـــورة اليمنية،وحاولت المنظومة الخليجية وعلى رأسها السعودية والامارات وقطر إحتوائها والسيطرة عليها، كان التمدد والسيطرة الواسعة لأنصــــار الله والجيـــش اليمني، فوقفت أيــــران بالباع والذراع لجانب الجــــيش واللجان الشعبيـة وما تزال، الامر الذي ساهم في تحقيق الجــــيش واللجان العديد من الانتصــــارات الميدانية المدوية والواعدة في بسط السيطرة الثــــورية على كل اليمن ليحقق استقلاله وكرامته الوطنية، وبقاءه الى جانب قضاياه العربية المحقة وعلى رأسها قضية فلسطيـــــن.
إن دولة مثل إيــــــران والمحاصرة منذ انتصــــار ثورتــها،ولا زالت محاصرة وتخضع لأكثر من الف وستماية قرار حصار وعقاب وتضييق، الامر الذي أثر بشكل او بآخر على وضعها ألاقتصادي وبالرغم من أحمالها الداخلية،وأعبائها الثقيلة، لا زالت تقدم يد العون لكل مظلوم ومحتاج دون مقابل،بل أنها تصدح بذلك وتفاخر به عندما تُتَهم،وتخفيه وتترفع عن المنة فيه عندما تقدم، ولم تساوم أو تساهم أو تؤثر يوما ما في قرارات من تقدم لهم، ولا حتى تمارس أس ضغط عليهم، وهذا ما قاله الكثيرون منهم ومنهم قيادة حمــــاس والجهـــــاد والحوثــيين وحـــــزب الله،بالمعنى دولة تقسم رغيف خبز ابنائها مع غيرهم من المظلومين المدافعين عن الحق والواقفين في وجه الباطل دون مقابل مادي ودنيوي لهي دولة فريدة في هذا الزمان بل وفي كل الازمنة لم نعرفها ولم نقرأ عنها حتى في الدولة الفاضلة الافلطونية، الامر الذي يجعلها بقيادتها وشعبها دولة وشعب يستحقون القول فيهم انهم ليسوا بشرا ، كباقي البشر في هذا العالم المادي، بل هم أعلى وأنبل وأسمى من نمط باقي البشر .