إيران وسورية… مسارات استراتيجية
د. حسن مرهج
لسنا بصدد الحديث عن مقاربة العلاقات السورية ـ الإيرانية، والتي اتخذت مساراً استراتيجياً بالغ الأهمية، في ظلّ حالة من التجاذبات الشرق أوسطية، وعطفاً على حالة من تعميق التحالفات بين دمشق وطهران، فالحديث عن عمق تلك العلاقات، بات مثالاً إقليمياً لحالة من التكامل السياسي، والتي من الصعب التأثير عليها إقليمياً ودولياً، في ظلّ محاولات بعض القوى الإقليمية، جذب الدولة السورية إليها، لاستثمار نصرها السياسي والعسكري أولاً، وإبعادها عن إيران ثانياً، إلا أنّ القيادة السورية ونظرتها الاستراتيجية، تضع التحالف مع إيران ضمن معادلة استراتيجية يصعب اختراقها، من هنا فإنّ عناوين زيارة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي إلى دمشق، تتخذ بُعداً عميقاً في منظومة التحالفات الشرق أوسطية، والتي ستكون ضمن سلسلة من المعادلات على المستويات كافة.
الرئيس رئيسي في دمشق، زيارة بالغة الأهمية بحسب توصيفات الجميع. هي توصيفات لم تنطلق من توقيت الزيارة التي جاءت بعد سنوات الحرب التي شُنّت على سورية، ولم تنطلق من كون هذه الزيارة هي الأولى بعد زيارة الرئيس الأسبق محمود احمدي نجاد في أيلول عام 2010، بل هي توصيفات جاءت وارتكزت على جملة الملفات التي يحملها السيد رئيسي، والتي ستكون حُكماً ضمن أطر تعزيز مفردات العلاقة الاستراتيجية، فالحليفان الاستراتيجيان سارا معاً، ضمن مسار إقليمي ودولي مليء بالألغام السياسية، لكنهما تمكنا من تحييد جُلّ العوائق، والارتقاء بالعلاقات إلى مستوى بات من الصعب تكراره على مستوى العلاقات الدولية.
الرئيس رئيسي في دمشق، يعني استعداد دمشق وطهران لحصد الانتصارات التي تحققت، والدخول إلى مشهد إقليمي متغيّر لتعزيز مفردات وعناوين العلاقات الاستراتيجية، لا سيما أنّ زيارة رئيسي، ستكون في صُلب تحركات دبلوماسية إقليمية، غايتها الأولى والأخيرة البحث عن تحالفات جديدة تمتاز بالقوة والفاعلية، خاصة أنّ العلاقات السعودية الإيرانية عادت من الباب الصيني، وفي منطقة كانت حِكراً على السياسات الأميركية، فضلاً عن قرار الرياض إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية، ما فتح الباب أمام عدد من الدول العربية لإعادة العلاقة مع دمشق.
الرئيس رئيسي في دمشق، لتثبيت العناوين الميدانية والعسكرية في سورية والمنطقة، بالتزامن مع إفشال مشروع إسقاط النظام السياسي في دمشق، ولا يمكن في تلك الجزئية، أن يتمّ تجاهل الدور الإيراني في تعزيز صمود الدولة السورية ومؤسّساتها، وحالة التنسيق عواصم المحور، وكذا روسيا والصين، وبالتالي بات لزاماً على طهران ووفق منظورها الاستراتيجي، الانتقال الى عناوين جديدة، ترتكز على معالجة آثار الحرب التي شُنّت على سورية الدور والموقع الإقليمي الفاعل والمؤثر، وتعزيز الجوانب الاقتصادية، في ظلّ إصرار الولايات المتحدة بإدارتها على فرض عقوبات قاسية على سورية منعاً لاستثمار الانتصار العسكري.
حقيقة الأمر، يمكن وضع زيارة رئيسي إلى دمشق، ضمن إطار افتتاح مرحلة استراتيجية جديدة، لمواجهة التحديات الأميركية في سورية وإيران وعموم المنطقة، ولا نبالغ إنْ قلنا، بأنّ هذه الزيارة ورغم ما تحتويه من عناوين استراتيجية غاية في العمق، لكنها أيضاً هي مناسبة لكسر الحصار على دمشق، وإنهاء مشروع تجويع الشعب السوري، وحرمانه من أبسط الحقوق الإنسانية مثل الكهرباء والوقود والدواء. وكسر العزلة عن محيطها.
وبصرف النظر عن العناوين السياسية التي تؤطرها زيارة رئيسي إلى دمشق، إلا أنّ الجانب الاقتصادي وتحدّياته، سيكون بوابة لتعزيز مفردات الانتصار السياسي والعسكري، ولا شك بأنّ هذه الزيارة، ستفتح إعادة إعمار الدولة السورية في الجوانب كافة، وفي هذا الصدد سوف تشهد الزيارة عدداً من اتفاقيات ومذكرات التفاهم، ترجمة ذلك جاء عبر السفير الإيراني في دمشق، حسين أكبري، والذي أكد أنّ الزيارة ستحقق إنجازات ليس فقط لطهران ودمشق، بل هي حدث يمكن أن تستفيد منه دول أخرى في المنطقة.
وتُشير بعض المصادر، إلى أنه ثمة اتفاقيات متعددة وتفاهمات جديدة، ستشمل جوانب وقطاعات مختلفة، في مجالات الكهرباء والمحروقات، وتفعيل خطوط ائتمانية جديدة، واللافت أنّ اللجان المشتركة الإيرانية السورية، قد شُكلت قبل زيارة رئيسي، لوضع خطوط عريضة للمرحلة المقبلة.
سياسياً فإنّ زيارة رئيسي إلى دمشق، تأتي في توقيت بارز عنوانه الأهمّ، حالة الانفتاح على الدولة السورية، وبالتوازي هو انفتاح على إيران أيضاً، كلّ ذلك تراه إيران في سياق ابتعاد المنطقة عن الهيمنة الأميركية، وبناء شركات تسهم في إدارة مشتركة للإقليم. لكن بالنسبة لإيران فإنّ حلّ الخلاف بين دمشق وأنقرة له أهمية استراتيجية ترتبط بإغلاق ملف الحرب في سورية، وإنهاء حالة الجماعات المتطرفة المسيطرة على جزء من الشمال السوري من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ اتفاق دمشق أنقرة سينعكس إيجاباً على العلاقات الإيرانية التركية، ويساعد في مشروع التشبيك الإقليمي والتكتل الدولي الصاعد الهادف الى تقويض السيطرة الامريكية على العالم.
في الختام، يبدو واضحاً أنّ زيارة رئيسي إلى دمشق، أثارت قلق «إسرائيل»، جاء ذلك من خلال استهداف «إسرائيل» لمطار حلب الدولي وإخراجه عن الخدمة، وهي قد تبدو رسالة إسرائيلية للضيف الإيراني الكبير الذي سيزور مدينة حلب بحسب مصادر مطلعة على برنامج الزيارة.
كلّ ذلك فإنّ سورية دخلت مرحلة استراتيجية عميقة وجديدة، عناونها تعزيز التحالفات الشرق أوسطية، وبناء معادلات إقليمية جديدة، تبدأ من دمشق، وتنتهي بها…