شريط وثائقي روسي مرعب يوثق جرائم الحرب الامريكية وقنابل اليورانيوم المنضب في العراق..
لماذا كان روسيا وليس عراقيا؟ وما العيب في تسليط الأضواء على صمود الجنود العراقيين البطولي في معارك مطار بغداد لثلاثة أيام في الذكرى العشرين للغزو والاحتلال؟
عبد الباري عطوان
كشف فيلم وثائقي بثته قناة “روسيا اليوم” الناطقة باللغة الإنكليزية عن حقائق مرعبة عن جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات التحالف الأمريكي في العراق بمناسبة الذكرى العشرين لغزوه واحتلاله، وكان من أبرز ما تضمنه هذا الشريط أمران رئيسيان:
الاول: صمود الجيش العراقي البطولي في معركة مطار بغداد الذي إستمر لأكثر من ثلاثة أيام وجرى تكبيد القوات الغازية خلالها خسائر بشرية وعسكرية ضخمة، ولكنها، أي المعركة، انتهت بالغلبة للقوات الامريكية الأكثر تطورا والمدعومة بالغطاء الجوي بطائرات “اف 16” المقاتلة والمروحيات من نوع “أباتشي”، والأهم من ذلك استخدام القوات الامريكية قذائف مصنوعة من اليورانيوم المنضب نجحت من خلالها في تدمير الدبابات العراقية لقدرتها الفائقة على اختراقها، وإبادة جميع القوات التي كانت تتولى الدفاع عن المطار ومنع تقدم القوات الغازية نحو بغداد وبالتالي احتلالها.
الثاني: تسليط الأضواء على فظائع عمليات التعذيب المرعبة التي مارستها القوات الامريكية ضد المعتقلين العراقيين، وخاصة في سجن أبو غريب، ولم يحدث مثلها، وبسبب ساديتها، في أي مكان أخر في العالم، بإشراف جنود وعملاء وكالة الاستخبارات الامريكية “سي أي أيه”، وضوء أخضر من وزارة الدفاع، حيث جرى تصوير 92 شريطا لعمليات التعذيب هذه، وجرى عرض بعضها على معتقلين آخرين لإرهابهم، وترويعهم، كنوع من التعذيب، ولكن إدارة الرئيس جورج بوش الابن أمرت بتدميرها لاحقا، للحيلولة دون تسريبها الى الرأي العام العالمي.
ربما يجادل البعض بأن اقدام السلطات الروسية على عرض هذا الشريط ليس بريئا وجاء كرد على الحملة الامريكية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه الأيام، استنادا الى توجيه محكمة الجنايات الدولية اتهامات له بإرتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، من بينها خطف أطفال، ومطالبتها، أي المحكمة، باعتقاله وتسليمه اليها في أقرب وقت ممكن، والسؤال هو أين الخطأ في ذلك، فالاتهامات الموجهة للرئيس بوتين ما زالت ذات طابع سياسي، ولكن الاتهامات الموجهة الى الجيش الأمريكي في العراق بارتكاب جرام حرب، وتعذيب سادي للمعتقلين موثقة بالصوت والصورة، والشيء نفسه عن استخدام اليورانيوم المنضب المحرم دوليا الذي تسبب باستشهاد مئات الآلاف من العراقيين سواء من الجنود او المدنيين نظرا لتسبب قنابله بإشعاعات أدت، وما زالت تؤدي، الى انتشار مرض السرطان.
صحيفة Declassified UK البريطانية اكدت ان مجموع القذائف التي اطلقتها القوات البريطانية على اهداف في العراق في الفترة منذ عام 1991 – 2003 احتوت على اكثر من 2.3 طن من اليورانيوم المنضب اعترفت وزارة الدفاع البريطانية بهذه الخطيئة، وأعربت عن استعدادها للمشاركة في تطهير المناطق التي تتواجد فيها اشعاعات نووية في العراق وجرى قصفها بأكثر من 420 قنبلة من النوع المذكور آنفا في حينها، ومن المؤلم ان وزارة الدفاع البريطانية نفسها تعهدت قبل بضعة أسابيع بإرسال قنابل اليورانيوم المنضب الى الجيش الاوكراني، ولم تتعلم من خطاياها، الامر الذي استدعى ردا روسيا بالتهديد باستخدام قنابل نووية تكتيكية.
من يستحق المثول امام محكمة الجنايات الدولية الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد ونائبه ريتشارد بيرل، علاوة على “جنرالة التعذيب” جينا هاسبل التي كانت تتلذذ بالتقاط الصور مع المعتقلين العراقيين والمعذبين وهم عراة، ولكن ما حدث هو العكس تماما حيث جرى ترقيتها، ومكافأتها بتعيينها رئيسة لوكالة المخابرات المركزية (سي أي ايه) في زمن إدارة الرئيس دونالد ترامب.
الذين صمدوا، وقاتلوا بشجاعة في معارك مطار بغداد الثلاثة، وعطلوا تقدم القوات الامريكية نحو بغداد لأكثر من ثلاثة أيام، واستشهدوا جميعا، كانوا جنودا وضباطا عراقيين، ولكن من المؤسف، أننا لم نر كلمة واحدة، او احتفالا واحدا، بالإعتراف بوطنيتهم، وشجاعتهم، وتضحياتهم للدفاع عن بلدهم طوال العشرين عاما الماضية، وسط تعتيم مخجل على الصعد كافة، خاصة ان البرلمان العراقي طالب بطرد جميع القوات الامريكية واغلاق قواعدها في البلاد.
مليون عراقي استشهدوا بقنابل اليورانيوم المنضب، والقصف الاجرامي، ومليون آخرين تحت الحصار الأمريكي الذي إمتد لأكثر من 13 عاما، ووثقت هذه المعلومات مجلة “لانسيت” الطبية البريطانية الأكثر شهرة ومصداقية في العالم من خلال البحوث الميدانية لمندوبيها، ناهيك عن سرقة ذهب البنك المركزي والآثار التاريخية والنفط، وحل الجيش العراقي.
كنا، وما زلنا، نتمنى ان تقوم جهات وطنية عراقية، وبدعم حكومي، بإنتاج أفلام وثائقية تسجل جميع جرائم الحرب الامريكية بالصوت والصورة، مدعومة بشهادات شهود العيان الذين عاصروا تلك الفترة، اكراما لأرواح الشهداء وترفعا عن بعض المواقف الطائفية، واحتراما للعراق، وإرثه العظيم.