خطاب المعادلات
فاطمة سلامة
لا يُمكن أن يمُر خطاب للأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله دون أن يرسم فيه معادلات. لا تُشبه خطابات سماحته تلك الخطابات المكرّرة التي يُدلي بها البعض، والتي يكون فيها الخطاب "نسخة" عمّا سبقه. بمنهجية ووضوح ودقّة يستعرض السيد نصر الله كل الملفات فيجد المتلقي نفسه مهتمًا ومصغيًا بإنصات كي لا تفوته أي عبارة؛ ففي كل مرة يستمع فيها للخطاب يلتمس معادلات جديدة يرسمها سماحته على قدر المرحلة والمناسبة، فكيف اذا كانت القدس محور المناسبة؟. لفلسطين وقُدسها مكانة خاصة في عقل ووجدان سماحته، وهي تكاد تكون الحاضر الأبرز في مختلف خطاباته على اعتبار أنها "جزء من ديننا" وفق ما قال سماحته في أحد الخطابات. وعليه، حذّر سماحته العدو في خطاب يوم القدس العالمي أمس الجمعة من أنّ المقدسات خط أحمر والشعب الفلسطيني خط أحمر. ونبّه العدو من أنّ "أي عمل أحمق في القدس أو الضفة أو غزة أو لبنان أو سوريا قد يجر المنطقة إلى حرب كبرى".
المحلّل السياسي الدكتور وسيم بزي يقرأ في خطاب سماحة السيد نصر الله الأخير، فيصفه بـ"خطاب المعادلات". وفق بزي، يحتمل الخطاب كمًّا هائلًا من التحليل، ففيه بواطن كثيرة. برأيه، يأتي الخطاب ونحن في إحدى أقوى اللحظات توثُّبًا وقوة وشعورًا بالثقة بالنفس واقترابًا من الأهداف أسماها وأبعدها. نحن في لحظة يبدو فيها مصير الكيان فعليًا بلحظة غير مسبوقة، وهذا الشعور بفائض القوة له علاقة بمستوى حضور الشعب الفلسطيني من جهة، وبتراكم قدرات المحور واقترابنا من تجسيد عملي لوحدة الجبهات والساحات يجعلنا بهذه القدرة من الاقتراب من تحقق اليقين.
لا يُخفي بزي أنّه دائمًا ما يكون لخطابات سماحة السيد نصر الله في يوم القدس العالمي أثرها الخاص وفعلها اذ يترقبها الأعداء قبل المحبّين لأنّ موقع سماحته تجاه القدس وفلسطين وموقعه في محور المقاومة يُعطيه هذه الأهلية ليكون موقع رصد ومتابعة، لكنّ سماحة السيد هذه السنة بالتحديد قدّم قراءة استراتيجية وذلك بالتضامن والتكافل مع بقية قوى المحور الحيّة نتيجة التهيِئة التي أنجزها الشعب الفلسطيني على الأرض عبر حركته المقاوِمة التي سبقت الإحياء بأشهر. يشدّد بزي على أنّ محور المقاومة كان مصرًا في هذه الذكرى بالذات عاى أن تكون ذكرى بتظهير قدرات مختلفة وبإحيائية ورسائل مختلفة، لذلك أتت إطلالة الأمين العام لحزب الله لتقدّم قراءة استراتيجية كاملة للبيئة التي تحضُن القضيّة في هذه اللحظة أي بيئة المحور وقواه من جهة، وبيئة الأعداء من جهة ثانية.
وعليه، شرح سماحته بإسهاب سبب الشعور بالقوّة الذي يشعر به محور المقاومة بكل قواه في هذه اللحظة، وبدأ بشرح الواقع الأميركي ومن ثم واقع الإقليم ودُوله من لبنان وسوريا وفلسطين والعراق واليمن والجمهورية الاسلامية الإيرانية. وتحدث عن قضيتي أوكراينا وتايوان اللتين أسستا لانشغال أميركا بمواجهات خارج منطقتنا، متوقفًا عند ملفين مهمّين هما أفغانستان وفنزويلا كدليل على تراجع القوة الأميركية.
يتناول بزي من خطاب سماحته البعد اليمني والفلسطيني والعراقي والسوري، حيث أعاد السيد ــ بكثير من التفصيل ــ رسم قواعد الاشتباك المحيطة بكل ساحة من ساحات المواجهة التي يخوضها محور المقاومة لكنّه أكّد أنّ العدو يسعى للاستفراد بكل ساحة ضمن قواعد اشتباك بمعزل عن الساحة الأخرى، وبالتالي سيكون الرد بـ"وحدة الساحات". وفق بزي، طرح سماحة السيد نصر الله معادلات جديدة على قواعد الاشتباك ــ خاصة ببعدها اللبناني ــ حين كرّس معادلة "الغموض البنّاء" ردًا على سؤال "ماذا جرى بموضوع إطلاق الصواريخ من لبنان". هذه القاعدة سبقتها قاعدة "الغموض البنّاء" بموضوع "مجدو" وتبين أنّ هذه المعادلة أصبحت جزءًا من إدارة المعركة، فعدم الكشف يجعل الكثير من أسئلة العدو ــ إزاء ما جرى ــ تبحث عن أجوبة.
أما بالموضوع السوري، فكرّس السيد نصر الله أيضًا أمام قوات الاحتلال الصهيوني معادلة جديدة "بأن لا تطمئنوا الى استمراركم بضرب سوريا تحت معادلة المواجهات بين الحروب لأنّه وفي أي لحظة قد يحصل تطور يُدخل سوريا على حالة الردع". وفي الملف اللبناني، نبّه سماحته العدو الى مسألة وضع استهداف قادة فلسطينيين ضمن عمليات أمنية على أرض لبنان ضمن قواعد الاشتباك، راسمًا معادلة جديدة تقول أن "أي عملية اغتيال لقائد فلسطيني على أرض لبنان ستستوجب ردًا على العدو".
وفي ما يتعلّق باليمن التي تبدو دائمًا أحد روافع المحور الأساسية، يلفت بزي الى أنّ السيد نصر الله كان إيجابيًا بتلقُّف المتغيرات الحالية لكنّه ركّز أيضًا على معادلة أنّ اليمني ليس بحاجة لتبرير ما جرى فهو بالأساس مدافع ويعتبر نفسه صاحب حق، وما جرى يُطالب به اليمني منذ سنوات لجهة وقف العدوان والحرب، لكن الطرف الآخر هو من يحتاج الى التبرير لأنّه رسم أهدافًا عالية جدًا ويجد نفسه اليوم مضطرًا للنزول عن الشجرة.