بعد اربع سنوات.. لا نريد انهيارك أيها الأسد!
سمية علي
كان ذلك عشية دخول خطة المبعوث الدولي الى سورية كوفي انان حيز التنفيذ، والتي كانت تهدف بشكل اساسي الى وقف اطلاق النار. وقتها، حذر انان من امرين: الأول وهو محاولة بعض الدول تغيير النظام في سورية، والثاني تمثل بالنتائج الكارثية لعسكرة النزاع. بعد شهرين، أعلن رئيس بعثة المراقبين المخوّلة متابعة سير وقف اطلاق النار الجنرال روبرت مود عن عدم وجود ارادة لحل سلمي للأزمة في سورية.
2015/3/14:معلق الشؤون الاسرائيلية في صحيفة هآرتس عاموس هرئيل يؤكد أن "سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد بات امراً من الماضي ولم يعد ممكناً، الا في حالة واحدة وهي اغتيال الأسد”.
بين خيار عسكرة الأزمة في سورية الذي تبناه الغرب ومن معه من العرب و "اسرائيل”، والاقرار بعدم امكانية اسقاط ذلك البلد، اربع سنوات من الحرب والسياسة، خاضتها سورية، وصمدت..
البداية: تنحى أيها الأسد
كلما اقتربت الذاكرة من آذار/مارس 2011، تاريخ بداية الأحداث في سورية، يخفت صوت الحلول السياسية وصولاً الى اللاشيء.
"الأزمة السورية ليست داخلية بل هي حرب خارجية بأدوات داخلية”، هكذا وصف الرئيس السوري بشار الأسد ما يجري في بلاده في الثالث من حزيران/يونيو 2012، وهكذا بدا المشهد السياسي العام حتى قبل هذا التاريخ، حيث قام الاتحاد الأوروبي بفرض حظر على تصدير الأسلحة والمعدات إلى الدولة السورية بحجة "عدم استخدامها لقمع المتظاهرين المطالبين باسقاط النظام”، وعلى خط مواز سارعت الولايات المتحدة الأميركية على لسان رئيسها باراك اوباما صيف العام 2011 إلى دعوة الرئيس السوري لأول مرة بشكل علني الى "التنحي”، معلناً عن فرض عقوبات على دمشق من بينها تجميد الأصول السورية وحظر الاستثمارات الأميركية. عقب ذلك بات شعار "التنحي” عنوان المرحلة بالنسبة لكل من بريطانيا وفرنسا والمانيا وغيرها من الدول الأوروبية.
اقليمياً، كانت تركيا عرابة الشعار الأميركي، على مستوى تصريحات كبار مسؤوليها وعلى رأسهم رئيس وزرائها في ذلك الوقت رجب طيب اردوغان الذي اتهم الأسد ب "الجبن”، وايضاً على مستوى احتضان "المعارضين” منذ اللحظات الأولى، وعلى خطاها سارت الدول العربية، حيث أعلنت جامعتها في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 تعليق عضوية سورية فيها، داعية "المعارضة السورية الى اجتماع لبحث المرحلة الانتقالية القادمة”. خطوة تلاها سحب أكثرية الدول العربية لسفرائها من دمشق.
لم تصل اصوات مئات الآلاف من السوريين الذين تظاهروا على اوتستراد المزة، وفي مناطق اخرى على امتداد الأرض السورية، رفضاً للتدخل الخارجي في شؤون بلادهم الى اروقة الدول. الضوء الأخضر لمخطط "تغيير النظام في سورية”، قد بدأ، لا مفاوضات مع نظام يريدون "اسقاطه”.
الوقت يمر.. الأسد لا زال هنا
في أيار/مايو 2012، أعرب وزير الحرب الاسرائيلي ايهودا باراك عن خيبة امله من "صمود النظام السوري”. الأخير طالب الأطلسي والأسرة الدولية باتخاذ كل الاجراءات الممكنة، لأن رحيل ذلك النظام "ضربة لايران وحزب الله”. في ذلك، تصريح علني عن هدف آخر للنزاع، سبق أن ادركه جيداً المحور المقابل الذي علم أنه مستهدف وأنه جزء من المعركة بوجهيها الميداني والسياسي، مما ترجم حضوراً قوياً ل "الفيتو” الروسي والصيني في مجلس الأمن اسقط كل المشاريع الغربية-العربية ضد السيادة السورية.
الصمود السياسي ترافق مع صمود ميداني للجيش السوري بوجه أعداد كبيرة من المسلحين الأجانب الذين تدفقوا الى سورية، والذين كان تسليحهم بنداً رئيسياً على جدول أعمال مؤتمرات عربية اتت تحت عنوان "أصدقاء سورية” والتي تنقلت بين تونس والقاهرة وفرنسا وتركيا، وكان المال السعودي والقطري حاضراً فيها بقوة.
بموازاة ذلك، حاول المحور الغربي-العربي استخدام عوامل عدة كالتدمير الممنهج الذي كانت تشهده سورية نتيجة المعارك الطاحنة بين جيشها والمسلحين، والارهاب الذي اجتاحها بايعاز من ذلك المحور نفسه، للضغط على النظام باتجاه دفعه للقبول بشروط وصفوها بالحل للأزمة في بيان "جنيف 1” في الثلاثين من حزيران/يونيو 2012، وحتى في مفاوضات "جنيف2” في الخامس عشر من شباط/فبراير 2014 باشراف المبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي، حيث وقف وفد النظام موقف المنتصر الذي استعاد اجزاء كبيرة من ارضه سبق أن سيطر عليها المسلحون، في وجه معارضة لم تعد تمتلك زمام المبادرة في الميدان، بعد ان اقصتها جماعات تكفيرية كالنصرة و "داعش” وغيرها، بالرغم من كل المحاولات الغربية لإعادة انشاء وتسليح "معارضة معتدلة”.
هنا تغيرت المعادلة ايضاً. الخطر التكفيري دفع حلفاء سورية الى التدخل، حزب الله أخذ المبادرة فكانت مساندته للجيش السوري في الميدان من القصير الى القلمون الى ريف دمشق تنعكس في السياسة.
لا نريد انهيارك أيها الأسد
أربعة أعوام من الصمود السوري كاد فيها النزاع أن يصل الى الذروة عندما لوّحت واشنطن صيف 2013 بتوجيه ضربة عسكرية الى سورية رداً على ما اسمته "الهجوم الكيميائي في الغوطة الشرقية”. وقتها، تراجع اوباما عن ذلك قائلاً إنه لا داع لذلك في ظل قبول سورية تسليم ترسانتها الكيميائية. كثيرون قرؤوا ذلك جيداً من بينهم "اسرائيل”: سورية وحلفاؤها يخوضون الحرب بقوة، ولا ضمانات لهزيمتهم في حال توسيع ارض المعركة.
عودة الى الحاضر. بداية عام 2015 نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً تذكر فيه أن الولايات المتحدة لم تعد تطالب بسقوط النظام السوري، موضحة أن "الدعم الأمريكي الأخير لمفاوضات السلام السورية التي تجري برعاية الحكومة الروسية، يعكس تخلي واشنطن بهدوء عن مطلبها الطويل الأمد بتنحي الرئيس السوري كشرط لبدء هذه المفاوضات”، وهكذا اعلن ايضا ممثل الامين العام للامم المتحدة ستيفان دي مستورا.
هذا الكلام جاء لاحقاً وبشكل علني على لسان مدير وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية "سي اي ايه” جون برينان الذي أعلن أن بلاده "لا تريد انهيار الحكومة السورية”، عازياً ذلك الى أنها "لا تريد أن تخلي الساحات للجماعات المتطرفة”.
لماذا لم يعد مسموحاً في هذه المرحلة تحديداً اخلاء الساحات، التي لا تزال تشهد استقطاباً لعناصر "داعش” بدعم تركي؟ من المؤكد أن واشنطن وحلفاؤها من الغرب والعرب يدركون ذلك: التوجه الى الأسد بأمر التنحي لم يعد منطقياً، لكن لا بأس من المزيد من الرهان الذي يبرر غض النظر عن تدفق السلاح إلى المتطرفين، اضافة الى افشال خطة المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا القاضية بتجميد القتال في حلب. الميدان لا زال حاضراً، وسورية تسجل المزيد من النقاط لصالحها: الجبهة الجنوبية خير دليل.