معارك الأسرى.. مقاومة مستمرة رغم المعتقل
زهراء جوني
يدخل الأسرى في سجون الاحتلال شهرهم الثاني مع استمرار العصيان ورفض سياسات القمع والتطرف التي بدأها وأعلن عنها من يسمى بوزير الأمن الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير. ومن يرجع إلى تاريخ تحركات الأسرى سابقاً، لا سيما بشأن رفضهم للسياسات القمعية وحرمانهم من حقوقهم وما يتعلق بالاعتقال الإداري، يعرف جيداً أي إرادة يمتلكها هؤلاء الفلسطينيون الذين جرهم الاحتلال إلى الأسر تحت مزاعم وعناويين مختلفة، على رأسها الحق المشروع في مقاومة العدو الإسرائيلي الذي يغتصب أرضهم وحياتهم.
لا تعد قضية الأسرى مسألة عابرة لدى الشعب الفلسطيني، ولا شكّ أنها تركت ولا تزال تأثيرات كبيرة على المشهد الفلسطيني. ولو لم يكن الاحتلال يرى في هؤلاء الأسرى تهديداً حقيقياً لما كانت أعدادهم تتزايد سنوياً بشكل كبير لا سيما في السنوات الأخيرة، إذ تتحدث الأرقام والمعطيات عن وصول أعداد الأسرى داخل سجون الاحتلال إلى ما يقارب الخمسة آلاف أسير في عام واحد فقط. وسبق للإعلام العبري أن تحدث عن تصاعد وتيرة الاعتقالات لا سيما بعد عملية نفق الحرية التي حصلت في سجن جلبوع والتي تركت تداعياتها الكبيرة على الكيان الإسرائيلي لا سيما من الناحية الأمنية. وسبقت هذه الحادثةَ محاولاتُ تحرُّر مشابهة، الأمر الذي يؤكد بلا أدنى شكّ تعدُّد خيارات تحرير الأسرى، وعدم الاستسلام لإرادة الاحتلال بشأن تغييب الأسرى خلف القضبان حتى وفاتهم.
ولا تقل معارك الأمعاء الخاوية أهمية عن كل وسائل الأسرى ومحاولاتهم واجراءاتهم المتكررة على مدى كل السنوات الماضية لإيصال رسائل واضحة للاحتلال بعدم الرضوخ او الاستسلام لحالات القمع والظلم الحاصلة بحق الأسرى على أكثر من مستوى. وتعدّ معارك الإضراب عن الطعام نموذجاً مهماً في الصمود والتحدي لا سيما أن عدداً كبيراً من الأسرى خاضوا أشهراً من الإضراب دون كلل أو تعب وتوّجوا صبرهم بانتصارات عظيمة لا تزال اثارها واضحة حتى الآن.
ربما كان رغيف الخبز محركاً أساسياً لحالة العصيان التي يقوم بها الأسرى اليوم في وجه هذا المحتل، بعد ان تفاجأ وزير التطرف بن غفير بأن الأسرى يأكلون الخبز الطازج في زنازينهم فأراد أن يحرمهم من أبسط حقوقهم. لكن الأكيد أن هذا الرغيف ليس سوى الشرارة التي ستشعل كل السجون ولن تطفأ حالة الغضب بسهولة، لا سيما وأن الإعلام العبري سبق وحذّر من استفزازات بن غفير للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، مشيرًا إلى قوة تأثير الأسرى على الشعب الفلسطيني، وقدرتهم على توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة. وسبق لمسؤولين أمنيين في كيان الاحتلال أن عبروا عن أقوال بن غفير التي ربط فيها بين إطلاق قذائف صاروخية من غزة وبين ظروف الأسرى بأنها كانت "متسرعة"، معتبرين أن أقواله هذه "تعزز قوة الأسرى مقابل الفصائل وتشجع الأسرى على الاستمرار في ممارسة ضغوط من السجون".
إذاً، يدخل الأسرى مرحلة جديدة من مراحل المواجهة مع الاحتلال، قد تكون أكثر دقة بسبب التصريحات والإجراءات المتطرفة والقمعية، لكنها لن تكون مختلفة من حيث النتائج. فقد نجحت تجربة الحركة الأسيرة، عبر تاريخها ولا تزال حتى الآن، في الحصول على مطالبها وعدم السماح بالعبث بحقوق الأسرى واحتياجاتهم الطبيعية، ولم تستطع كل الاجراءات ووسائل التنكيل والقمع أن تَنَال من عزيمة الحركة وكرامتها، كما من إرادة الأسرى وصمودهم. ولعل أبرز إنجازات الحركة حتى الآن يمكن تلخيصها بالقدرة على تنظيم فترات للتواصل الهاتفي بين الأسرى وذويهم من خلال هاتف عمومي، والتخفيف من الازدحام داخل السجون وغرف الاسرى، وتحسين الإنارة والتهوئة، وتحسين مستوى الطعام، وإدخال المذياع للسجون، وغيرها من الإنجازات التي لم تتوان الحركة الأسيرة عن المطالبة بها ورفع الصوت عالياً من أجل تحسين حياة الأسرى داخل سجون الاحتلال.