كرة الثلج في الملعب الخلفي للساحة الدولية
صادق القضماني
تشهد الساحة الدوليّة تغييرات عديدة في العقد الأخير، يلاحظ فيه تنامياً لدور دول عظمى تسعى للحدّ من حالة القطب الواحد والهيّمنة الغربيّة، مما يطرح تساؤلات عدة، متعلقة بالتطور السياسي الحاصل ضمن الظروف والمعطيات الآنية، ولدور الدول المطروحة والعلاقة في ما بين هذه الدول، وهل ما يجمعهم هو فقط استراتيجية بسط نفوذ ومصالح أم أنّ الأمر يفوق ذلك، وهل هنالك حالة من التنسيق بين هذه الدول على الرؤية والاستراتيجيّة أم أنّ كلّ دولة لها حيّثياتها الخاصة والمنفردة لهذه العلاقة. ناهيك عن أسئلة شرعيّة مطروحة حول معطيات المشهد الحاصل الأخير وكونها نتاجاً لتنامي دور هذه الدول العظمى أم أنّ الأمر يتعلق ويتأثر بظروف ومعطيات خاصة بالشعوب ذاتها وتطلعاتها؟
ما نشهده اليوم من تغيّرات جوهريّة في شكل إدارة شؤون الشرق الأوسط من قبل دول عظمى كالصين وروسيا له قيمة خاصة، حيث لا تغيّب مصالح دول المنطقة بشكل عام، بل انّ دورها من صلب مصالح بعض هذه الدول التي ترفع راية العداء لواشنطن وتل أبيب، وتخاطب شعوبها بالمقاومة لتحريرالمنطقة من التواجد الأميركي الغير شرعي والاحتلال الصهيوني لفلسطين والجولان، والسؤال المهمّ لهذا التوجه واضح الأهداف دقيق التخطيط الاستراتيجي للدول التي باتت تجاهر برفض هيّمنة واشنطن والسعي لتشكيل نظام عالمي جديد.، هل هذه الجرأة مبنيّة على مصالح تلك الدول، أو هي نتيجة لنمو محور المقاومة وفشل الربيع العربي المزعوم وعودة القضيّة الفلسطينيّة للواجهة بفعل شعبها ومقاومته؟
هل ثبات سورية ورؤية صورة النصر قاب قوسين أو أدنى، يشكل ركيزة العقل الصيني الروسي في الاطمئنان بأنّ المنطقة فيها قوى ثابتة لا يمكن إلغاؤها، بل قادرة على تغيير شكل المنطقة عسكرياً، حين يتطلب الأمر؟
لا يمكننا تجاهل قرن من النضال خاضته قوى التحرر الوطني في بلادنا، خاصة القوى الفلسطينيّة، لكن يجوز لنا اعتماد مجريات الأحداث خلال السنوات الثلاثين الماضية كأساس لزرع ذهنية جدوى المقاومة العسكرية، بعد اندحار جيش الاحتلال من الجنوب اللبناني واندلاع انتفاضة الأقصى التي نزعت عن قادة الكيان قناع السلام لتنكشف مخططات تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة وحقوق شعبها، كما لحرب تموز عام 2006 والتي حققت توازن الرعب وأعطت مقولة «انّ إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت» حافزاً لدى الشعوب يستند على إنجاز عسكري أسّس لتغيّرات جوهرية في رؤية تلك الدول لمستقبل المنطقة، وكأنّ التغيّرات ستتحقق بغير صالح واشنطن وتل أبيب حتى لو تُرك المحور وحيداً.
انّ مؤامرة الربيع العربي الذي رفع شعارات حقوق الإنسان والحرية الديمقراطية خططت بعناية من قبل دول الاستكبار ليس للسيطرة على دول المنطقة وتقسيمها فقط بل لوأد ذهنية الجدوى من المقاومة المدعومة من دول أحزاب قادرة، فالعقل الاستخباراتي المعادي، بالتحليل قرأ انّ غالبية الجيل الشاب في الأمة العربية بات يرى في المقاومة والممانعة نموذجاً لتحقيق تغيّرات في دولهم تحت مبدأ انّ الازدهار والتطور يأتي من استئصال أسباب منعها المتمثل بالاحتلال الصهيوني لفلسطين وأراض عربية ومن ثم كنتيجة تحقيق السيادة التي تعتبر ركيزة لبناء دول تحترم مواطنيها وتبحث عن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بعمق وطني.
مؤامرة الربيع العربي كانت لقتل القوة الكامنة المحقة لدى شعوبنا العربية والإسلامية، فربحوا معركة التدمير وخسروا معركة كيّ الوعي وتشتيت الذهنية التي تبحث عن كرامة الوجود ومستقبل كريم.
الوعي ككرة ثلج تتراكم وتكبر بأدوات حتى الآن اقلّ قوة من قدرات أعداء الأمة والشعوب، لكنها تتعزز يوماً بعد يوم من خلال نضال شعبنا الفلسطيني ومقاومته العظيمة، وتنامي قوة محور المقاومة في كافة المناحي، بل تنامي القدرات ليكون شريكا حاضرا في معادلات المنطقة الاستراتيجية.
انّ فشل الربيع العربي في نتائجة الاستراتيجية، أفقد واشنطن والكيان السيطرة على تنفيذ مخططاتهم بلا مواجهة، مما استدعى فتح جبهات أخرى كالحرب بين روسيا والنازيين الجدد في أوكرانيا وعمّق الفجوة أمام دبلوماسية الحوار، موضحاً انّ أزمتهم في تحقيق نتائج لصالح مخططاتهم أجبرت واشنطن بتوتير العلاقة مع الصين من خلال تايوان وملفها وأعطى فرصة لكافة قوى التحرر في العالم دعم استراتيجية إنهاء عالم القطب الواحد لمتعدّد الأقطاب حتى وضعت مخططات الدول بالعلن وباتت تسعى لتحقيق إنجازات في هذا الشأن، والشرق الأوسط الملف الأساسي لكلّ ما يجري، فالتحكم والسيطرة عليه هو الضامن الوحيد لانتصار صراع الاقطاب.
هل الشرق الأوسط لاعب أو ملعب؟
مما لا شك فيه انّ كلّ ما سلطنا الضوء عليه يؤكد انّ أزمة واشنطن وتل أبيب، وأساس الجرأة لبكين وموسكو، أنّ «الشرق الأوسط» بات لاعباً اساسياً يستطيع اختيار مصالحه، فسورية الصامدة وإيران الثابتة وحزب الله وفصائل المقاومة ونتائج العدوان على اليمن المخيّب لآمال قوى الاستعمار، عمود خيمة هذا التغيير التاريخي، فلولا ثباتهم وقدراتهم والمخزون الوطني لدى شعوبهم لما رأينا بلادنا إلا ملعباً لصراع جديد بين الأقطاب.
انّ تراكم كرة الثلج بدأت في فلسطين والمقاومة ولن تتوقف إلا بتحرير فلسطين على أيادي المقاومة.