أوكرانيا تطلب القنابل العنقودية المحرّمة دوليا.. والغرب يشرعنها ضد روسيا
د. علي دربج
تتجه المواجهة الروسية ــ الاطلسية في اوكرانيا، الى الخروج عن مسارها التقليدي المتعلق بنوعية الاسلحة المستخدمة في المعارك، مع توسل كييف للغرب ــــ وقبول امريكي متوقع ـــ لتزويدها بذخائر محرّمة دوليا، في انتهاك واضح وصريح للقوانين والقواعد والمعاهدات الدولية التي تحظر جميعها، اللجوء واستخدام هذه الانواع من الاسلحة، كونها تشكل خطرا مميتا على حياة المدنيين على وجه الخصوص.
فمع قيام روسيا بحشد مئات الآلاف من قواتها، وفي ظل التفوق الكبير الذي تتمتع به موسكو على مستوى العتاد والمعدات، يعي القادة الأوكران جيدًا أن الوقت ليس في صالحهم، ويتوقعون ان يبدأ الكرملين هجومه جديد في أي لحظة، من هنا وجدوا ان السبيل الوحيد لوقف تقدم الروسي هو مواجهته بالقنابل العنقودية الغربية المنشأ، رغم معرفتهم بعدم قانونية هذه الخطوة وتداعياتها المستقبلية.
ما سبب الاصرار الأوكراني على استخدام القنابل العنقودية؟
غني عن التعريف ان الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين، اقدموا على مدّ أوكرانيا بأسلحة بمليارات الدولارات، لكنهم في الواقع ما زالوا (لغاية الان) يرفضون طلبات كييف للحصول على طائرات وصواريخ بعيدة المدى. زد على ذلك، حتى لو وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن على قرار ارسال طائرات حربية، الى القوات الاوكرانية اليوم، فسوف يستغرق الأمر عدة أشهر لإدخالهم في ساحة القتال.
من جهة ثانية، صحيح ان الدبابات الغربية من طراز "ليوبارد" وغيرها تسلك طريقها حاليا الى اوكرانيا، لكن بضع عشرات منها فقط، ستصل إلى ميدان المعركة في الوقت المناسب. وما زاد الطين بُلة، ان القوات الأوكرانية تستهلك ذخائر (خصوصا قذائف المدفعية الثقيلة حُكي عن 40000 الف قذيفة باليوم بحسب المصادر الأطلسية) بشكل أسرع مما يمكن للدول الغربية إنتاج بدائل لها في المدى القريب.
وبناء على ذلك، ارتأت القيادة العسكرية والسياسية الاوكرانية، ان هناك سلاح يمكنه فعل الكثير لمساعدة كييف في درء الهجمات المستقبلية، ويمكن توفيره بكميات كبيرة في وقت قصير، الا وهو: الذخائر العنقودية.
اللافت انه، وبالرغم من معرفة كييف ان منحهم هذه القنابل المحرمة، خطوة مثيرة للجدل تنطوي على مخاطر حقيقية ستصيب مواطنيها اولا، لكنها بررت الامرـــ وفقا لما اسرّه العديد من المسؤولين في كييف نظرائهم الأمريكيين والأوروبيين الشهر الماضي في مؤتمر ميونيخ للأمن ــ بانه هذا قد يكون الحل الوحيد لإنقاذ المزيد من المدن الأوكرانية، ومنعها من الوقوع تحت السيطرة الروسية.
أوكرانيا تطلب القنابل العنقودية المحرّمة دوليا.. والغرب يشرعنها ضد روسيا
ما موقف الدول الاوروبية وجماعات حقوق الإنسان من توجه أوكرانيا لاستعمال القنابل العنقودية؟
في الحقيقة، أثارت الطلبات الأوكرانية انزعاجًا (اعلاميا فقط) كبيرًا بين بعض حلفاء أوكرانيا، ما لبث ان اختفى لاحقا. كما ان جماعات حقوق الإنسان، تشير الى خطورة الذخائر العنقودية، وتبدي قلقها من استعمالها، ولا ينبغي الاستخفاف بنشرها. اما الاهم، ان النقاد الغربيون، يرون أيضًا بأن توفير هذه الذخائر، سيقوض السلطة الأخلاقية للغرب الذي كان اتهم روسيا باستخدام هذه الأسلحة نفسها، في ازداوجية معايير فاضحة.
تعرف القنابل العنقودية، باسم "قنابل داخل قنابل"، عبر اطلاقها من الطائرات أو رميها بقذائف الهاون. وعليه، عندما يسقط هذا النوع من القنابل على الأرض أو في الهواء، تتناثر من (القنبلة الام) قنابل صغيرة بصورة عشوائية على مساحة واسعة، لا تنفجر أحيانًا اثناء اصطدامها بالارض، بل تبقى في ساحات المعارك، كمواد قاتلة لفترة طويلة بعد انتهاء القتال.
ومع ذلك، تصرّ أوكرانيا على الحصول على الذخائر العنقودية، وهي تلتمس الاعذار لنفسها، من خلال التشديد على الحاجة لها (في محاولة لتبرئة موقفها امام المنظمات الحقوقية) تارة بالإشارة الى ان هذه الأسلحة لن تستخدم إلا ضد القوات والدبابات الروسية، او أن المناطق في شرق أوكرانيا التي سيتم استهدافها أصبحت بالفعل خالية من السكان إلى حد كبير، وطورا عبر القول إنها أراضيهم، والتي سيتعين عليهم تنظيفها بعد الحرب على أي حال إذا عاشوا كل هذه المدة.
الجدير بالذكر ان هناك أكثر من 100 دولة، وقعت على اتفاقية الذخائر العنقودية، التي تحظر تخزينها أو استخدامها، فيما رفضت كل من أوكرانيا والولايات المتحدة، التصديق على تلك الاتفاقية (على الرغم من تعهد الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالالتزام بها).
ماذا عن الموقف الامريكي والاوروبي، وهل سيتم تزويد اوكرانيا بهذا الذخائر؟
في الحقيقة، هناك العديد من أنواع الذخائر العنقودية، ولكن النوع الأكثر شيوعًا هو الذخيرة التقليدية المحسنة ثنائية الغرض من طزاز (DPICM). علاوة على ذلك، تُعد الولايات المتحدة من الدول المصنعة لهذه القنابل، إذ لدى وزارة الحرب الامريكية ما يقرب من 3 ملايين طلقة ذخيرة ذاتية التحفيز من الذخائر الدقيقة المحسّنة، التي تعود لحقبة الحرب الباردة في مخزونها، وكثير منها مخزّن في أوروبا.
وعلى خط مواز، هناك معلومات تتحدث عن قيام تركيا بتزويد كييف بالفعل بذخائر عنقودية، فيما حكومتها تنفي ذلك رسميًا. بالمقابل لا تعارض الدول الأوروبية هذه الخطوة، حيث تريد إرسال ذخائر عنقودية إلى أوكرانيا، لكنها تنتظر إذنًا من مورديها في واشنطن أو برلين.
وليس بعيدا عن ذلك، يدعم العديد من مسؤولي الدفاع والمشرعين الأمريكيين فكرة تصدير الذخائر العنقودية إلى أوكرانيا، الأمر الذي يتطلب من بايدن إصدار تنازل جديد عن قانون التصدير الذي يحظر عمليات النقل هذه، لا سيما ان البيت الابيض لديه "مخاوف" بشأن الأسلحة لكنها لم يستبعدها.
في المحصلة، لا ينفصل التوجه الغربي ــ الاطلسي لاعطاء اوكرانيا قنابل عنقودية، عن حفلات النفاق التي لطالما اجاد القيام بها، لان الغرب يدرك ان ارواح المدنيين على المحك، وبالتالي سيكونون ضحيتها الاولى، ومع ذلك لا يمانع تسليم هذه الذخائر لاوكرانيا.