لا بدّ من سورية وإنْ طالت القطيعة!
د. عدنان منصور
كان لا بدّ من مخرج وفرصة مناسبة لبعض الدول العربية، كي تفتح صفحة جديدة مع سورية، وتمدّ الجسور إليها، وتتراجع عن خطيئة ارتكبتها بحقها، بعد قطيعة دول الجامعة العربية لها، من خلال قرار خاطئ في الشكل والأساس، اتخذه وزراء الخارجية العرب يوم 2 تشرين الأول 2011 باسم بلدانهم، والذي كان عرّابه ومحركه، عدة صقور داخل الجامعة العربية، فارضين قرارهم على الدول الأعضاء، وإنْ كان عدد من الدول العربية التي التزمت الصمت، لم تتقبّل في قرارة نفسها هذا النوع من القرارات التعسّفية غير المسبوقة، والمجهّزة سلفاً، والتي تطرح علامات استفهام كثيرة. علماً أنّ لبنان كان البلد العربي الوحيد الذي رفض واعترض على القرار الظالم بكلّ مندرجاته، والذي أريدَ منه تطويق سورية، وفرض العقوبات عليها، وتعليق عضويتها، وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، والعمل على دعم المعارضة السورية المسلحة بكلّ ما تحتاجه للإطاحة بالنظام وإسقاطه.
لقد سبقة قرار تعليق عضوية سورية، أن عقدت الجامعة العربية بين 27/8/2011 و 2/11/2011، أيّ خلال شهرين وخمسة أيام، خمسة اجتماعات لوزراء الخارجية العرب، تتعلق بالأزمة السورية، وذلك للتسريع في اتخاذ قرار تعليق العضوية. مع العلم انّ أربعة اجتماعات وزارية من أصل خمسة، كانت اجتماعات طارئة غير عادية. كما ان اللجنة الوزارية العربية المعنية بالأزمة السورية بدورها، عقدت خمسة اجتماعات من 27 تشرين الأول 2011 حتى 12 تشرين الثاني لإعداد مشروع القرار!
سنوات عجاف مرّت على المنطقة بعد أن عبثت فيها الفصائل الإرهابية من كلّ مكان، مستفيدة من دعم بعض دول الجامعة لها، والوقوف الى جانبها.
لقد أدّت القطيعة مع دمشق، الى تراجع دور الجامعة العربية، ما جعل دورها باهتاً، بعد شغور مقعد سورية. لم لا وموقع الشآم، قلب المشرق النابض، ودورها العربي الريادي كان على الدوام متميّزاً داخل جامعتها، حيال أيّ عمل عربي مشترك.
سنوات الإرهاب التي شهدتها دول عربية في المشرق، وعلى رأسها سورية والعراق ولبنان، كشفت بوضوح المواقف، والاصطفافات، والتدخلات السافرة من قبل البعض في شؤون دول عربية، ما أسفر عن تأجيج الخلافات، وإثارة الأحقاد وتعميقها بين الأشقاء العرب.
لعلّ الزلزال المدمّر الذي عصف بسورية، والمآسي التي نجمت عنه، يفتحان الباب أمام الأشقاء العرب، ويحرّكان نخوتهم، ويغفران خطايا البعض منهم تجاهها. علّ العرب يعيدون النظر في مواقفهم وحساباتهم الخاطئة، ضدّ سورية، والإقرار بالخطيئة التي ارتكبوها بحقها وبحق شعبها.
سورية وقفت على الدوام إلى جانب أشقائها، ولم تتخلّ يوماً عنهم، وتاريخها الحي شاهد على ذلك. لقد فتحت أبوابها لكلّ عربي، منطلقة من مبادئها القومية، وانتمائها الأصيل الى أمتها، متفاعلة مع قضايا شعوبها المصيرية، ومدافعة عنها.
حقيقة لا يمكن تجاهلها وهي أنّ العرب يقوون بسورية، وتقوى سورية بهم، دونها يضعفون، ويتعثرون ما تجتازه سورية اليوم من محن، يضع كلّ العرب أمام مسؤوليتهم التاريخية والقومية والإنسانية، كما يضع جامعتهم على المحكّ وأمام اختبار كبير. فهم أحوج ما يكونون الى وحدة الصف والهدف، في وقت حسّاس، يشهد فيه العالم تطوّرات سياسية دولية، ومتغيّرات، وأحداث ساخنة متسارعة، ستؤدّي الى رسم خريطة جديدة للعالم، من أجل صياغة عالم جديد متعدّد الأقطاب والتكتلات، والتوجهات. لذلك يحتّم على الجامعة العربية، لا سيما على دولها الفاعلة المؤثرة، أن تؤدّي دورها المطلوب، وتأخذ مكانها بين الأمم، بما يصون القرار العربي المستقلّ، ومكانتها الدولية التي تليق بها، بدلاً من أن يكون موقف دولها مفككاً، مشرذماً، تتقاذفه أطماع ومصالح الدول الكبرى، التي سيطرت وتحكمت على مدى عقود طويلة بالقرار العربي، وأبعدت دولاً داخل الجامعة العربية، عن القيام بما يجب أن تقوم به، ودفعها الى التخلي عن قضاياها، الرئيسة، لا سيما القضية الفلسطينية التي رفعت الجامعة العربية لواءها منذ تأسيسها عام 1945.
قد يكون زلزال سورية، بشرى أمل لموقف عربيّ موحّد، وبداية طريق للمّ شمل العرب من جديد، وإزالة الخلافات نهائياً في ما بينهم، وإنْ كان ذلك مستحيلاً نظراً للتجارب الماضية. على الأقلّ أن يكون الوئام بينهم هو القاعدة، والخلافات هي الاستثناء، بدلاً من أن تكون الخلافات هي القاعدة، والتوافق هو الاستثناء.
إنّ ابتعاد الدول العربية عن بعضها البعض، لا سيما في المنطقة المشرقية المحيطة بالكيان «الإسرائيلي» المحتلّ، يخدم مصالح قوى الهيمنة في المنطقة ويقوّي نفوذها. لذلك، ليس من صالح الغرب، و»إسرائيل» ان تتقرّب الدول العربية في ما بينها، وتطوي خلافاتها، لأنّ ذلك سيقوّيها، ويعزز من وحدتها، ويحرر إرادتها، ويجعلها تنطلق بكلّ قواها، من أجل تحقيق نهضة عربية شاملة، بعيداً عن تدخلات الخارج وضغوطه وأطماعه.
هل يُعقل أن تستمرّ دول الجامعة في دورها وأدائها المتواضع على الصعيد الدولي، فيما عالم جديد يتشكل، ويشقّ طريقه من خلال تكتلات اقتصادية وعسكرية وأمنية كبرى؟
فلتكن سورية مفتاح الحلّ للخلافات العربية ـ العربية، ولتكن دمشق محطة انطلاق لعمل عربي مشترك على كلّ الصعد، بها ومعها، يستطيع العالم العربي وجامعته، أن يغيّروا الانطباع السلبي للعالم عنهم، ليثبتوا فعلاً أنهم قادرون على الإطلالة عليه بوجه جديد، مغاير كلياً للوجه الذي عرفه عنهم على مدى 78 عاماً.
كثيرة هي الخطابات التي ألقيت، والقرارات التي اتخذت، والوعود التي أطلقت، والتي انتهت بالعجز والفشل، دون ترجمتها الى أفعال.
فهل تكون سورية بأرقة أمل لعمل عربي مشترك يصبّ في خدمة شعوب الامة؟! أم أنّ التقارب العربي محكوم عليه بالموت السريري الذي تريده لنا قوى الهيمنة والاستغلال، التي لم تتخلّ يوماً عن سياساتها المستبدّة تجاه دولنا وشعوبنا! هذه القوى وقفت على الدوام بالمرصاد، بغية إجهاض أيّ تقارب محتمل قد يحصل بين بلداننا العربية، وتعطيل أيّ مشروع عمل عربي مشترك يضمن لدول الجامعة حرية تحركها، واستقلالية
قرارها ووحدتها، ويحقق لها التقدّم، والتنمية، والتكامل بكلّ أبعاده السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والأمنية، والعلمية.
فهل يخطو العرب الذين يتوجّهون اليوم الى سورية خطوتهم الشجاعة، أم أنّ زيارتهم لها، لا تخرج عن إطار المجاملة الإنسانية، والإعراب عن مؤاساتهم لها في ظلّ ظرف إنساني كارثي، استثنائي، يصعب عليهم تجاهله أمام شعوبهم ودول العالم؟
دولة عربية واحدة، الأكثر فعالية وتأثيراً داخل الجامعة، يعلق عليها الأمل. إذ بيدها القرار لسحب الفيتو الذي يحول دون عودة الجامعة الى سورية. دونها يبقى كلّ شيء معلقاً حتى إشعار آخر. فمتى أرادت هذا الدولة رفع الفيتو، سيستجيب لها الآخرون، ولن يعترضوا، مثل ما استجابوا لها عندما اتخذ قرار تعليق عضوية سورية، وفرض العقوبات عليها عام 2011.
إنه فيتو المال الذي فرض نفسه، وهو الأقوى والأفعل حتى إشعار آخر.
هل اقترب موعد رفع الفيتو عن عودة الجامعة العربية الى سورية، وليس عودة سورية الى جامعتها؟! أم أنّ الولايات المتحدة وما لديها من نفوذ قويّ على بعض العرب، ستحرص على أن يبقى الفيتو ساري المفعول، ويمنع بالتالي أيّ تقارب وتواصل جدي ملموس مع سورية، يطيح بمعادلات كثيرة في المنطقة والعالم العربي، لا تصبّ في صالح القوى الغربية، وبالذات مصالح واشنطن و»إسرائيل» في المنطقة؟!
فهل يتخذ البلد العربي الأغنى والأقوى والأفعل هذا القرار؟!