لولا الإمام الخميني … لسقط العالم العربي
القسم الاول
أحمد الشرقاوي
كثيرون يتساءلون باستغراب.. يقولون، إذا كانت إيران تدعم مكونات محور المقاومة المستهدفة في وجودها ومصيرها من قبل أمريكا و”إسرائيل” وحلفائهما في الغرب وأدواتهما في المنطقة، فلماذا لا تبعث بفرق من الحرس الثوري وكتائب من قوات التعبئة "الباسيج” لتطهير العراق وسورية من المجاميع الإرهابية التي تعثوا في العباد قتلا واغتصابا وفي الأرض فساد وخرابا، فتقطع دابر هذا الشر المستطير الذي يتكاثر كالجرذان في المجارير وينتشر كالطاعون في جسد الأمة؟..
شخصيا، كنت أعتقد أن للأمر علاقة بهاجس الصدام بين "السنة و الشيعة” لحساسية العامل المذهبي الذي أريد له أن يكون الصاعق المفجر للعالم العربي والإسلامي، بالرغم من أن الإرهاب لا دين ولا مذهب ولا وطن له، وهذه قضية لها تأثيرها الخطير دون شك بسبب الجهل المستشري في عقول الناس البسطاء، خصوصا إذا لاحظنا طريقة تعاطي حزب الله مع هذا المستجد المستورد من ثقافة القبور، لكنني أدركت مؤخرا حقيقة الموقف الإيراني من هذه المسألة، والذي ينسجم بشكل منطقي مع موقف تاريخي حدث أيام قائد الثورة الإيرانية الإمام الخميني رحمه الله..
ولأن العظماء لا يموتون، بل فقط يرحلون بعد أن يتركوا أفكارهم تنمو في تربة الأمة كبذور خير تزهر انتصارات إلهية مدهشة بدماء الشهداء، فإليكم ما حدث..
يكشف خبير إستراتيجي إيراني، ولأول مرة خلال حديث خص به برنامج "بين قوسين” هذا الأسبوع، الذي تديره الإعلامية المقتدرة الأخت ‘بتول أيوب’ على قناة ‘المنار’، فيقول ما مفاده، أنه حين اجتاحت "إسرائيل” لبنان سنة 1982، هرعت قيادات من الحرس الثوري للقاء الإمام الخميني (رحمه الله)، وطلبوا منه الإذن لإرسال فرق عسكرية لتحرير لبنان من الإحتلال.. ابتسم الرجل، وبهدوئه المعهود سألهم: وماذا بعد التحرير؟.. لمن ستسلم الأرض؟.. قالوا: للبنانيين أصحابها.. قال: وهل يستطيع الحفاظ علي الأرض من لم يدفع ضريبة الدم ثمنا لتحريرها؟..
ثم أوضح.. إن مشكلة لبنان لا تكمن في الإحتلال، بل في غياب ثقافة المقاومة التي تعني حق الدفاع عن النفس من منطلق الواجب الديني الجهادي، ومن لا يؤمن بهذه الثقافة لا يستحق الحياة بحرية والعيش بكرامة..
فهمت القيادات العسكرية ما عليها القيام به، فبعثت بمستشارين إلى لبنان لتأسيس نواة ما سيصبح في بضع سنين أسطورة المقاومة في المنطقة، إنه ‘حزب الله’ الجبار، قاهر الصهاينة والتكفيريين سواء، ومحرر الإنسان العربي من عقدة الهزيمة المزمنة التي سكنته..
وبقية القصة معروفة للجميع، حيث سار على نهجه الإمام الخامنئي الذي قدم التضحيات الجسام في سبيل أن تسود ثقافة المقاومة وتتحول إلى روح إيجابية محركة لهمة الأمة، وفهم الشرفاء أن المقاومة هي ثقافة حياة، تزهر ربيعا عبقا بالانتصارات، وتنير طريق العزة وسبيل الخلاص..
تحرر لبنان سنة 2000، وهزمت إسرائيل شر هزيمة سنة 2006، وفشل مشروع إسقاط سورية، وتم استنساخ نموذج المقاومة الإسلامية في غزة والعراق وسورية واليمن… في ما أصبح يشكل الأرضية الخصبة الصالحة لقيامة أمة إسلامية موحدة، قوية، عزيزة، كريمة، حرة وسيدة.. أمة الشعوب صانعة التاريخ كما أرادها الرسول الأعظم (صلعم) أن تكون، لا أمة النعاج المدجنة في مزارع الحكام..
وبتحول حزب الله إلى قوة يحسب لها الإسرائيلي ألف حساب وحساب، فهم الأعداء أن مشروع الأمة لم يعد مجرد شعار يتاجر به الحكام في سوق المزايدة السياسوية، بل حقيقة تتجسد على الأرض من قبل قوى شعبية مؤمنة بالجهاد والفداء، ما يستوجب القضاء عليها قبل فوات الأوان، فأعلنوا الحرب الكونية على المقاومة..
لكنهم لم يجدوا من سلاح لمواجهتها غير سلاح الإرهاب، ليكون الصراع بالوكالة من داخل الحضارة الإسلامية نفسها، حتى لا يتطور إلى صراع بين الحضارات، ويفهم على أنه صدام الغرب مع الإسلام، فأسسوا بمساعدة أعراب الخليج "داعش” وأخواتها لهزيمة حزب الله، وفق ما كشفه الأمين العام الأسبق للحلف الأطلسي ‘ويسلي كلارك’ لقناة (سي إن إن) الأسبوع الماضي..
ركزوا بخبث ودهاء على إسقاط سورية، لأن سقوط دمشق يعني كسر الحلقة المركزية في محور المقاومة، وذلك لعزل إيران عن عمقها العربي وحرمان حزب الله من عمقه الإستراتيجي.. ولأن دمشق قلب العروبة، وآخر عاصمة ممانعة ومقاومة للهيمنة الأمريكية والوجود الإسرائيلي، فسقوطها سيستتبعه حتما سقوط العراق ولبنان ومصر والجزائر بعد أن سقطت ليبيا بسبب غياب المقاومة الشعبية، ثم بقية الدول العربية الواحدة تلو الأخرى كأحجار الدومينو، ليصبح المشهد غير المشهد، فنعود للعيش زمن الممالك في الأندلس..
وبهذا المعنى، يكون الإمام الخميني رحمه الله بحكمته وتبصره وبعد نظره، أسس لثقافة المقاومة الإسلامية في المنطقة، وحمى بذلك العالم العربي من السقوط والانقراض، فهزم من قبره مشروع الشرق الأوسط الجديد كما أرادته "إسرائيل” أن يكون في أكثر من محطة ومناسبة.
صحيح أن المشروع الصهيو – أمريكي لم يسقط بعد برغم الهزائم التي لحقت به، وهو في كل مرة يعتمد إستراتيجيات جديدة وخطط عديدة في محاولة لبعث الروح فيه، وهناك إصرار على سلوك نفس النهج الذي بدأ أول مرة بالرغم من أنه أوصل الإدارة الأمريكية إلى طريق مسدود، ومع ذلك، ها هي تحاول مرة تلو أخرى، وبأساليب مضللة حينا ومراوغة أحيانا أخرى، وهي تعتقد في كل مرة أنها ستصل إلى نتيجة مغايرة، وهذا لعمري هو قمة الغباء..
كيف ذلك؟..
بعض الكلمات سامة..
فعلى مستوى كي الوعي، يصر الإعلام الخليجي هذه الأيام من خلال أقلام من يصنفون أنفسهم في خانة "باحثين أكاديميين”، وليس لهم من البحث العلمي الأكاديمي إلا التسمية، لافتقارهم للعقلانية والمنهجية والموضوعية والحياد، على الخلط بين المقاومة والإرهاب تحت مسمى "الميليشيات” المسلحة، وهو الأمر الذي يدخل في صلب إستراتيجية إعلامية داعمة ومكملة للإستراتيجية الأمنية والعسكرية الصهيو – أمريكية التي تستهدف تفكيك محور المقاومة.
وحيث أن "ميليش” هو مصطلح لاتيني أنجلوسكسوني في الأصل، ومصدره كلمة (miles) التي تعني "المقاتل غير النظامي”، وتمت ترجمتها إلى العربية حرفيا، ومنها كلمة "ميليشيا” (militia) التي تعني تنظيم مسلح من غير القوات النظامية التي تستعين بها الدول لمساعدة الجيوش في مواجهتها للعدوان الخارجي أو الاضطرابات الداخلية التي تستهدف نظام الدولة وأمن وسلامة المجتمع.. إلا أن تداولها من قبل إعلام الزيت حولها عن معناها الأصلي وأضفى عليها مفهوما سلبيا يحيل على الجماعات المسلحة المتمردة على النظام أوالمناهضة للدولة أو المنفلتة من كل عقال.
وبفضل هذا التحوير الخبيث للمفهوم، انتفى الفرق بين المليشيات الإرهابية وحركات المقاومة الشعبية في الوعي العام السادج حتى لا نقول الغبي لدى شرائح واسعة من المجتمعات العربية التي اعتادت العيش في ذل وإهانة عظيمة، وتصدق ما يقوله لها فقهاء السلاطين وزعماء القبائل، هذا علما أن الغرب لم يستعمل مصطلح "مليشيا” لوصف المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي مثلا، كما أن حكومة المملكة المتحدة كانت تصف الحركة الإرلندية المسلحة المناهضة لها والمطالبة بالاستقلال بـ”الجيش الجمهوري الإرلندي”..
كما ونلاحظ في ذات السياق، أن الدستور الأمريكي، نص في التعديل الثاني وجوب إنشاء "ميليشيات” منظمة تنظيما جيدا باعتبارها ضرورة لأمن الدولة الحرة، وتم تحويلها سنة 1916 إلى "حرس وطني”، وهو ذات المشروع الذي تريد إقامته إدارة أوباما في العراق، حيث صادقت الحكومة على مشروع تأسيس "الحرس الوطني” من مقاتلي المناطق، ولما يصادق البرلمان بعد على قانون إنشائها لأسباب طائفية ومخاوف سياسية قائمة، في حين تطالب بعض المكونات بأن يتم إنشاء "حرس ثوري” على غرار النموذج الإسلامي الإيراني الناجح بدل النموذج الغربي الأمريكي، بسبب اختلاف العقيدة القتالية بين النموذجين، خصوصا بعد انهيار الجيش العراقي الذي شكلت عقيدته القتالية أمريكا أمام "داعش”، ومرد هذا التضارب في الرؤى بين القوى السياسية المختلفة، يعود بالأساس لكون العراق لم يعد دولة مواطنين بعد أن حولته أمريكا وأدواتها إلى دولة طوائف تمهيدا لتقسيمه.
وفي سويسرا بلد الكانتونات، توجد اليوم "مليشيات” مسلحة تابعة للجيش النظامي الوطني، مدربة ومؤهلة للتدخل كلما دعت الحاجة إليها، لكنها ميليشيات وطنية لا تحمل إديولوجيا قومية مناطقية أو دينية قد تشجع حامليها على الانفصال والاستدارة ضد الدولة، وهذا وضع خاص بالعالم الغربي لا ينطبق على الوضع السوسيوثقافي في عالمنا العربي والإسلامي.
بيــــــن منطقيــــــن..
وعلى ضوء هذا التوضيح بالنسبة للمفهوم، يحق لنا التساؤل اليوم: – هل كانت الأمم المتحدة ستحرر لبنان من الاحتلال الإسرائيلي سنة 1982 لولا مقاومة حزب الله التي انتهت بتحرير الأرض والإنسان سنة 2000، والانتصار الكبير الذي حققه الحزب في حرب الوجود والمصير على أكبر جيش لا يقهر في المنطقة سنة 2006، ونجاح الحزب اليوم في فرض معادلة الرعب بديلا عن معادلة الردع؟.. وبالمختصر المفيد، هل كان سيكون اليوم في المنطقة بلد اسمه لبنان لولا المقاومة؟..
– ولولا المقاومة الإسلامية الشريفة في العراق أيضا، هل كانت الولايات المتحدة ستخرج مهزومة تجر أذيال الخيبة من العراق سنة 2011 بعد احتلاله سنة 2003 وإسقاط دولته وتدمير مؤسساته وتفكيك جيشه وشرذمة مجتمعه وتقسيمه إلى طوائف ومذاهب؟.. ولولا نفس المقاومة، هل كان من الممكن إنقاذ العراق اليوم مما خطط له الأمريكي وأدواته بسلاح "داعش” التي دمرت القيم والتاريخ والحضارة والإنسان؟.. هل كان سيظل في جغرافية العالم العربي كيان اسمه العراق لولا المقاومة؟..
ونفس الأمر يقال بالنسبة لسورية التي، وبرغم حكمة قيادتها، وصبر شعبها، وتضحيات جيشها العربي الأبي، ما كان لتبقى سورية كما عرفناها لولا دعم المقاومة الشريفة للجيش في مواجهته لأكبر حرب كونية شنت ضد هذا البلد المقاوم والممانع لإنهاء وجوده وشطب اسمه من جغرافية المنطقة.