عملية خيري علقم زلزال ضرب «إسرائيل» وكشف حقائق هامة
العميد د. أمين محمد حطيط
عندما شكّل نتنياهو حكومته إثر الانتخابات الإسرائيلية الخامسة التي جرت في غضون سنتين وصفت تلك الحكومة بأنها الأكثر تطرفاً في تاريخ حكومات الكيان الصهيوني، خاصة أنّ أعضاءها يتبارون لفظاً وسلوكاً وأعمالاً لإيجاد وتنفيذ خطط تصفية القضية الفلسطينية والنيل من الفلسطينيين في وجودهم وأمنهم ومعيشتهم دون أن يُفسحوا بالمجال لتحقيق أيّ مقدار من حقوقهم، ومعظم الوزراء يتنافسون في ممارسة الوحشية والإجرام واغتصاب حقوق الفلسطينيين من غير وازع او رادع ذاتي او داخلي او إقليمي او دولي. فحكومة نتنياهو الحالية هي عصابة من اليمين المتطرف ومن المتوحّشين الذين لا يقيمون وزناً لحق او كرامة إنسانية.
لقد كان واضحاً منذ اليوم الأول لتشكيل تلك الحكومة انّ هذه الأخيرة اعتمدت «استراتيجية الرعب والقوة المفرطة» لحمل الفلسطينيين على الاستسلام دون أن ينالوا شيئاً من الفتات الذي وُعدوا به في اتفاقات أوسلو، وظنّت تلك الحكومة انّ الإفراط بالعنف والقتل والهدم سيحقق لـ «إسرائيل» ومن غير مقابل، الأمن الذي تدّعي أنه هدفها الاستراتيجي الأول نظراً لارتباطه الفاعل بوجودها واستقرارها واستمرارها.
لكن هذه الحكومة غفلت عن حقيقة كان يجب أن تتنبّه لها، وهي أنّ الشعب الفلسطيني الذي لم تنسِه العقود الثمانية المنصرمة، قضيته ولم يتنازل عن حقوقه رغم كلّ الضغوط، هو اليوم أشدّ تمسكاً بهذه الحقوق وأصلب إرادة وأمضى عزيمة على التصدي والمواجهة. وانّ «صفقة القرن» التي خطها ترامب ودخل فيها بعض العرب لتصفية القضية فشلت في تحقيق المبتغى بعد أن ووجهت بالرفض الفلسطيني المحتضن من قبل محور إقليمي قوي هو محور المقاومة الذي أفشل معظم خطط الصهاينة وأميركا معهم. لذلك كان منطقياً القول إنّ مزيداً من التطرف وممارسة الجرائم بحق الفلسطينيين لن يؤدّي الى الاستسلام بل على العكس تماماً سيؤدّي الى انفجار شعبي مقاوم يجهض آمال المتطرفين ويردّ على جرائمهم بما تستوجب.
وعلى المقلب الصهيوني اليهودي ظهر من الصهاينة من يرفض هذه الحكومة واستراتيجيتها بسبب خشية هؤلاء من ان تتسبّب هذه الحكومة باستفزاز الفلسطينيين ودفعهم لإعادة تزخيم المقاومة وإطلاق انتفاضة ثالثة تتقدّم في أساليبها ومفاعيلها على ما حصل في الانتفاضتين السابقتين، ولذلك خرجت المظاهرات الرافضة لحكومة نتنياهو في أكثر من مكان في فلسطين المحتلة تدعو لإسقاط هذه الحكومة.
لقد كان واضحاً لأصحاب المنطق السليم انّ هذه الحكومة وضعت فلسطين المحتلة والمنطقة أمام واحد من انفجارين او الاثنين معاً: انفجار شعبي فلسطيني مقاوم بكلّ ما أوتي او أتيح للفلسطينيين من قوة للحؤول دون نجاح هذه السلطة الصهيونية المجرمة في ضمّ ما تبقى من فلسطين والإجهاز على آمالهم باستعادة شيء من حقوقهم الوطنية، و/أو انفجار داخلي يتمثل بانفجار الحكومة من الداخل او انفجار صهيوني بوجهها لمنعها من فتح باب الشرّ على «إسرائيل»، وتهديد الكيان في أمنه ووجوده.
بيد أنّ هذه الحكومة لم تعر اهتماماً كما يبدو لتلك المخاوف والهواجس والتوقعات ولم تتأخر في إثبات عدوانيتها ونزعتها الوحشية والإجرامية ضدّ الفلسطينيين، إذ إنها ومن غير سبب مباشر او تبرير مقنع قامت باقتحام مدينة ومخيم جنين في عملية عسكرية وحشية يبدو أن حكومة نتنياهو شاءت منها ان تفتتح استراتيجية ما تسمّيه «الشدة والحزم» لا بل العنف المفرط الذي يزرع الرعب في نفوس الفلسطينيين لردعهم عن أيّ عمل يمسّ او ينتهك ما يسمّى «أمن إسرائيل»، وبالفعل نفذ الاقتحام بأقصى درجات الوحشية والعنف واستهدف الحجر والبشر معاً فهدمت المنازل وقتل وجرح او اعتقل فلسطينيون تجاوزوا في مجموعهم الـ 30 في أقلّ من 48 ساعة انسحبت بعدها قوات العدو مخلّفة وراءها الخسائر تلك وأهمّ منها ما خلّفته من النقمة والغضب الفلسطيني.
لقد ظنّت حكومة نتنياهو الشديدة التطرف أنها نجحت في افتتاح استراتيجية العنف والإجرام المفرط بحق الفلسطينيين، إلا انّ ظنّها خاب وانهار دفعة واحدة وبشكل مدوّ عندما نفذ شاب فلسطيني واحد مسلح بمسدس واحد فقط عملية بطولية انتقامية في شمال القدس المحتلة وعلى بعد أكثر من 100 كلم من جنين، حيث ارتكبت «إسرائيل» مجزرتها وجرائمها، فجاءت عملية البطل خيري علقم صاعقة مدمّرة لكلّ ما توخته «إسرائيل» من جريمتها في جنين. حيث إنّ مقاوماً واحداً استطاع ان يقتل او يجرح أكثر من ١٧ صهيونياً في أقل من 10 دقائق ولم يقوَ عليه أحد إلا بعد أن فرغت مخازن مسدسه من الذخيرة. لكن بعد أن أتمّ العملية البطولية بنجاح كلي مدوّ، العملية التي أحدثت زلزالاً في كيان الصهاينة وجعلتهم يشعرون بالعجز والهوان والذلّ أمام بطولة فلسطيني واحد قتل جدّه بيد صهيوني قبل ٢٥ عاماً أيّ قبل أن يولد بـ 4 سنوات فانتقم له ولشهداء جنين في عملية رسمت صورة بليغة تجهض مزاعم «إسرائيل» عندما قال ارباب الفكر فيها انّ «القضية الفلسطينية سيصفيها الزمن والوقت» حيث «إنّ الكبار يموتون، والصغار ينسون»، فإذا بالمشهد ينقلب خلافاً للظنّ، وانّ موت الكبير لم يترافق مع نسيان الصغير بل سيولد من الأصلاب وفي الأرحام الفلسطينية من هو أشدّ تمسكاً بالحقوق وأقوى مقاومة على استعادتها وأكثر عزيمة على الاستمرار في المواجهة حتى النصر.
لقد أكدت عملية البطل خيري علقم والتي تلتها عمليات أخرى في غضون 42 ساعة نفّذها أبطال آخرون منهم من لم يتجاوز الـ 13 ربيعاً، أكدت هذه العمليات حقائق هامة منها:
1 ـ عجز «إسرائيل» عن الوصول الى منظومة الأمن الوقائي الفاعل التي تحول دون تنفيذ مثل هذه العمليات النوعية الفريدة من نوعها، أو تحول دون النجاح في تنفيذها انْ وقعت، حيث تبيّن أنّ الشهيد «خيري» بطل فرد خطط وتجهز وتدرّب وأعدّ واستعدّ وقتل بمفرده وظهر أنه بمثابة «جيش في فرد» عصيّ عن الاكتشاف، عصيّ على المعالجة، وانّ عمليته تلك لا يمكن لأحد في الكون أن يكشفها او يمنعها او يفشلها.
2 ـ فشل مبكر لسياسة حكومة نتنياهو القائمة على «العنف والإجرام المفرط»، أو لما تصحّ تسميته بـ «إرهاب الدولة» الذي تمارسه حكومة نتنياهو، فبدل أن يرتعب الفلسطينيون بعد مجزرة جنين حدث العكس حيث إنّ دماء شهداء جنين وأحجار منازلها شحذت الهمم ودفعت البطل خيري علقم الى الردّ السريع في أقل من 24 ساعة وقتل 9 صهاينة مقابل 9 فلسطينيين قتلهم الإجرام «الإسرائيلي» في جنين.
3 ـ تأكيد وهن ما يُسمّى «أمن إسرائيل» الذي تدّعي حكومة نتنياهو أنه في رأس أولوياتها، ما يستتبع من تفشّي الشعور بالخوف لدى الصهاينة الذين ستتراجع ثقتهم بجيشهم وقواتهم الأمنية التي عجزت عن منع مثل هذه العمليات.
4 ـ التأكيد على أنّ الوقت لا يعمل لصالح «إسرائيل» وان مقولة «تصفية القضية بالموت والنسيان» مقولة غير واقعية، كما أنّ مقولة «فرض الاستسلام بالإجرام» مقولة عقيمة في ظلّ إرساء معادلة فلسطينية هامة مفادها «لا جريمة صهيونية بدون عقاب فلسطيني»، ما يعزز الردع الفلسطيني ويعطي زخماً للواقع الذي نشأ بعد معركة سيف القدس.
وبعد هذه الحقائق يبقى أن تستثمر النتائج بدءاً من الساحة الفلسطينية حيث يجب أن يلغى نهائياً التنسيق الأمني، وتتوحد الإرادة الفلسطينية حول المقاومة دون أيّ شأن آخر وتحتضن هذه الإرادة كما هو قائم من قبل محور المقاومة الذي تتحطّم على أسواره موجات العدوان بقيادة أميركية صهيونية.