kayhan.ir

رمز الخبر: 163110
تأريخ النشر : 2023January03 - 20:08

في فنّ النديّة..

 

حسين خازم

مع انفجار الهبّة الشعبيّة الجهاديّة في الضفّة الغربية، سكاكينَ وبنادق وقنابل، عادت الكثير من المصطلحات والأفكار المرتبطة بحالة الوعي النضالي لا المسار الانهزامي الذي هدفَ لكيّ الوعي، منها ما قاله باسل الأعرج، الصيدليّ الأشهر في العالم العربي "عِش نيصًا وقاتل كالبرغوث"، ومنها ما سبقه غسّان كنفاني إليه "لا تمُت قبل أن تكون ندًّا".

قد يستغرب الكثير من الناس، أن حياة قاسم حسن سليماني، الرجل الذي قاد لعبة غرب آسيا على مدى الأعوام العشرين التي مضت، قد بدأت من رعي الأغنام والأعمال الزراعية، يداهُ عرفتا خشونة الحياة مبكرًا وعرفتا التراب، المكان الأعظم لصناعة أبطال التاريخ.

بعد انتصار الثورة الإسلاميّة بقيادة قائد المسلمين في العالم، أي الإمام روح الله الموسوي الخميني (سلام الله عليه)، ومع تسارع الأحداث والمؤامرات والمكائد لاسقاط الثورة الفتيّة، يحاول قاسم أن يلتحق بالتشكيل الجديد الذي أبصر النور بعد الانتصار "حرس الثورة الإسلاميّة" فيُرفَض سليماني بحجّة ارتدائه قميصًا بأكمامٍ قصيرة. كان ذلك أول مشاهد العناد في حياة قاسم سليماني حيث أسس لاحقًا لواء "ثار الله" من كرمان، بلدته الصغيرة التي خرج منها إلى العالم، يذكر سليماني الحادثة على المنبر مرةً ويضحك.

وكما الملايين من الإيرانيين بل أحرار العالم، انجذب سليماني الشاب إلى اللحية البيضاء لمسنّ أراد أن يغيّر الدنيا وهو في الستين من عمره، قاد إلى جانب مهدي زين الدين ومهدي باقري وأحمد كاظمي وآخرين منهم محمد علي الله دادي وحسين پور جعفري نهضة الدفاع عن الجمهورية الإسلاميّة أمام الحرب الكونيّة عليها بالأصالة لصدام حسين وبالنيابة عن كل ما في هذا العالم من طواغيت وأضداد..

قوّة "قدس" المعنية من حرس الثورة والولي الفقيه بالدفاع عن المستضعفين وإمدادهم ومواجهة الاستكبار، تُسلَّم رايتها لقاسم سليماني، وأولى الوجهات جنوب لبنان، قاعدة الحرب الأزليّة مع "اسرائيل" الأساس، كان سليماني كما كل "الحرّاس" يملكون خلفيةً عن "حزب الله لبنان" ومعرفةً بطبيعة الحرب التي كانت في ختامها قبل قطاف الغراس في أيّار/ مايو ٢٠٠٠

لن يكون المكتوب هنا سردًا لسيرة كُتب فيها الكثير، بل إشارةً لدوافع وأسباب، حوّلت قاسم سليماني من رعي الغنم إلى أميرٍ للحرب على أمريكا المستكبرة. لم يكن سليماني كثير الاصطلاحات والحياة المنمّقة، تصرفاته لم تكن متكلّفة، لم يكن فيلسوفًا بالمعنى الرائج اليوم، "هينٌ ليِّن" وفق تعبير الحديث الشّريف، وفوق كل ذلك تحوّل الجنرال إلى الندّ الأوّل لأمريكا في غرب آسيا.

١٩ ساعة بين الشّام والعراق وفلسطين منها هي حصيلة جهاد قاسم سليماني اليوميّة في الحرب على أمريكا، ينام بين الطائرات والسيارات التي تحمله، معهُ بعض التسجيلات لدروس حوزويّة ومواعظ السير والسلوك. قاسم سليماني الذي مرّغ أنف أمريكا بالوحل كان يتمرّغ على أعتاب العلم والعلماء، يوقّرهم ويستمع إلى ارشاداتهم، حتّى إذا ما قرر العروج حمل قماشة الكفن ليجمع شهادات أهل الإيمان: "اللهم إنّا لا نعلم منه إلا خيرًا".

كان البرغوث الذي أضاع آمال الغرب بأسره، مزّق لحية أمريكا حين أرْخَتها لتمنع الأجَل عن ابنتها "اسرائيل" محكمًا طوق الصواريخ التي تحملُ وشمه وأنفاسه. كان عماد مغنيّة المطلوب الأوّل والأعظم لأمريكا وفوق كل ذلك حاولت اعتقاله، كانت تأمل ذلك انتقامًا لكل الضربات التي سدّدها الحاج عماد لها، أمّا قاسم سليماني، فلم يفكّر المتهوّر المجرم مرتين في الهدف، "اقتلوه".

وبالعودة إلى العنوان، فإن سليماني كان ندًّا لأمريكا حدّ أنها لم تتحمله حيًا، حتّى أنها لم تتحمّله معتقلًا في سجونها، اختارت أن تمزّقه انتقامًا لثمل عيونها في هذه المنطقة، وعلى خطّ الإمام قتلوه، لنَعي أكثر فأكثر، وقسمًا..إنّا لمنتقمون.