2023.. ترقّبٌ لعام "حقائق القوة"
إيهاب شوقي
شهد العام 2022 جملة من الحوادث الكاسرة للمحظورات التي ظل العالم يتعامل معها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على النطاق الدولي، ومبادرات إقليمية لقوى المقاومة الحية بشكل غير مسبوق منذ نشأة الكيان الصهيوني المؤقت على النطاق الإقليمي.
كما شهد العام أيضًا كسرًا لمحظورات سياسية تمثلت في الإعلان والاعتراف بالوجه الحقيقي لأنظمة كانت تتستر دومًا بالذرائع، وتحرص على ارتداء الأقنعة واستخدام مساحيق التجميل السياسية. وهو ما يشي بأن العام الجديد سيكون عامًا للاستحقاقات وللكشف الكامل للأقنعة، ولحصاد نتائج الخروج الشجاع لقوى المقاومة للذود عن عرينها من جهة، ولنتائج الاعتراف بالوجه الحقيقي لمن تستر ووارب وحاول مسك العصا من المنتصف من جهة أخرى.
فقد شهد 2022 وصول التراكمات لحدها الأقصى بما لا يسمح لها بالتجاوز، وهو ما جعل بلدًا صبورًا مثل روسيا يخرج عن صمته، ويُخرِج جيشه للدفاع عن الخط الأحمر الأخير لأمنه القومي بعد تجاوز أمريكا وتابعها حلف الأطلسي لخطوط حمر كثيرة.
وهذا الخروج الروسي شكل خرقًا للمحظورات التي تمثلت في حظر وجود حروب كبرى ومواجهات دولية في أوروبا، ولعل قصف حلف الناتو لصربيا في العام 1999 لم يكن خرقًا للمحظورات بلحاظ قوة روسيا وقتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وهو ما لم يشكل نذر مواجهة، كما أن الدعم الأمريكي والغربي للثورات الملونة في المحيط الروسي لم تشكل ذرائع للحرب وانحصرت في نطاق الاستفزازات الخطيرة، بينما الوصول لأوكرانيا ومحاولة تواجد الناتو على الحدود المباشرة لروسيا شكل سقفًا لا يمكن تخطيه لقوة كبيرة استعادت قدرتها على المواجهات الكبرى، وبدا أنها أعدت نفسها للحظة كهذه، وقد شكلت استعادة القرم مؤشرات مبكرة لهذه الحقيقة.
كما شهد العام اصطفافًا صينيًّا روسيًّا وإن لم يشكل تحالفًا صريحًا في وجه أمريكا، ولكنه شكل تحالفًا عمليًا وسندًا سياسيًا واقتصاديًا، وهو ما يعني وجود إرادة مشتركة لخلق نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. ومع لحظ التحفظ الصيني الدائم على إعلان الاصطفافات ومحاولة خلق توازنات مع الجميع لتمرير التجارة الصينية التي تشكل العمود الفقري لقوة الصين، فإن هذا الاصطفاف الصيني يعد خرقًا للمحظورات والتي حاول النظام العالمي أحادي القطب تكريسها حتى ولو بشكلها العملي المستتر.
وشهد العام مبادرة من المقاومة في لبنان مفادها عدم السماح باستمرار الحصار في توقيت يسعى فيه العدو لمزيد من النهب، فوضعت المقاومة حدا للنهب الصهيوني ووضعت فك الحصار والسماح للبنان بالاستفادة من ثرواته شرطًا لعدم الدخول في حرب مباشرة مع العدو، وهو تطور نوعي في معادلات المقاومة التي ظلت دفاعية وقوامها الردع قبل معادلة كاريش المجيدة.
كما شهد العام خروجًا إيرانيًا بالسلاح إلى خارج الحدود، وقصفًا مسبقًا لقواعد العملاء للعدو الصهيوني وتلويحًا بالملاحقة غير المقيّدة بالجغرافيا، وهي مبادرة ومعادلة جديدة بعد وصول التآمر والاستهداف لمستويات غير مسبوقة من الوقاحة والاستفزاز.
وبالتالي لم يكن غريبًا أن يشهد العام تحالفًا ايرانيًا روسيًا في مواجهة الهيمنة، وبروز تكتل شرقي بملامح التحالف بين الصين وروسيا وإيران، ويجمع هذا التكتل هدف واحد وهو القضاء على الأحادية القطبية ورفض الهيمنة، رغم تفاوت العقائد والتفاصيل بين أطراف التكتل.
وعلى مستوى كشف الأقنعة، فقد كشف العدو الصهيوني عن وجهه المتطرف القبيح، بحسم الخلافات السياسية عبر الاستقرار على الوجه الأكثر تطرفًا وعنصرية ليشكل الحكومة والواجهة لهذا الكيان، وعبر الاعتراف بأنه لا سلام ولا نية للتنازل عن مكتسبات الاحتلال ومغتصباته وعبر تخيير الفلسطينيين والعرب بين السلة والذلة بشكل معلن وصريح.
وهو ما كشف بدوره أقنعة المطبعين العرب، الذين طالما برروا عار تطبيعهم بالسعي للسلام ونبذ العداء وبمصلحة الشعب الفلسطيني!
وهو خرق كبير لمحظور التطبيع المجاني، بعد أن تم خرق محظور التطبيع ذاته قبل ذلك بعقود.
وعلى مستوى السياسات الداخلية، فقد خرقت الأنظمة محظورات داخلية بعد جني ثمار فشلها الاقتصادي بسبب الارتهان للغرب ومؤسساته وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وبعد الفساد الذي ضرب أوصال دولها والتخلي عن التنمية المستقلة والاقتصاد المقاوم، فقامت الأنظمة بإجراءات غير مسبوقة في التخلي عن دعم مواطنيها وفقرائها وضبط أسواقها، وهو ما ينذر بفوضى عارمة وانهيارات مجتمعية وشيكة.
ربما شهد العام 2022 هامشًا ضيقًا لإمكانية الموازنة ومسك العصا من المنتصف، ولكن ومع اتجاه مسار الصراعات للحدة والتصعيد، فإن الهامش يضيق، وتتضاءل معه فرص الحلول الوسط، وتزداد المعارك صفرية وتزداد فرص الانزلاقات.
لطالما حاولت الدبلوماسية تصدّر المشهد الدولي والإقليمي لتبرر الأوضاع الظالمة من جهة المعسكر الأمريكي، ولتفادي المواجهات المدمرة واعطاء الفرصة للتسويات السلمية والرهان على الصمود من قبل معسكر المقاومة للهيمنة.
ولكن الدبلوماسية عجزت عن مواجهة قوة الحقائق، حيث كان المسكوت عنه هو أن امريكا والغرب لا يريدان من الآخرين إلا الاستسلام والتبعية والانقياد، وبالتالي تغلبت هذه الحقائق بقوتها على الدبلوماسية التي بدا ضعفها ونفاقها وأنها مجرد حل آمن لأمريكا لتمرير أجندتها الدولية والإقليمية.
وبالتالي أمام بروز قوة الحقائق فإننا ندخل عامًا جديدًا ينتظر الحصاد لهذه المواجهات وتغيب عنه الأقنعة والمواربات السياسية ومحاولات التحوط والنفاق، وندخل لاختبار عملي للإرادة وتوزانات القوى، وهو ما سيحدد شكل النظام العالمي والإقليمي عبر حقائق القوة.