الاتفاق النووي مع إيران وفق السياسة «الإسرائيلية»
د. حسن مرهج
تحدّثنا كثيراً ومعمّقاً عن التحديات والهواجس «الإسرائيلية»، ليست تلك المتعلقة بدور إيران الإقليمي، وإنما لجهة المخاوف «الإسرائيلية» من مضامين الاتفاق النووي مع إيران، وتأثيراته التي ستُصيب إسرائيل سياسياً وعسكرياً وحتى مجتمعياً، وبنظرة دقيقة، بات واضحاً أن صانع القرار الأمني في «إسرائيل»، ينظر إلى طهران على أنها تهديداً وجودياً حقيقياً، خاصة أنّ النشاطات الإيرانية لا تنحصر داخل حدودها، بل تتمدّد وفق النظرة «الإسرائيلية»، إلى دول العمق الاستراتيجي لـ «إسرائيل»، لا سيما سورية ولبنان.
الساسة «الإسرائيليون» وكذا عموم المجتمع «الإسرائيلي»، متفقون على جُملة الأوضاع المُحيطة بـ «إسرائيل»، تُنذر بخطر بالغ، والأسوأ من ذلك، أن يتمّ الاتفاق النووي مع إيران، بما يشي رفع العقوبات الدولية عنها، ومن ثم تحرير الأرصدة الإيرانية، الأمر الذي سيعطي هامشاً كبيراً لإيران، بدعم فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وتعزيز حضورها الاقتصادي في أكثر من مكان، والأهمّ أن تقوم إيران بتطوير أسلحتها أكثر فأكثر. وضمن ذلك، فإنه في عالم الدفاع الاستراتيجي، يتمّ البحث وتقييم كلّ الاستراتيجيات الأمنية والعسكرية، اللازمة لمواجهة إيران وبرنامجها النووي، واليوم يقف صانع القرار «الإسرائيلي»، أمام مجموعة من التحديات تتعلق بعودة المجتمع الدولي إلى الاتفاق مع إيران، وفق معادلة جديدة تختلف عن اتفاق 2015، الذي انسحب منه ترامب عام 2018.
بحسب وجهة النظر «الإسرائيلية»، فإنّ إعادة العمل بالاتفاق النووي، سيؤدّي إلى نتائج خطيرة تنعكس على «إسرائيل»، لأنه من المتوقع أن يخلق عديداً من التحديات في ما يتعلق بالتهديدات الإيرانية المستقبلية في ضوء القدرات والمعرفة التي جمعتها إيران خلال السنوات الماضية. فالاتفاق سيؤدي حُكماً وبحسب القراءات «الإسرائيلية»، إلى زعزعة استقرار المنطقة، من خلال الفصائل التابعة لإيران، فضلاً عن تعزيز الطموحات الإيرانية في عموم المنطقة، خاصة أنّ الاتفاق الذي وُقع مع إيران عام 2015، لم يتمّ تضمينه قضايا عديدة، على شاكلة الحدّ من السياسات الإيرانية في المنطقة، وتكبيل إيران بجملة من السياسات التي تفرض عليها إيقاف تقديم الدعم لفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين وسورية.
في جانب آخر، فإنّ اتفاق عام 2015، سمح لإيران بتقوية نفوذها الإقليمي، وتطوير مشروعها الصاروخي، وتعميق منظومات الردع الإيرانية. من هنا فإنّ تقييم مدى فائدة الاتفاق النووي من عدمه إنما تعتمد على البيانات المتوفرة بشأن ما تمتلكه إيران حالياً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، وما يتطلبه إنتاج قنبلة واحدة. وتعتقد التقديرات «الإسرائيلية» أنّ إيران تجاوزت المطلوب لإنتاج قنبلة واحدة. أيّ أنه لو كان الاتفاق ما زال سارياً حتى عام 2030، لم يكن الوضع ليصبح مثلما هو الآن بعد خروج واشنطن منه وتمادي إيران في انتهاكاتها، إذ خزنت كثيراً من المواد المخصبة وقد تقدّمت قدراتها بما يتجاوز ما سمحت لها الصفقة به.
في ضوء المعطيات السابقة، فإنّ معادلة الأمن «الإسرائيلية»، تنظر إلى إيران على أنها تهديد مستمرّ، ونتيجة لذلك، فإنّ صانع القرار الأمني في «إسرائيل»، يعتبر إيران ركيزة لتهديدات ثلاث، الأولى برنامجها النووي، والثانية القدرات العسكرية التي تمتلكها، والثالثة المحور الذي تقوده وهو بطبيعة الحال يُحيط بـ «إسرائيل»، ولعلّ أكثر ما يُقلق «إسرائيل»، أنه في حال تمّ الاتفاق النووي مع إيران، أن يتمّ رفع العقوبات عنها، خاصة أنه ثمة إشارات أوروبية تتمحور حول الرغبات الغربية بالتعاون مع إيران اقتصادياً، وفي جانب آخر، فإنه لا توجد مؤشرات على أنّ المجتمع الدولي مستعد أو قادر على الضغط على إيران للتوصل إلى صفقة أفضل، تؤطر التحركات الإيرانية في المنطقة، وتحدّ من نشاطها النووي.
في ضوء ما تقدّم، تُدرك «إسرائيل» بأنّ سفنها تجري لكن ليس وفق الرياح الأميركية، فـ واشنطن تبحث عن طريق يوصلها إلى طهران، وبايدن يبحث عن إنجاز في سباق إعادة الاتفاق النووي مع إيران، وأوروبا تعاني اقتصادياً وهي بحاجة «لصانع السجاد الإيراني»، وروسيا والصين هم شركاء استراتيجيين لإيران، ولا يتوقع منهم ممارسة أيّ ضغوط على طهران. كلّ ذلك يؤرق صانع القرار «الإسرائيلي».