’ورق التواليت’ حين يتحول إلى شعار للربيع الفنزويلي
عقيل الشيخ حسين
كل الأساليب الإجرامية جربتها واشنطن في سعيها المحموم لإسقاط نظام الثورة البوليفارية في فنزويلا. لكن تكاتف الشعب والجيش في ظل قيادة هوغو تشافيز وبعده نيكولاس مادورو أفشل مخططات إعادة فنزويلا إلى وضعها السابق كجمهورية موز في حديقة واشنطن الخلفية.
بدلاً من آلاف الجوائز التي، على غرار جائزة نوبل، تمنح سنوياً لناشطات وناشطين من كل نوع يخدمون - في مختلف المجالات - مصالح قوى الهيمنة، من المهم أن يأتي يوم تمنح فيه للشعوب المكافحة من أجل الحرية الحقيقية، وللشعب الفنزويلي بوجه خاص، جائزة "التبريز” في إفشال مشاريع الزعزعة والتخريب التي تقودها واشنطن وعملاؤها المحليون في البلدان الحريصة على الدفاع عن مصالح شعوبها المعنوية والمادية.
محاولات انقلابية فاشلة
فمنذ خروج فنزويلا من جحيم الهيمنة الأميركية مع انتخاب هوغو شافيز لرئاسة الجمهورية في العام 1999، شهدت فنزويلا ما لا يقل عن أربع محاولات انقلابية. والأشد نكاية أن جميع هذه المحاولات هي من النوع الخطير الذي تتمكن فيه قوى الهيمنة من استخدام جماعات ضالة أو مضللة من شعوب البلد المستهدف في اقتراف أسوأ الإساءت بحق هذا البلد.
بين المتورطين في المحاولة الانقلابية عسكريون يحملون تأشيرات دخول دائمة الصلاحية إلى الولايات المتحدة تلك المحاولات هي من نوع التحركات "الربيعية” أو الثورات الملونة مع فارق هام : جميع المحاولات الانقلابية في فنزويلا تميزت عن شبيهاتها في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى والعالم العربي بكونها لم تكن ثورات ثمار وأزهار، بل ثورات رفرف فوقها "ورق التواليت”. (يندر أن تتحدث وسائل الإعلام التابعة لقوى الهيمنة عن فنزويلا دون أن تأتي على ذكر ورق التواليت وعدم توافره في الأسواق كواحد من الأدلة الإفترائية على فشل الحكومة في إدارة الشأن العام بشكل صحيح).
وهزائم انتخابية
وإلى المحاولات الانقلابية شهدت فنزويلا ما لا يقل عن أربعة انتخابات واستفتاءات جرى تنظيم معظمها كرد على قوى المعارضة التي لم تتوقف عن توجيه التهم لنظام شافيز بالتدخل في الإنتخابات وتزويرها.
وبفضل تفاني شعب الثورة البوليفارية في الدفاع عن ثورته، فشلت جميع هذه المحاولات الإنقلابية. وكان نظام الثورة البوليفارية هو الفائز في جميع تلك الانتخابات التي كان آخرها تلك التي حملت نيكولاس مادورو إلى الرئاسة في 14 نيسان 2013 في أعقاب وفاة هوغو شافيز.
تجار احتكاريون في القطاع الخاص يخلون الأسواق من المواد الأساسية بهدف تأليب الشعب الفنزويلي على حكومته
وكان من الواضح منذ البداية، أن مادورو -الذي لا يقل عن شافيز صلابة وحرصاً على مصالح شعبه- سيتابع المسيرة في قيادة الشعب الفنزويلي نحو تحقيق هدفه في الاستقلال والحرية والبناء. وأنه سيحمي بلده من الآفات التي تفتك بمعظم بلدان العالم المغلوبة على أمرها : الخضوع لواشنطن وما يعنيه ذلك من الوقوع تحت ثقل المديونيات الضخمة، والفساد الواسع النطاق، والبطالة والمرض والفقر وانسداد آفاق العيش.
لذا كان من الواضح أن المؤامرة على فنزويلا ستستمر وأن قوى الثورة المضادة ستحاول الاستفادة من حداثة عهد مادورو في الحكم بهدف الإطاحة به قبل أن يشتد عوده.
فقبل أن يمضي عام واحد على وجود مادورو في الحكم، أي في أوائل شباط / فبراير 2014، ظهرت دعوات إلى العصيان المدني على خلفية ارتفاع أسعار العديد من المواد الأساسية المستوردة. وبالفعل، خرجت مظاهرات نددت بهذه الظاهرة. وكان عملاء واشنطن جاهزين للعمل حيث وزعوا أنشطتهم بين أعمال التخريب وإطلاق النار على المتظاهرين بهدف توجيه التهمة إلى القوات الأمنية ورئيس البلاد. وفي هذا السياق، قتل العشرات وجرح المئات ودمرت أعداد كبيرة من المؤسسات الحيوية. لكن المحاولة فشلت بعد أن تم اكتشاف مخازن تحتوي على كميات كبيرة من السلع الأساسية كان يتم إخفاؤها من قبل التجار الاحتكاريين بالتواطؤ مع قوى الثورة المضادة...
مخطط جديد
لكن رهان واشنطن وعملائها المحليين على إمكانية نجاح الأسلوب الذي فشل في العام 2014، جعلهم يعيدون المحاولة من خلال خطة مشابهة للخطة السابقة على أمل أن يستفيدوا هذه المرة من تراجع مداخيل البلاد بسبب الهبوط الكبير في أسعار النفط. وقد مهدوا للإنقلاب الذي كانوا ينوون القيام به في 12 و13 شباط / فبراير بتصريحات أطلقها بعض كبار ممثلي الكنيسة في أميركا الوسطى، وهي تصريحات ركزت على موضوع ندرة السلع الأساسية التي كان الكثير منها قد اختفى مجدداً من الأسواق بتدبير من المتآمرين الذين راهنوا على قدرة هذه الطريقة في إثارة الشعب الفنزويلي ضد حكومته.
وكالمرة السابقة، تم كشف المؤامرة واعتقل معظم الضالعين فيها وأكثرهم عسكريون يحملون تأشيرات دخول دائمة إلى الولايات المتحدة. كما فتحت المخازن المشحونة بالمواد الأساسية وعادت الأمور إلى مجراها الطبيعي في ظل تضامن غالبية الفنزويليين مع حكومتهم.
وبالطبع، أنكرت واشنطن علاقتها بالمحاولة الإنقلابية الجديدة التي شبهها بعض المراقبين بالإنقلاب الذي نفذ مباشرة، عام 1973، من قبل الاستخبارات الأميركية وتم خلاله قتل الرئيس التشيلي المنتخب، سلفادور آليندي بعد قيام الطيران الحربي الأميركي بتدمير القصر الرئاسي على من فيه.
لكنه إنكار مثير للسخرية بقدر ما هو صادر عن الجهة المشهود لها بـ "التبريز” في حروب العدوان وصناعة الانقلابات المضادة لطموحات الشعوب في الاستقرار والحرية.