kayhan.ir

رمز الخبر: 161020
تأريخ النشر : 2022November27 - 20:16

الفوضى والدمار هدفٌ رئيسيّ: محاولة استنساخ السيناريو الأميركيّ لسوريا في إيران

 

جو غانم

يحضر كيان الاحتلال الإسرائيلي بقوة في ساحات إيران، ليقوم بتحريك الخلايا الاستخبارية والقيام بعمليات اغتيال لعلماء ومسؤولين وشخصيات بارزة ومواطنين عاديين بهدف إثارة الرعب والفوضى وتفجير الأحداث في البلاد.

"إنّ كلفة الاستسلام لقوى الهيمنة الغربية، أقلّ من كلفة المواجهة"، الرئيس السوري بشّار الأسد.

"لو استسلمنا أمام الغطرسة الأميركية والاستكبار، لَقلَّت هذه الضغوط وهذا الحصار. لكنْ طبعاً كانوا سيأتون ويتسلّطون علينا"، السيّد علي الخامنئي، المرشد الأعلى في إيران.

على عكس إيران، التي تحاصرها حكومات الولايات المتحدة ومعظم دول الغرب منذ انتصار الثورة الإسلامية فيها سنة 1979، وانتقالها من المعسكر المتحالف مع الغرب و"إسرائيل" والضامن لمصالحهم في المنطقة، إلى معسكر مقاومة الاحتلال ونصرة قضية الشعب الفلسطينيّ، كان الشعب في سوريا يعيش واحداً من أفضل أزمنته على المستويين المعيشيّ والاقتصاديّ، منذ استقلال البلاد عن المستعمر الفرنسي في العام 1946، بل إنّ علاقات دمشق السياسية بدول الجوار وغالبية دول العالم، كانت في أفضل أحوالها على الإطلاق، بالرغم من الانتكاسات التي شهدتها عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، وبدء مشروع استهدافها عن طريق إلصاق تهمة قتل الحريري بالنظام السياسيّ القائم فيها، وهو المشروع الذي نتج منه إخراج القوات السورية من لبنان، ليتمّ تحويل الاتّهام إلى المقاومة الإسلامية في لبنان.

حزب الله، بعد الانتصار الذي حققته تلك المقاومة على العدو الإسرائيلي في عدوان تموز العام 2006، والذي كان لسوريا دور بارز في إنجازه، لتعود الضغوط الغربية على سوريا من جديد باعتبارها العمود العربيّ الرئيسيّ في دعم المقاومة العربية في لبنان وفلسطين والعراق، التي بدأت بتحقيق انتصارات استراتيجية على مستوى الصراع مع المحتلَّيْن الإسرائيليّ والأميركيّ. وعند هذه النقطة تحديداً، يلتقي التقييم الغربيّ لدمشق وطهران، وتصنيفهما كبلدين عدوّين مارقين عن السطوة الأميركية، واعتبارهما تهديداً وجوديّاً لكيان الاحتلال في فلسطين المحتلة، تجب إزاحته بأيّ ثمن.

ولأنّ الغرب ما عاد قادراً، بعد غزو العراق، على تسويق مسألة إرسال جيوشه لاجتياح البلدان في مشارق الأرض ومغاربها، وإسقاط الأنظمة فيها، ولا تحمّل التكاليف الباهظة من الخسائر البشرية والاقتصادية التي تنتج من الحروب التقليديّة، جاء مشروع "الربيع العربيّ" ليُشكّل نوعاً جديداً وخطراً جدّاً من أشكال الحروب الغربية التي بدأت تنتهج فكرة "الغزو من الدّاخل" وتقديم كلّ أشكال العون من الخارج، وذلك بالاعتماد على شرائح اجتماعية بعضها لديه مطالب محقّة (لا يوجد بلد على هذا الكوكب ليس فيه شرائح لديها مطالب سياسية وحقوقية واقتصاديّة محقّة أو غير محقّة) وبعضها الآخر مرتبط مباشرةً بأجندات خارجية تستهدف النظام السياسيّ في بلاده، خصوصاً أنّ ثورة الاتصالات ونمو الجمعيات غير الحكومية، جعلا من التغلغل الاستخباريّ الغربي في بلدان العالم النامية والفقيرة، أسهل وأخطر من أيّ وقت مضى، وهو ما كان في سوريا بداية العام 2011، وما تختبره إيران الآن منذ عدة أشهر.

وكما كان حمزة الخطيب (الذي لم تستطع أي جهة حتى اللحظة، إثبات مسألة قتله وتعذيبه على يد السلطات الأمنية السورية بالأدلّة والوثائق) "أيقونة" الإعلام المعادي الذي شكّل سلاحاً مدمّراً في الأزمة السورية، كانت الفتاة الإيرانية مهسا أميني (التي لم تلتفت أي جهة حتى اللحظة، إلى الدليل الإيراني المصوّر الذي يثبت أنها لم تتعرّض حتى للدفع)، هي شعار الهجمة الغربيّة المستجدة على إيران، وهنا أيضاً يلتقي المشروع الغربيّ المدمّر لسوريا وإيران، عند نقطة الإعلام الذي يشمل القنوات التلفزيونية والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، والذي يُستخدم الآن كسلاحٍ فتّاك في الحالة الإيرانية.

المتابع للإعلام والصحف والمواقع الغربيّة والعربيّة التابعة، كما وسائل التواصل الاجتماعي، يلاحظ ببساطة شديدة هذا التشابه الكبير في التعاطي الغربيّ والعربي الخادم مع المسألتين السورية والإيرانيّة، حتى في موضوع خطر جدّاً، وكان يمكن له وحده أنْ يُستخدم كدليل على الفشل الذريع بعد تجربة "الربيع العربي"، وهو الافتخار بأنّ "الشباب الثائر" لا قيادة له، ولا حتى لديه "رؤية" أو مشروع، وهو ما يركّز عليه الإعلام الغربي هذه الأيام بوضوح في سياق النشوة والفخر. أي أنّ المهم أن تنتفض و"تثور" وتزرع الفوضى في أنحاء البلاد، من دون أنْ يهمك أنْ تعرف "ماذا بعد"؟ أضف إلى ذلك، مسألة التعطّش لإراقة الدماء لأنها تُساعد في تسعير الأحداث.

كان بعض الناشطين السوريين، وبعض مشغّليهم الغربيين والعرب، يعلنون جهاراً على وسائل التواصل الاجتماعي وفي البرامج الحوارية المباشرة المفتوحة طوال ساعات اليوم: "نريد دماً"، فالدم يُعمي الأبصار ويهيج الغرائز ويثير الغضب ويُخرج الناس إلى الشوارع في وجه "السلطات المجرمة". وهو ما جرى التركيز عليه والعمل وفقه أيضاً في تغطية الأحداث في إيران خلال الأسابيع الأخيرة، وبالرغم من كشف إحدى كاميرات المحالّ في بلدة إيرانية قبل أيام، لمتظاهرٍ يطلق النار على زميله من الخلف ويقتله غدراً، لم يجد هذا المحتوى المرئيّ الواضح والخطر، من يهتم به بين "أصدقاء الشعب الإيراني" ومحبّيه الكثر هذه الأيام.

وكما في سوريا، كذلك في إيران، يحضر كيان الاحتلال الإسرائيلي بقوة في ساحات البلاد، ليس فقط لجهة تحريكه الخلايا الاستخبارية والقيام بعمليات اغتيال لعلماء ومسؤولين وشخصيات بارزة ومواطنين عاديين بهدف إثارة الرعب والفوضى وتفجير الأحداث في البلاد، بل لجهة اعتبار العديد من الناشطين البارزين منهم، أنّ القضية الفلسطينية هي إحدى مصائب "الشعب" وأبرز أسباب فقره وحصاره، وترويجهم لـ "مظلومية" الاحتلال وحقّه في قتل الفلسطينيين وسلب أرضهم، وحقّ الدول الغربية في حصارهم هم أنفسهم ومواطني بلادهم التي تدعم حكومتها هذه القضية، والاعتداء عليها، أي التصرّف تماماً ككتائب متقدّمة تقاتل وتُقتل وتُضحّي لأجل العدو ومصالحه ومشاريعه التدميرية.

وإذا كان بعض الناشطين الإيرانيين يتعمّد إحراق الأعلام الفلسطينية واللافتات التي تعبّر عن دعم إيران للقضية الفلسطينية، والتي تنتشر في البلاد منذ العام 1979، ويعبّر "المتظاهرون" عن صداقتهم ودعمهم لـ "إسرائيل"، فقد سبقهم نظراؤهم السوريون الذين بلغوا مبكّراً ومنذ العام 2012، حدّ الطلب من قادة كيان الاحتلال (أحدهم ذكر المجرم شارون بالاسم في فيديو شهير جرى بثّه من إدلب) التدخّل عسكريّاً لمصلحتهم ضد الحكومة السورية، وهم يُهلّلون حتى اللحظة لأيّ اعتداء جويّ إسرائيلي على الأراضي السوريّة.

لا تتوقّف الدول الغربية عند الدعم الإعلامي والماليّ لبعض هذه الجماعات داخل إيران وعلى حدودها، بل يشير الكثير من المعلومات والمعطيات إلى تقديم الولايات المتحدة الأميركية وكيان الاحتلال الإسرائيليّ، الدعم التسليحي والتدريبيّ والاستخباري للعديد من الحركات والمجموعات الإيرانية والإقليمية المعادية لطهران، وإذا كان ارتباط منظمة "مجاهدي خلق" بالأميركيين والإسرائيليين واضحاً وعلنيّاً منذ سنوات طويلة، فإنّ التنظيمات الكردية لا تخفي بدورها هذا الارتباط وتلقّي الدعم العسكريّ وتحويل شمال العراق والحدود الإيرانية مع كردستان العراق، إلى قواعد استخبارية إسرائيلية وأميركية تعمل ضد إيران وتوجّه تلك المجموعات.

كما تشير معلومات صحفية انتشرت مؤخّراً، إلى تلقّي ما يُسمّى بـ "جيش العدل البلوشي" الذي ينشط في منطقة "بلوشستان" على الحدود مع أفغانستان وباكستان، دعماً من جهات غربية، على الرغم من وضعه على لائحة الإرهاب الأميركية قبل أكثر من عشر سنوات. وقد كثّف "جيش العدل" من هجماته على المخافر والنقاط العسكرية والأمنية الإيرانية تزامناً مع الاحتجاجات الأخيرة، لزيادة الضغط على الحكومة الإيرانية وتشتيت جهودها، وإحداث "إنجازات" عسكرية تُمكّنه مع مجموعات أخرى في الشمال والغرب، من اختراق الحدود والتغلغل إلى الداخل لنقل الجبهات إلى المدن والبلدات الإيرانية.

كما تنشط حكومات خليجية، إعلاميّاً وماليّاً وتسليحاً، في دعم بعض المجموعات من العرب الإيرانيين الذين يقطنون المناطق الحدودية مع العراق. وقبل أيام قليلة، كشفت تقارير صحفية لا يمكن التأكّد من دقّتها حتى الآن عن وجود نشاط خليجيّ أميركيّ لنقل مجموعات مسلّحة متطرّفة من منطقة "التنف" في سوريا، إلى منطقة الحدود الأفغانية الإيرانية، والمناطق الكردية العراقية المتاخمة لإيران في الشمال، وهذا كلّه يكشف بدوره عن وجود سيناريو غربي إسرائيلي بعض عربي لاعتماد السيناريو العسكريّ السوري في إيران أيضاً، وذلك من خلال إتخام الحدود بالمجموعات المسلّحة من جميع الجهات، لمحاولة قضم الأراضي عن طريق هجمات متلاحقة والتغلغل نحو العمق وإدخال البلاد في حالة من الفوضى العسكرية والاجتماعية الخطرة بهدف تدميرها من الداخل.

كيفما كانت تفاصيل المشروع الخارجيّ لإيران، فإنّ اعتماد السيناريو السوري هناك، وإنْ كان باستطاعته إحداث أضرار جانبيّة مزعجة، إلّا أنّ فرص نجاحه وتقدّمه ضئيلة جدّاً، نظراً إلى اختلاف الظروف بين الحالتين، فإيران دولة إقليمية كبرى، وهي أصبحت كذلك في ظلّ حصار خانق مستمرّ منذ أكثر من 40 عاماً، بل نمت عسكريّاً وعلميّاً وتنظيميّاً تحت هذه الظروف القاهرة لتُشكّل واحدة من أهمّ القوى القادرة على ضرب المشاريع الغربية في المنطقة برمّتها، وبات باستطاعتها مع حلفائها، وعلى رأسهم سوريا والمقاومة العربية، أنْ تُقاتل بضراوة في كل مناطق النفوذ الغربية ونقاط الاشتباك في المنطقة، بل وباستطاعتها أنْ تنتصر أيضاً، وهو تماماً ما تعمل عليه القيادة الإيرانية وحلفاؤها في الإقليم.

هذه القيادة التي لم يظهر عليها أيّ أثر للجزع أو الارتباك بعد شهور طويلة من بدء الأحداث الأخيرة، وهي منخرطة بهدوء في حراك سياسيّ عسكريّ مع دمشق وموسكو وأنقرة للوصول إلى تسوية في الشمال السوري، ستكون الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الكرد أول الخاسرين فيها.

هذا من دون أنْ نغفل أنّ المشروع الأميركي الغربي لا يشمل إيران وحدها الآن، بل هو فاعل بقوة ضد روسيا والصين في أوكرانيا وتايوان، وقد بلغ مرحلة الحرب العالمية بوسائلها الجديدة، وما أحدثته وستُحدثه من ردود فعل قوية من هذه القوى المستهدفة الصاعدة التي لا خيار أمامها سوى النصر.

يبقى أنّ لدى أميركا و"إسرائيل" والغرب الكثير من "الحطب" الجاهز للحرق في إيران كما في أوكرانيا وتايوان وكما كان في سوريا، لكنّ الحطب، الذي لا "رؤية" له ولا "مشروع"، لا خيار أمامه سوى التحوّل إلى رماد، حتى لو استطاع إحراق بعض البقع الغالية في خريطة الدولة والمجتمع.