kayhan.ir

رمز الخبر: 160751
تأريخ النشر : 2022November22 - 20:32

آخر حلقات الضغط على إيران… فماذا بعد؟

 

ناصر قنديل

ــ تحت عنوان “لن يكون عالم ما بعد الاتفاق النووي الإيراني جميلًا” خصصت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية مقالها البحثي حول مستقبل المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، التي تضمنت استعراضاً لكل التعقيدات التي جعلت التوصل الى اتفاق ينعش التفاهم شبه الميت، وصولاً الى الاستنتاج بصعوبة الحديث عن فعالية نظام العقوبات بردع البرنامج النووي الإيراني المتصاعد في تخصيب اليورانيوم، لجهة بلوغ الكميات المخزنة مستويات مقلقة للغرب، بعد بلوغ نسبة التخصيب الدرجات الحرجة. وبالتوازي الاستنتاج بأن الحديث عن الخيار العسكري يبقى أقرب للكلام الضاغط منه إلى الفرصة الفعلية، لتصل المقالة إلى الحديث عن منفذين واقعيين.

ــ المنفذ الأول تحديد هدف للتفاوض دون مستوى العودة الشاملة للاتفاق، فتشير إلى مقترح عملي قيد التداول يدعو لنصف اتفاق يتضمن، مقايضة موافقة إيرانية على تخزين الكميات المخصبة تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتخفيض تدريجي للكميات المخصبة على نسبة الـ 60%، مقابل فك تدريجي للحجز القائم على الأموال الإيرانية لدى البنوك الغربية، وفتح الأسواق الغربية أمام منتجات النفط الإيراني، وإبقاء ملف رفع العقوبات الشامل ومصير التصنيف على لوائح الإرهاب الأميركية معلقاً، مثله مثل التزام إيران بكامل مندرجات الاتفاق الموقع عام 2015، موضوعاً للتفاوض.

ــ أما المنفذ الثاني فهو آلية الضغط لجعل إيران التي ترفض الحلول الجزئية تقبل بهذا الحل المؤقت، الذي يعفي ادارة الرئيس جو بايدن من إحراج داخلي يتسبب به اتفاق شامل، ومن التزام بضمانات لا تقبل إيران بالعودة للاتفاق الشامل بدونها. ويتضمن هذا المنفذ ما تسميه المقالة بالاحتواء، والذي يتضمن عناصر ضغط فاعلة يمكن لها أن تدفع إيران لقبول الصيغة المؤقتة أو التدريجية لاتفاق مفترض، تسمّيه بـ “اتباع نهج دبلوماسي أكثر إبداعًا: سياسة الاحتواء، حيث يفرض الغرب قيودًا على تصرّفات إيران في المنطقة بدعم من تهديد قوة عسكرية محدودة، مقترنة بمفاوضات أحادية التدبير مع طهران”، من دون الدخول في تفاصيل هذا النهج المبدع، الذي يقول تاريخ الإدارات الديمقراطية في عهدي الرئيسين باراك اوباما وجو بايدن خصوصاً، أنه يقوم على اعتماد ذراعين رئيسيتين تسمّيهما دوائر المخابرات الأميركية بالحرب الناعمة.

ــ الذراع الأولى هي تفعيل وتحريك وتمويل وإدارة جمعيات المجتمع المدني، والمعارضة الداخلية بمستوياتها المتعددة، السياسية والقومية والدينية، والجماعات التي يمكن تحريكها بقضايا بذاتها مثل قضية الحجاب والمثليين، والإدارات الأميركية المتعاقبة التي تعترف بوقوفها وراء الثورات الملوّنة في عشرات دول العالم، وصولاً الى قيادة الربيع العربي وتسليمه لتنظيم الإخوان المسلمين، وما شهده لبنان من ثورة في تشرين الأول عام 2019، وقد صدرت حوله تصريحات أميركية كثيرة لا تنكر أبوته، وتكشف حجم الأموال المرصودة لجعله أداة صياغة للمشهد السياسي اللبناني وفقاً للخطة الأميركية التي تستهدف المقاومة، وليس خافياً أن هناك قنوات تلفزيونية ناطقة باللغة الفارسية وسائر اللغات القومية التي تنطق بها مكونات إيرانية كاللغة الكردية والبلوشية خصوصاً، تعد بالعشرات، تم تمويلها وتجهيزها وتزويدها بالإمكانات التقنية وتأهيلها لاستيعاب الطاقات البشرية اللازمة لأداء دور التجييش والإعداد للمواجهة المطلوبة، ولا يخفى على أي متابع في الغرب خصوصاً، أن حجم وامتداد المشهد الذي تمثله الاحتجاجات في إيران، لا يتناسب مع حجم القضايا التي يتخذها عنواناً وتفسيراً، كما لا يكفي لتفسير الاحتضان الواسع إعلامياً في تغطية المشهد الإيراني، والتحركات الداعمة العبارة لمساحات عالمية عديدة، مجرد ادعاء التضامن العفوي.

ــ الذراع الثانية هي اعتماد الإرهاب، الذي لم يعد اكتشافاً علمياً القول إنه أداة يستخدمها الأميركيون حيث يريدون، من أفغانستان الى العراق، وخصوصاً في سورية، وتعتبر بمثابة جيش رديف حيث لا يمكن الزج بالجيش الأميركي وتحمل التبعات، والمقصود بالإرهاب ليس تنظيم داعش الذي أعلن مسؤوليته عن العديد من عمليات القتل والتفجير داخل إيران، بل أيضاً التنظيم العسكري لجماعة مجاهدي خلق التي اتخذت من العراق لفترة طويلة مقراً لها وانتقلت قيادتها الى كردستان العراق، والتشكيلات العسكرية التي تتخذ عناوين عرقية، خصوصاً كردية وبلوشية، وهدف العمليات التي تقوم بها هذه التشكيلات الإرهابية ليس الرهان على وهم إخافة القيادة الايرانية ودفعها للتراجع، بل تحويل الاحتجاجات التي تشكل الذراع الأولى الى مشروع حرب أهلية عبر القتل المفتوح لعناصر الشرطة والمحتجين معاً.

ــ إيران تعاملت بعقل بارد مع هاتين الذراعين، على خلفية الخبرة التراكمية للقيادة الايرانية من تجربة 2008 في التعامل مع حركة احتجاجية أوسع وأشمل، والنجاح بتفكيكها واحتوائها في نهاية المطاف، وتجربة الحرب مع الإرهاب في العراق وسورية، التي كانت إيران بقيادة الجنرال الشهيد قاسم سليماني شريكاً أساسياً في خوضها، والفوز بها، والخط البياني للمشهد الذي بدأ قبل شهرين في إيران يقول إنه بلغ نصف المنحنى هبوطاً، وإن سقفه الزمني لن يتعدى نهاية العام قبل ان يتحول الى حالة تحت السيطرة، ليصير السؤال الذي يدق باب إدارة الرئيس بايدن مباشراً، ما العمل كي لا يقع المحظور طالما أن العنوان المسلم به هو أنه “لن يكون عالم ما بعد الاتفاق النووي الإيراني جميلًا”؟!