kayhan.ir

رمز الخبر: 160261
تأريخ النشر : 2022November14 - 20:24

لهم الحق أن يغضبوا!

 

ناصر قنديل

– بين 17 تشرين الأول 2019 و19 تشرين الثاني 2019، يوم انطلق اللبنانيّون بمئات الآلاف غاضبين في الشوارع، ويوم أدلى الدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان بإفادته عن الحراك أمام الكونغرس الأميركي، كان الشعب قد ترك الحراك، وصار المشاركون بضعة آلاف ليصبحوا بعد أقل من سنة بضع مئات فقط، ما يعني أن الحديث عن 17 تشرين ليس حديثاً عن الشعب الذكي الذي اكتشف الحقيقة التي قالها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير بأن السياق السياسي للحراك هو جزء من سياق الحرب الأميركية التي لم يعد خافياً أن الثورات الملونة أحد أبرز استراتيجياتها المعتمدة في القرن الحادي والعشرين، بعد صدور عشرات الكتب الأميركية عن هذه الاستراتيجية المسماة بالجيل الخامس للحرب، أو بالحرب الناعمة، ولا بقي سراً أن المخطط يبدأ بتوفير بيئة هذه الثورات يبدأ بتفجير الاقتصاد وتدمير النظام المصرفي، بعد الإمساك بمفاصله، وملاحقته بشروط التصنيف إغلاق المصارف، كما أوضح ديفيد شنكر عما فعلته إدارته تمهيداً لتفجير لبنان أملا بإسقاطه فوق رأس المقاومة، والمخطط يمر عبر إنشاء وتشجيع إنشاء وتمويل المئات من تشكيلات جمعيات المجتمع المدني، وربط مصيرها وتمويلها بقضايا تجعلها أدوات صالحة لخدمة مواجهة القوى المستهدفة، مثل الموجة التي شهدناها منذ سنوات تحت عنوان النازحين السوريين ودمجهم لبنانياً. وهو ملف تعتاش عليه مئات الجمعيات وأصبحت بفعله معادية لمصلحة بلدها، أو الترويج للمثلية وتوسيع نطاق المتأثرين بموجتها وتنظيمهم وتحويل غضبهم على رفض المجتمع لهم الى قوة منظمة يجري استخدامها في كل العالم، ولبنان من ضمنه، لتكون الفئة الأشد إخلاصاً للمشروع الأميركي عقائدياً.

– الحديث عن 17 تشرين في السياسة ليس حديثاً عن الشعب الذي خرج لأيام مستبشراً بفرصة تغيير نظيف وبدأ بالجفاف تدريجياً ليبلغ النضوب في شهر، بعدما توضحت الصورة الفعلية للمشروع الذي تشاركت في قيادته وسائل إعلام تم تمويلها وإعدادها ووضعها تحت السيطرة وهي الأشد تأثيراً في لبنان، مع عدد من الكوادر المغمورة التي نشطت في حركة 14 آذار وتحوّلت إلى تشكيل جمعيات مجتمع مدني، تعمل تحت الإمرة الأميركية، تولت وسائل الإعلام التلفزيونية منحها الهواء لتحويلها إلى نجوم، وتسويق خطاب كراهية مملوء بالسباب والشتائم، وتسميته بالخطاب الثوري. فالحديث يدور اذن عن هذه القيادة لـ 17 تشرين، وسائل الإعلام، والتلفزيونية منها خصوصاً، ومعرفتها لا تحتاج الى ضرب مندل، ولا تقييم هويتها وخريطة مواقفها وولاءاتها وصدقية مالكيها، ليست مهمة معقدة، وبالتوازي نجوم الحراك الذين كان مقياس شعبيتهم بالتدرج، بحجم قدرتهم على الفوز بمقاعد نيابية في الانتخابات الأخيرة، ولم تعد متعذرة معرفة أسمائهم ولا تاريخهم ولا فحص صدقيتهم، وقد مضت عليهم نواباً شهور عديدة، بالإضافة طبعاً الى الذين توهموا بالقدرة على تغيير مسار الحراك بصورة إيجابية عبر الانخراط في صفوفه، ودعوا سواهم لهذا الانخراط، وفشلوا في مهمتهم وفي دعوتهم وفي الفوز في الانتخابات.

– مقياس واحد يكفي لفهم حقيقة 17 تشرين، وهو توزع نسبة تركيز وسائل الإعلام القائدة لها، ورموز جمعياتها، والنواب أبرزهم، بين العداء لحزب الله والعداء للسياسات المصرفية، التي أضاعت الودائع بما يقارب مئة مليار دولار، وسرقت الفوائد المتراكمة وهي خمسون مليار دولار، والمسؤولون عنها معروفون وهم قيادات النظام المصرفي، في مصرف لبنان والمصارف، ويسأل السياسيون من بعدهم ويحملون مسؤولية تسهيل السياسات المالية لكل من مصرف لبنان والمصارف، أي المجرم ومن قام بتسهيل الجرم، والعداء هنا يجب أن يكون بالأولوية للمجرم، بالتدرّج للسياسيين بدرجة قربهم من المجرم، فهل من جدال أو سؤال، حول أن عداء قادة الحراك كان بالأولوية لحزب الله وبالتدرج للسياسيين بدرجة قربهم من حزب الله؟

– هذا العداء الذي لا يفسّره زعم التغيير، وقادة الحراك أنفسهم كانوا في زمن التدفق الشعبي حولهم يطلبون من حزب الله المشاركة ويخاطبونه كقوة تغيير، هو العداء ذاته الذي يظهره الأميركي لحزب الله وللقوى السياسية بدرجة قربها منه، ويسير خلفهم كل جماعة أميركا في لبنان، دون أن يكون لديهم أي قدرة على إنكار دور حزب الله في تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي ودوره في مواجهة الإرهاب، وصولاً لدوره في استعادة الثروات البحرية وحق الاستثمار فيها، ولا بالمقابل القدرة على تبرئة المنظومة المصرفية من العمل المنهجي لإسقاط لبنان لحساب الخطة الأميركية، فهل يستطيع أحد منهم تبرير موقفه بغير كونه جزءاً من سياق أميركي لتخريب لبنان؟

لهؤلاء الحق في أن يغضبوا، فهم وتلفزيوناتهم ليسوا أصحاب رأي يخالفون السيد نصرالله كما قالوا، في تقييم الحراك، بل هم جزء من قيادة الحراك التي أدارته بصورة لم ينخدع الشعب اللبناني بها، ولا زالوا يقيسون مواقفهم بقياس البوصلة التي حركتهم يومها، وهي البوصلة الأميركية دون أي شك، ومن يريد البرهان فليسأل عن برامج الديمقراطية التي أدارها آدم ايرلي من الخليج وتدفقت عبرها ملايين الدولارات على التلفزيونات والصحف والمواقع والجمعيات والناشطين؟