ماذا يعني انضِمام الخليل والجنوب الفِلسطيني المُحتل لانتِفاضة “عرين الأسود” المُسلّحة؟
وهل تُؤكّد زيادة الاعتِقالات حالة التمرّد في أوساط أمْنِ السّلطة؟ وأين ستكون العمليّة الفدائيّة القادمة؟
تصاعد منسوب المُقاومة، عددًا، ونوعيّةً، في الضفّة الغربيّة المُحتلّة بات العُنوان الأبرز هذه الأيّام، خاصَّةً بعد انتِقالها، بشَكلٍ سريع، إلى جنوب الضفّة ودُخول مدينة الخليل إلى “عرين الأسود” بعمليّةٍ فدائيّةٍ على حاجِز لمُستوطنة كريّات أربع أدّت إلى مقتل مُستوطن وإصابة خمسة آخرين، واستِشهاد مُنفّذها محمد الجعبري ابن المدينة البار.
بات واضحًا أن نداء قِيادة جماعة “عرين الأسود” لمُختلف المناطق ومُدُن الضفّة بالانخِراط في أعمال المُقاومة، ومُواجهة الاحتِلال، وجد تجاوبًا فوريًّا في عمليّة كريّات أربع في الخليل أوّلًا، وهُجوم آخَر على محطّة حافلات للجُنود الإسرائيليين في مدينة أريحا ممّا أدّى إلى مقتل جُندي وإصابة خمسة آخَرين دهسًا.
انضِمام مدينة الخليل وأُسودها إلى أشقّائهم في نابلس وجنين، ربّما تأخّر قليلًا، ولكن هذا ليس جديدًا، فالخليل مِثل الفيل الضّخم، حركته ربّما تكون بطيئة في بِداياتها، ولكنّها عندما تتسارع يَصعُب إيقافها أو السّيطرة عليها، وتكتسح كُل شيء أمامها، وإرث الانتِفاضَتين الأُولى والثانية يكشف الكثير من الحقائق في هذا المِضمار.
أهل الخليل يتّسمون بالشّجاعة والصّلابة والإيمان، ومدينتهم تُشَكّل مخزونًا بشريًّا ضخمًا، (عدد سكّان مُحافظة الخليل 802172) وفي حالِ احتِكاك وتداخُل دائم مع الاحتِلال، ومُستوطناته، وقدّمت مِئات الشّهداء في انتِفاضة القدس، وقبلها انتِفاضة الحِجارة، ومُستوطنات الاحتِلال لا تَبْعُد إلا أمتارًا عن المدينة، علاوةً على وجود مُخيّمين للّاجئين (العروب والفوار) في أطرافها.
عندما أعلنت حركة التّحرير الوطني الفِلسطيني “فتح” في بيانٍ لها عن الإضراب العام تحيّةً للشّهيد الجعبري، كانَ الالتِزام كامِلًا، من قِبَل تجّار المدينة وطبَقتها الوُسطَى، وجميع سكّانها، والأهم من ذلك أن هذا الالتِزام جاء بمُباركة حركة “حماس” ذات الوجود القويّ فيها، ويجب علينا ألا ننسى أنّ نُواة كتائب القسّام” قد تبلورت في أحيائها.
جهاز الأمن الدّاخلي الإسرائيلي “الشاباك” في حالةِ قلقٍ ورُعب من انضِمام مدينة الخليل وضواحيها إلى مجموعات “العرين” وكتائب جنين، وعودة ثقافة المُقاومة المُسلّحة الجديدة والمُتطوّرة بقُوّةٍ إلى الضفّة الغربيّة كرَدٍّ وطنيٍّ على فساد السّلطة وتواطُئِها مع الاحتِلال، وموجات التّطبيع العربي الرّسمي الآخذة بالتوسّع، وثَبُتَ بالدّليل القاطِع أنّ جرائم الاحتِلال واغتِياله للشّباب المُقاومين بات يُعطي نتائج عكسيّة، ويُصَعِّد من عمليّات المُقاومة، ويُوسّع من دائرة هجَماتها، ويُعَزّز صلابة والتِفاف حاضِنتها الشعبيّة، وتفريخ المزيد من المُقاتلين الشّباب.
تزايد عمليّات الاعتِقال في صُفوف قوّات الأمن الفِلسطينيّة، وضُبّاطها وكوادرها على وجْه الخُصوص، بتُهمة الانضِمام إلى “عرين الأسود” أو دعمها بالخبرة والسّلاح بشَكلٍ مُباشر أو غير مُباشر، يُعزّز النظريّة التي تُؤكّد تصاعد حالة “التمرّد” في أوساطها، وهذا تطوّرٌ على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة يُحاكي ما حدث لنظيرتها، أيّ قوّات الأمن، في الانتِفاضة المُسلّحة الأولى بعد عام ألفين، عندما انضمّ كوادرها إلى هذه الانتِفاضة بتَوجيهٍ من الرئيس الشّهيد ياسر عرفات بعد فشل مُؤتمر كامب ديفيد.
نحن الآن أمام ظاهرة لافتة تتجسّد في إعادة انبِعاثِ وصُعود كتائب شُهداء الأقصى، ومُصالحة وتنسيق مُضاد بين جماعات المُقاومة الشابّة الجديدة غير المُؤطَّرة فصائليًّا أو أيديولوجيًّا، وعلى أرضيّة تحريم سفْك الدّم الفِلسطيني، وعدم الصِّدام مع السّلطة وقوّاتها، أو أيّ فصيلٍ آخَر، ووضع الخِلافات جانبًا والتّركيز على العدوّ المُحتَل.
الضفّة الغربيّة تشهد الآن انبعاث حركة مُقاومة توحيديّة جديدة، حركة تحرير وتغيير في الوقتِ نفسه، تغيير النّهج المُقاوم السّابق وتطويره وِفْقَ حُزمة قيم وقواعد اشتِباك جديدة كخطوة أساسيّة استباقيّة ضروريّة لتحرير الأرض المُحتلّة، وهذا ما يُفَسِّر اتّساع شعبيّتها في الأراضي المُحتلّة عام 1948 وفي الضفّة والقِطاع والشّتات أيضًا.. والأيّام القادمة حافلةٌ بالمُفاجآت.
“رأي اليوم”