.. ومن “يداهم” النظام الفاسد و”غير المطابق”؟
عماد مرمل ـ "
مرة أخرى، يتبدى هُزال النظام السياسي اللبناني وتفوح منه الروائح الطائفية الكريهة، في دليل إضافي على انتهاء تاريخ صلاحيته.
هو نظام فاسد، غير مطابق للمواصفات، لا يجيد سوى انتاج الازمات السامة والحروب الموسمية. لكن المفارقة، انه يحظى منذ تأسيسه وحتى أجل غير مسمى بالحماية والحصانة اللتين تمنعان سحبه من السوق ووضعه في الحجر الصحي، حيث يُفترض ان يكون مكانه الطبيعي.
هنا، لا مكان لـ "كبسات” الوزير وائل ابو فاعور وحملة "سلامة الغذاء” التي يقودها، برغم ان "منتوجات” النظام تزدحم بـ "السالمونيلا” الطائفية والمذهبية وغيرها من البكتيربا المضرة بالصحة الوطنية.
هنا، يصبح النظام أقوى من أي اصلاح حقيقي، مستفيدا من تواطؤ الكثيرين معه، وأكثر من ذلك، هو أثبت أيضا قدرته حتى على التهام التسويات الظرفية، التي لا يبقى منها في نهاية المطاف سوى "هياكل عظمية”، كما هي حال اتفاق الطائف، على سبيل المثال لا الحصر.
وما زاد الوضع سوءا هو ان الفراغ لم يعد داخليا فقط، بل اصبح إقليميا ودوليا بفعل التحولات الدراماتيكية التي طرأت على أحوال الدول الراعية للنموذج اللبناني "الفريد”.
وإذا كانت التسويات الداخلية قد ارتبطت في الماضي بأسماء عواصم ومدن، مثل دمشق والطائف والدوحة والقاهرة وطهران وواشنطن وباريس وسان كلو... فان معظم هذه المرجعيات الخارجية فقدت على مدى السنوات القليلة الماضية الكثير من عناصر القوة والتأثير، بفعل الرياح العاتية التي هبت على المنطقة، ما جعل النظام اللبناني يفتقر الى "الحضانات” و "الوصايات” التي كانت تنظم الصراعات بين مكوناته.
وإزاء انسداد الافق الخارجي، يقول أحد ظرفاء السياسة: لعله لم يتبق امام اللبنانيين سوى ان يطرقوا باب دولة عُمان لعلهم يجدون فيها "وصفة طبية” لتمرير هذه المرحلة الصعبة، وهي التي نجحت من قبل في جمع ولاية الفقيه والشيطان الاكبر (طهران وواشنطن) وإطلاق المفاوضات بينهما حول الملف النووي، لا سيما ان حاكم عُمان ينتمي الى مذهب "الأباضيين”، اي انه خارج الاصطفاف السني ـــ الشيعي.
وفي الانتظار، لم يكن ينقص هذا النظام سوى ان يغرق مؤخرا في وحول الشغور، ليضيف الى لائحة فضائحه الكثيرة، واحدة جديدة.
كان يكفي ان يتعذر انتخاب رئيس الجمهورية على مدى عشرة أشهر حتى تتكشف كل العلل وتتداعى كل المؤسسات، وصولا الى التخبط بآلية عمل هجينة للحكومة التي تحول كل وزير من وزرائها الـ24 الى "رئيس”، حتى إشعار آخر، انتقاما من الشغور!
وعندما حاول الرئيس تمام سلام ان يعيد طرح آلية التوافق الإلزامي في اتخاذ القرار، على بساط البحث، استنادا الى تجربته المريرة معها، اصطدم بمقاومة شرسة، من وزراء مسيحيين داخل حكومته، ومن بكركي خارجها، تحت شعار ان الاولوية يجب ان تكون لانتخاب رئيس الجمهورية، وليس لتفعيل الحكومة التي يجب ألا تبارح نطاق تصريف الاعمال الى.. تصريف الأفعال.
سريعا، تحولت الآلية الى "خط تماس”، يضخ الهواجس، ويصنع التكتلات، ويفرز المتاريس الطائفية على جانبيه، ويعوّم أدوارا سياسية.
يحصل ذلك، باسم الدفاع عن موقع رئاسة الجمهورية ورفض الشغور فيه، أما المفارقة الكــبرى فــهي ان هناك من لا يتردد في الاعتراض على اي محاولة لتنــشيط عـمل المؤسسات الدســتورية الاخرى، ما دام قــصر بعــبدا مسكونا بالاشباح.
ولا يخفي مرجع سياسي بارز انزعاجه الشديد من "تعميم الشلل” الذي راح يتمدد تدريجيا من الرئاسة الاولى الى مؤسستَي مجلس النواب ومجلس الوزراء، بحجة انه من غير الجائز ان تبدو الدولة "طبيعية”، في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية، معتبرا ان هذا الطرح لا يعدو كونه بدعة، يراد تكريسها بذريعة الحفاظ على التوازن الداخلي، وكأن التوازن في التعطيل والشلل هــو الذي يأتي بالرئيس.
ويشدد المرجع على ان التوافق بين المسيحيين هو نصف الطريق الى انتخاب الرئيس، في حال "لبننة” الاستحقاق، لكن المفارقة ان الاطراف المسيحية المعنية لا تكتفي فقط بالاخفاق حتى الآن في التفاهم على مرشح، وإنما تريد في الوقت ذاته "تعليق” العمل بالمؤسسات الدستورية اعتراضا على استمرار الشغور، تحت طائلة اتهام من يسعى الى تنشيط هذه المؤسسات بالرغبة في اختزال موقع رئاسة الجمهورية.
ويكشف المرجع عن تململ متزايد لدى الرئيس نبيه بري والرئيس تمام سلام من هذا الواقع، لكنهما برغم ذلك لا يزالان حريصين على مقاربته بتأنٍّ شديد، تجنبا لتحريك الحساسيات المسيحية التي بلغت حدها الاقصى مع تعذر انتخاب الرئيس.
ويستغرب المرجع ما كان يقال عن سعي لدى بعض المسلمين الى المثالثة، في حين تبين بالتجربة ان رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة غير قادرين على تفعيل نشاط هاتين المؤسستين، مراعاة لمشاعر جزء من المسيحيين، فكيف بتغيير تركيبة النظام؟