محور المقاومة يُبادر في سوريا: القواعد الأميركية تشتعل و"إسرائيل" تؤازر
جو غانم
يبدو جليّاً أنّ الجيش العربيّ السوري وحلفاءه في قوى محور المقاومة العاملة في الشرق السوريّ وغربيّ العراق يصرّون على الأخذ بزمام المبادرة والضغط بكثافة على قوات الاحتلال الأميركيّ والميليشيات العاملة معها.
بعد يومين من التصعيد العسكريّ اللافت ضد القوات الأميركية المحتلة أجزاء من الشرق السوريّ، وبعد وضوح الوضع الحرج جدّاً الذي دخلت فيه تلك القوات بعد إمطار عدد من قواعدها العسكرية بالصواريخ والقذائف التي أدّت إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوفها، بادرت القوات الجوية التابعة للقاعدة العسكرية الاستعمارية "إسرائيل" إلى التدخّل في مهمّة عاجلة هدفت إلى إنقاذ "السيّد الأميركيّ"، وتوجيه رسالة واضحة مفادها أنّ أيّ محاولات لطرده من سوريا ستؤدّي إلى حرب شاملة تنخرط فيها جميع الأطراف في المنطقة، وعلى رأسها كيان الاحتلال المؤقّت.
لذلك، جاءت الاعتداءات الإسرائيلية على ريفي طرطوس وحماه مساء الخميس 25 آب/أغسطس هذا الشهر، كواحدة من أعنف الهجمات التي شنّها سلاح جوّ الاحتلال في الأشهر الأخيرة على الأراضي السورية.
منذ قمّة طهران الثلاثية التي جمعت ثلاثي آستانة، إيران وروسيا وتركيا، قبل أكثر من شهر، ودخول الدول الثلاث في مسار تفاوضيّ تسوويّ يهدف إلى إحداث خروق بارزة ومؤثّرة في جبهة الصراع السوريّ مع الاحتلال التركيّ، وتقدّم المبادرات الإيرانية - الروسيّة بشكل إيجابيّ واضح على هذا الصعيد، واتفاق الدول الثلاث على ضرورة إخراج القوات الأميركية من سوريا، لأنها قوّات احتلال ونهب في نظر دمشق وحلفائها من جهة، ولكونها تُشكّل العامل الأبرز في دعم التنظيمات الكردية وتقوية موقفها في المنطقة وفي وجه أنقرة من جهة أخرى.
منذ ذلك الوقت إذاً، تصاعدت الهجمات التي تنفّذها جهات "مجهولة" معلومة للجميع على القواعد الأميركية في الشرق السوريّ، إذ تلقّت قاعدة "التنف" الأميركيّة وحدها أكثر من 3 هجمات منذ بداية هذا الشهر، لعلّ أعنفها الهجوم المزدوج الذي حدث يومي 14 و15 من آب/أغسطس الجاري بأسراب من الطائرات المسيّرة التي استهدفت القاعدة نفسها ومحيطها، حيث تتمركز قوات "مغاوير الثورة" المشكّلة من فلول المجموعات السورية الإرهابية المسلّحة والمُدرّبة أميركيّاً، والتي تحرس القاعدة وتنفّذ هجمات بالتنسيق مع تنظيم "داعش" الإرهابيّ على قوات الجيش العربيّ السوريّ وحلفائه في البادية السورية بين الفينة والأخرى.
وقد تلا ذلك استهداف "قاعدة حقل العمر" الأميركية بهجومين صاروخيّين، لتردّ قوات الاحتلال الأميركيّ بغارات جويّة عنيفة على مستودعات للأسلحة في منطقة "عيّاش" الواقعة على بُعد 10 كيلومترات إلى الغرب من مدينة دير الزور، وتعلن على لسان الناطق باسم "القيادة المركزية للجيش الأميركي" (سينتكوم)، الكولونيل جو بوتشينو، أنّ الضربات في محافظة دير الزور استهدفت "منشآت بنى تحتية تستخدمها مجموعات مرتبطة بحرس الثورة الإيرانيّ"، وأنّ هذه "الضربات الدقيقة تهدف إلى حماية القوات الأميركية من هجمات على غرار تلك التي نفّذتها مجموعات مدعومة من إيران في 15 آب/أغسطس ضد عناصر من الولايات المتحدة، من دون أن تؤدي إلى وقوع إصابات في صفوفها". وأشار بوتشينو في تصريح لافت إلى أنّ هذا الهجوم تمّ بأمرٍ مباشر من الرئيس الأميركيّ جو بايدن.
كما أنّ اللافت هنا أيضاً أنّ عبارة "جهات مجهولة" اختفت من البيان الأميركيّ، ليجري توجيه الاتهام بشكل مباشر إلى طهران، من خلال ما أطلق عليه الناطق الأميركي "مجموعات مدعومة من حرس الثورة"، وهو الأمر الذي نفاه الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، الذي دان هذا الاعتداء الأميركي واعتبره "انتهاكاً لسيادة سوريا وسلامة أراضيها" و"عملاً إرهابيّاً أميركيّاً ضد الجماعات الشعبية والمقاتلين ضد الاحتلال"، ونفى وجود أي علاقة مباشرة بين هذه المجموعات المقاوِمة والجمهورية الإسلامية الإيرانيّة.
وكانت واشنطن قد اعتمدت صفة الادّعاء ضد "قوى مجهولة" بشكل رسميّ منذ صدور التقرير الاستخباريّ النصفي للعام 2021، إذ توقّعت الاستخبارات الأميركية أن تواجه قواتها التي تحتل أجزاء من سوريا والعراق هجمات متصاعدة من جهات لن تعلن عن أسمائها بشكل صريح، وهو ما حصل بالفعل، إذ تُقدم عموم قوى محور المقاومة في سوريا والعراق على تنفيذ هجمات صاروخية وبالطائرات المسيّرة على مواقع لجيش الاحتلال الأميركيّ، من دون أن تعلن أيّ جهة عن مسؤوليتها عن الهجوم باسمها الصريح، بل تصدر بيانات تحمل أسماء مجموعات غير معروفة، مثل "المقاومة السوريّة" أو "المقاومة العراقية".
جاء إعلان الناطق باسم "القيادة المركزية للجيش الأميركي" الكولونيل جو بوتشينو عن وقوف الجيش الأميركيّ خلف الهجمات العنيفة على مستودعات "عيّاش"، وتبيان وضع تلك المستودعات وأهميتها، وتحديد عدد المستودعات التي جرى استهدافها، ثم إقحام اسم الرئيس جو بايدن في البيان، كرسالة من واشنطن تكشف عزمها الردّ بقوّة على أيّ هجومات تطال مواقعها وقواعدها في المنطقة، ما يكشف قلقها البالغ من معلومات ومعطيات مؤيّدة بالوقائع تفيد بأنّ الهجمات على المواقع الأميركية سوف تأخذ بالتصاعد بشكل أكثف وأعنف في المرحلة القريبة القادمة، وأنّ القرار بالضغط العسكريّ على القوات الأميركية لإخراجها من الشرق السوري تحت النار لا رجعة عنه لدى دمشق وحلفائها في محور المقاومة، كما لدى موسكو، وهو الأمر الذي جرى تظهيره ميدانيّاً بعد ساعات قليلة على قصف مستودعات "عياش"، إذ أمطرت قوى المقاومة في المنطقة الشرقية من سوريا قواعد الاحتلال الأميركي في قاعدتي "حقل كونيكو" للغاز و"قاعدة حقل العمر النفطي" بعشرات الصواريخ والقذائف.
وقد جاء الاستهداف هذه المرة في عمق تلك القواعد، لا في محيطها أو على أطرافها، كما حدث في هجمات عديدة سابقة، وأسفرت تلك الهجمات عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف قوات الاحتلال الأميركيّ، وسط إنكار أميركيّ تام لهذا الأمر، إذ أعلنت واشنطن سقوط 3 جرحى فقط في صفوف قواتها، فيما تفيد معلوماتنا بسقوط قتيلين أميركيين على الأقل وأكثر من 3 جرحى، لتردّ القوات الأميركية من جديد، وتقصف مواقع سوريّة في منطقتي حويجة صكر وحويجة كاطع قرب دير الزور، كما أعادت قصف مستودعات "عياش"، في هجوم جديد يهدف إلى تدمير أكبر عدد من مستودعات السلاح هناك، بهدف التقليل من قدرة مجموعات المقاومة على استخدام تلك الصواريخ والأسلحة ضد المواقع الأميركية.
تولي واشنطن أهمية كبيرة لمستودعات "عياش" تلك، وقد سبق أنْ خاضت معركة إلى جانب تنظيم "داعش" الإرهابيّ في أوائل العام 2017، وذلك عند قيامه بهجمات عنيفة جدّاً تهدف إلى السيطرة على ذاك الموقع الاستراتيجي في قرية "عياش"، لكنّ قوات الجيش السوري التي كانت تتمركز هناك في ذلك الحين دافعت ببسالة عن مواقعها، ليقوم الطيران الأميركيّ بغارات عنيفة جدّاً على مواقع الجيش العربي السوري، ويتمكّن تنظيم "داعش" من السيطرة فعلاً على المنطقة بعد يومين فقط من الغارات الأميركية، ليجري تحرير الموقع لاحقاً على يد قوات الجيش السوري وحلفائه في قوى المقاومة، وعلى رأسها حزب الله اللبنانيّ، وتعود تلك المنطقة إلى أهميتها الاستراتيجية السابقة، ما دفع سلاح الجوّ التابع لكيان الاحتلال الإسرائيليّ الموقّت إلى تنفيذ غارات على الموقع في أوائل العام 2021.
لم يتوقف التصعيد في الأيام الثلاثة الأخيرة بعد الهجمات الأميركية، إذ يبدو جليّاً أنّ الجيش العربيّ السوري وحلفاءه في قوى محور المقاومة العاملة في الشرق السوريّ وغربيّ العراق يصرّون على الأخذ بزمام المبادرة والضغط بكثافة على قوات الاحتلال الأميركيّ والميليشيات العاملة معها، فقد جرى استهداف قاعدة "حقل العمر النفطي" صباح يوم الجمعة 26 آب/أغسطس بهجومٍ بالطائرات المسيّرة في عمق القاعدة، كما أعلنت وكالة "سبوتنيك" الروسيّة صباح اليوم نفسه "سيطرة أبناء القبائل العربيّة على حقل نفط شرقيّ سوريا، عقب اشتباكات عنيفة مع مسلّحين موالين للجيش الأميركيّ ومكلّفين منه بحماية حقل النفط انتهت بانسحاب الأخيرين من الحقل".
والمعروف أنّ قوى المقاومة المحلية المؤلّفة من أبناء القبائل العربية في شرق البلاد باتت جزءاً أساسيّاً من المقاومة السورية ضد الاحتلال الأميركيّ، إذ يقوم الجيش العربي السوريّ وقوى محور المقاومة الموجودة في الشرق بتدريب هؤلاء المقاومين وتسليحهم والإشراف عليهم.
من الواضح أنّ مرحلة جديدة بدأت من عمر الصراع مع المحتل الأميركي وأعوانه في سوريا والعراق والمنطقة، وهي مرحلة ستشمل أحداثها وتداعياتها عموم قوى الاحتلال والاستعمار في المنطقة، ويمكن التأكيد على هذا الصعيد، بناءً على معلومات خاصة ومعطيات في الميدان، أنّ قوى محور المقاومة بدأت استنفاراً عسكريّاً بنسبة 100% في الأيام الأخيرة في عموم بلدان المحور، في ما يشبه الاستعداد لحربٍ شاملة قد تبدأ في أيّ لحظة، وعلى جميع الجبهات مع المحتلّين الأميركيّ والإسرائيلي وأعوانهما في المنطقة.
والجدير بذكره هنا، وبناءً على معلومات خاصة وردت من شمال سوريا، أنّ نزوحاً سكانيّاً باتّجاه مدينة اللاذقية بدأ في الأيام الأخيرة من منطقة "كباني" وجوارها في ريف اللاذقية الذي تسيطر عليه ميليشيات إرهابيّة مدعومة تركيّاً وأميركيّاً، بعد سريان معلومات عن قرب بدء عملية عسكرية واسعة في المنطقة تهدف إلى تحرير ريف اللاذقية بالتزامن مع هجوم على مناطق جبل الزاوية.
وبالتوازي مع ذلك، فإنّ الجيش العربي السوري والقوى الرديفة له والحلفاء في محور المقاومة بدأوا بالحشد على جميع الجبهات، خصوصاً في الشرق والشمال السوريين. ومن المتوقع أنْ تتصاعد الهجمات وتتكثّف على قواعد الاحتلال الأميركيّ وميليشيات "قسد" للدفع باتّجاه طرد المحتل الأميركيّ من الشرق ووضع "قسد" أمام استحقاقات جديدة تعيدها إلى الواقع بعيداً من الأوهام الأميركية.
في الجبهة المقابلة، فإنّ تأكيد الرئيس الأميركي جو بايدن في ساعات لاحقة، وبشكل شخصيّ، كلام الناطق باسم القيادة العسكرية الأميركية، لجهة تصديره أمراً مباشراً بالهجوم على مستودعات "عياش" في دير الزور، ثم الهجوم الإسرائيليّ العنيف على مواقع سورية في ريفي طرطوس وحماه، بالتزامن مع تصعيد في الجنوب السوريّ، تمثّل في هجوم نفّذه مسلّحون على موقع عسكريّ سوريّ في منطقة القوس في مدينة "طفس" في ريف درعا، وأسفر عن إصابة 3 عسكريين سوريين بجروح، جميعها معطيات تؤكّد أنّ المنطقة ذاهبة باتّجاه التصعيد، وأنّ الحرب باتت خيار الجميع.
ويبدو أنّ محور المقاومة هو الأكثر استعداداً وتلهّفاً لهذا الخيار، فحتى على المستوى الشعبيّ في سوريا على سبيل المثال، يرى الناس هنا ما رآه وأعلنه السيد حسن نصر الله في خطاب سابق له قبل نحو أسبوعين من أن الحرب الشاملة مع المحتلَّين الإسرائيلي والأميركي هي "أشرف" الخيارات الآن، وأنّ الاستمرار في الوضع الحالي ما عاد ممكناً ولا مقبولاً.