تركيا… بين سورية وروسيا إلى متى…؟!
د. جمال زهران
تعتبر دعوة الرئيس بوتين، لأردوغان، للقاء ثان في سوتشي، بعد ثلاثة أسابيع من اللقاء الثلاثي في قمة طهران، أمراً بالغ الأهمية، تعكس إصراراً واضحاً وصريحاً ومباشراً من جانب روسيا، لإنهاء الأزمة السورية بصورة حاسمة، لا تقبل ميوعة أو مماطلة أو تأجيلاً.
فقد تضمّنت مقرّرات قمة طهران التي انعقدت بعد ثلاثة أيام من قمة جدة، وكذلك البيان الختامي الصادر عن هذه القمة، أنّ من بين القضايا الحاسمة واجبة التنفيذ بسرعة وحسم، هي الأزمة السورية. ويستلزم ذلك، انسحاباً تركياً من الأراضي السورية، وإنهاء الاحتلال التركي لجزء من أراضي سورية، تصل نسبتها بين 10-15%، في الشمال الغربي حتى الشمال السوري، حتى تستقرّ المنطقة، وتعود سورية إلى ممارسة دورها القيادي في الإقليم والمنطقة العربية.
في نفس الوقت فإنّ ذلك يساعد في اتجاهين، ممارسة الضغوط على أميركا للخروج من الشمال السوري (الزور والرقة إلخ…)، وفكّ السيطرة على البترول السوري، وفي نفس الوقت فإنّ الضغوط ستستمرّ على الكيان الصهيوني، لوقف عدوانه المتكرّر على سورية، ومن ثم تعود سورية إلى ممارسة دورها، وتحلّ أزماتها الاقتصادية الداخلية التي وصلت إلى متاعب حقيقية للشعب السوري، وسط الحصار الأميركي الأوروبي الظالم، بقوانين من جانب واحد، تفتقر إلى أبسط درجات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها «قانون قيصر».
فالقضية الآن في ملعب أردوغان، حيث لم تعد أمامه من فرصة جديدة في التهرّب من مسؤولياته، لتخفيف حدة التوتر في الإقليم، والبداية هي الانسحاب من الأراضي السورية لحدود ما قبل اندلاع الأزمة في سورية، في مارس/ آذار 2011، والتطورات اللاحقة التي بدأت بحشد الإرهابيين المدعومين من أجهزة المخابرات الأميركية والغربية والمموّلين من دول عربية اعترفت بذلك علناً ورسمياً، وتسعى لغسل يديها مما حدث الآن.
ومن خلال حصر أوّلي، فإنّ اللقاء الأخير في سوتشي هو الثالث في ذات المكان (سوتشي)، حيث عُقد اللقاء الأول في 17 أيلول/ سبتمبر 2018 بين بوتين وأردوغان، بعد انطلاق مسار أستانة في يناير/ كانون الثاني 2017، لحلّ الأزمة السورية.
وكان قد تمخض عن اللقاء الأول بين الرئيسين (الروسي/ التركي)، الاتفاقية الخاصة بمناطق خفض التصعيد، ونزع السلاح الثقيل من مسلحي النصرة في إدلب وجوارها. وفي ضوء هذه الاتفاقية، كان قد أنشئ (12) مركز مراقبة عسكرية للجيش التركي في المنطقة. ومن أسف بدلاً من التزام تركيا بالتنفيذ، فإنها أنكرت ذلك وأمرت قواتها بالتوغل في المنطقة في يناير/ كانون الثاني 2018، فسيطرت على مدينة عفرين والمناطق المجاورة لها، في أبريل/ نيسان 2018. ثم تناسى أردوغان الاتفاق الذي كان قد حدّد له شهراً واحداً لالتزام تعهّداته في إدلب، وقام بالتوغل شرق الفرات في أكتوبر/ تشرين الأول. عام 2019، للمرة الثانية بغطاء أميركي أصلاً، كما حدث في عفرين، وجرابلس، في أغسطس/ آب عام 2016. فقامت قوات أردوغان بالسيطرة على المنطقة الممتدة من تل أبيض إلى رأس العين بطول نحو (100) كيلو متر، وعمق يصل إلى 30 ك.م، وبدعم من الفصائل السورية المختلفة، وذلك بحجة إبعاد الميليشيات الكردية من الحدود مع تركيا.
ثم كان اللقاء الثاني في (سوتشي)، في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بعد أكثر من عام بأسابيع، من اللقاء الأول، وذلك إثر قيام قوات الجيش التركي بالتوغل في شرق الفرات، الأمر الذي فرض من تركيا/ أردوغان، ورقة وعنصراً رئيسياً في حلّ المعضلة السوية، خصوصاً في منطقة الشمال الشرقي. فقد سيطر الجيش التركي بالتنسيق والتعاون مع ما يسمّى «الجيش الوطني السوري». الذي أسّس في أنقرة في سبتمبر/ أيلول 2019، على نحو 9-10% من الأراضي السورية شرق الفرات وغربه!! ولم يتوقف الجيش السوري، حيث تحرك لتحرير بعض البلدات المجاورة في إدلب، اعتباراً من صيف 2019، لتصبح أنقرة أمام تحدّ جديد اعتباراً من صيف 2019، في علاقاتها بموسكو، خصوصاً بعد مقتل 36 عسكرياً تركياً في قصف جوي في فبراير/ شباط، 2020، الأمر الذي دفع بالرئيس التركي أردوغان، لزيارة موسكو على عجل ليوقع مع الرئيس بوتن في 5 مارس/ آذار 2020، اتفاقاً جديداً، بشأن إدلب وجوارها، كان من شأنه حدوث هدوء واستقرار نسبي. ولكن من أسف، ظلّ الموقف التركي على ما هو عليه، حيث الاستمرار في احتلال أراضي سورية، رغم اتفاقيات سوتشي 1 و 2، وموسكو، وقمم عديدة بين بوتين وأردوغان، بعضها كان الرئيس الإيراني طرفاً رئيسياً في عهود ورؤساء إيران المتعاقبين، وجميع هذه الاتفاقيات أقرّت احترام استقلال الجهورية العربية السورية وسيادتها ووحدة أراضيها.
والسؤال: هل سيلتزم أردوغان، بوثيقة لقاء (سوتشي) الجديد، بين بوتين وأردوغان، وينسحب من الأراضي السورية، تمهيداً لإنهاء الأزمة السورية؟! وفي تقديري أنّ ضغوط موسكو على أنقرة، بعد لقاء طهران الثلاثي، ستكون أكثر فاعلية في ضوء التداعيات والتطورات الحادثة في الإقليم والنظام الدولي، وبالتالي فإنّ احتمال التزام أردوغان المراوغ، بما يتمّ الاتفاق عليه هذه المرة، سيكون كبيراً، لأنّ العواقب لا تعمل في صالحه، وذلك جوهر المقال المقبل.