من كان يعني الحسين(ع)
في خطابه
حسين شريعتمداري
1 ـ حين بلغ به السير في تلك الصحراء الملتهبة تمهل قليلاً وتوقف الفرس عن الاستمرار في حركته، في الوقت الذي لا تختلف هذه البقعة من الصحراء عن مثيلاتها، فالطريق الذي قُطع كان مملوءاً بالحصى الساخنة لمواجهتها لشعاع الشمس طوال النهار فيما السماء ملتهبة لشدة الحر، الا انه كان يرى امراً آخر ما دفعه لسحب لجام الفرس! فنظر الى الافق البعيد فرأى رجلاً هرماً فاتجه إليه ليسأله؛ أتعرف هذا الموضع؟ فاجاب انها الغاضرية فقال، وهل لها اسم آخر؟ يطلقون عليها كذلك "نينوى" وشاطئ الفرات. فجميع العلامات التي كان يراها ولا يراها غيره، كلها تشير الى تلك الارض التي ذكروها له... ولكن لم يكن هذا هو عنوان تلك البقعة، فسأل مرة ثانية؛ وهل لها اسم آخر؟ فقال الرجل الهرم: ان هذه الارض يطلق عليها كذلك "كربلاء". فتنفس الفارس الصعداء من اعماق القلب، متمتماً؛ "انها ارض كربٍ وبلاء..."... الصحراء التي سمع من جده عنها، وتمهل أبيه أمير المؤمنين عليه السلام حين رجوعه من صفين، فترجل يشم التربة ويقبلها باكياً، يقول؛ ها هنا موضع رحالهم، ومناخ ركابهم. وأومأ بيده الى موضع آخر فقال: ها هنا مهراق دمائهم... انه المكان الذي وعد به... وتصله الركبان، انه المكان الذي سيقع فيه اكبر حادث تاريخي ويحدد مصير الامة بعد بعثة رسول الله(ص)، وتقرير مصير حدث بعد بعثة الرسول وهي الاولى، وقبل قيام قائم آل محمد (ارواحنا له الفداء) وهي الثالثة.
فاعطى قائد القافلة امر الترجل وانزال الاحمال ونصب الخيم. فالحسين(ع) كان يعلم ان الغاية هنا وان الواقعة التي اخبروه عنها ستحدث في هذا الوادي... وبعد ثمانية أيام، وقعت الواقعة العظيمة في العاشر من محرم عام 61 للهجرة و...
2 ـ جانب من توجيهات سماحة القائد حيث قال؛ "ان جوهر واقعة عاشوراء يكمن في ان دنيا ملأته الظلمة والفساد والحيف، ينبري الحسين بن علي عليهما السلام لانقاذ الاسلام وفي هذه الدنيا الواسعة، لا أحد يلبي دعوته بالنصرة! حتى اصدقائه اي الاشخاص الذين كان بامكانهم ان ينفروا العديد من الرجال معهم لنصرة الحسين(ع)، ومقاتلة يزيد، فكل أتى بعذر ليناى بنفسه عن ساحة القتال ويفر بعيداً! ... فابن عباس من جهة، وعبدالله بن جعفر من جهة اخرى، وعبدالله بن الزبير، وسائر كبار القوم من الصحابة والتابعين كل يمم وجهه وجهة ما... فالشخصيات المرموقة المعروفة ممن كان بامكانهم ان يغيروا نتيجة المعركة، كل نأى بنفسه بذريعة هذا في الوقت الذي حين الكلام كان كل منهم يتحدث عن الدفاع عن الاسلام. ولكن حين جاء وقت العمل وشاهدوا قساوة حكومة يزيد ومدى عنفها وقرارها بعدم امهال احد او الاشفاق عليه، وفر كل منهم الى جهة غير معلومة، وتركوا الحسين(ع) وحيداً في ساحة المعركة. ولاجل ان يبرروا افعالهم جاءوا عند الحسين بن علي (ع)، واصروا عليه ان يتخلى هو كذلك عن فكرة الحرب وان لا يمضي في حرب يزيد". فلماذا حصل ذلك؟! لنقرأ:
3 ـ كذلك كما تفضل سماحة القائد؛ "الاهم من دروس عاشوراء هو ما نستفيده من عبر". فالدروس التي نأخذها من عاشوراء هي الدقة في الكلام والتعامل وسلوك العاشورائيين... من سيد الشهداء(ع) الى الامام السجاد(ع)، وابي الفضل العباس، وعلي الاكبر والقاسم بن الحسين وزهير بن قين، وحبيب بن مظاهر، ومسلم بن عوسجة، والحر، ووهب، وجون و... والى زينب عليها السلام و... فأقوالهم وسلوكهم في مواجهة هذا الحدث الجلل ينبغي ان يكون درساً للشيعة لاسيما جميع الكربلائيين الذين لم يصلوا ذلك اليوم الى كربلاء فيما تردد قلوبهم والسنتهم "يا ليتني كنت معكم".
4 ـ إلا ان للعبرة حساب آخر. فالعبرة مشتقة من العبور. اي اجتياز ظاهر حدث والدخول لباطنه، وهكذا يشتق اصطلاح الرؤيا من هذه المقولة و... فالاعتبار من واقعة عاشوراء يعني العبور من ظاهر الواقعة العظيمة وكشف علة وقوعه. وما الذي حصل في المجتمع الاسلامي حينها من تغيير ليتم قتل حفيد الرسول (ص) تلك القتلة الفجيعة في فترة لم تتجاوز الخمسين عاماً اي من رحلة الرسول عام 11 للهجرة الى حصول الواقعة عام 61 للهجرة؟! ولماذا هيمن الصمت على الناس في تلك الفترة؟! ولماذا ليس لم ينصر الخواص ذلك الزمان أحقية الحسين بن علي (ع) وحسب بل حتى لم يصدر منهم اي صوت معارضة؟!...
ولماذا بعد ألف وعدة مئات من السنين قام الشعب الايراني بالتأسي من عاشوراء قاموا بأيد عزلاء ضد حكومة مدججة بالسلاح وترعاها جميع القوى الصغيرة والكبيرة في العالم، فقلبوا بساط الظلم وها هم يواجهون المؤامرات متحدين امام جميع القوى العالمية معلنين عن صمودهم؟!
5 ـ فكان للخواص الملوثين بحلاوة الدنيا وزبرجها البعيدين عن التعاليم الاصيلة للاسلام، دور بارز في حصول واقعة عاشوراء. الخواص هم من يعرف الموضوع ويعلمون ماذا يفعلون.
فما الفارق بين الخواص الملوثين منذ صدر الاسلام مع بعض الخواص الملوثين خلال فترة الثورة الاسلامية؟ فلم تكن تعاليم الاسلام في صدر الاسلام وفترة شهادة ابي عبدالله (عليه السلام) كما هي اليوم في وسعتها اذ كان الناس ينظرون الى افواه الخواص ليكسبوا تكاليفهم. من هنا لما كان احدهم او عدة منهم يبتعد عن خط الاسلام الاصيل وينحرف كان يجر معه العديد الى هذا المنزلق.
و لكن خلال فترة انتصار الثورة الاسلامية، اثمرت المساعي العظيمة والتي ادت الى شهادة الائمة الاطهار عليهم السلام لاجل توعية الامة وبيان ما لهم وما عليهم لاسيما الابقاء على ذكرى واقعة عاشوراء، فالشعب قد عرف بوصلة طريقه، وحين يواجهون بشبهة يراجعون العلماء الافاضل المعروفين بالورع والتقوى.
وهكذا كان خلال حكومتنا المعاصرة فان زلت قدم بعض الخواص بسبب (التلوث بحلاوة الدنيا وزخرفها وطلب المنصب او الحسد و...) فبدل ان يحرفوا جماهير الناس، [كما قال سماحة القائد، كلمته الحكيمة] هم يسقطون ويرفضون من قبل الشعب، على سبيل المثال، الفتنة الاميركية الاسرائيلية عام 2009 حين تلوث بعض الخواص بحلاوة الدنيا ومالوا لاعداء الخارج ولكنهم لم يوفقوا في حرف الناس، وانجروا لوحدهم في الفضيحة و...
6 ـ فهل بالامكان التغافل عن مؤامرات الاعداء ومن فتنة الخواص؟! والاجابة دون اي شك بالنفي. ولكن كيف يمكن معرفة الخواص الملوثين؟! وهنا الكثير لنقوله ولكن خارج مساحة المقال ونكتفي بموضوع واحد بان وظيفة هكذا نوع من المندسين ليس التفجير والاغتيال فمهمة هؤلاء التغلغل الى مراكز القرار وصنع النهج السياسي وتغيير حسابات المسؤولين في هذه المراكز. من هنا فهم يسطرون رؤاهم المنحرفة على اللسان والقلم وان مقارنة هذه الرؤى مع نهج الاسلام الاصيل والثورة يمكن قياسها. وكما قال امير المؤمنين عليه السلام "ما اضمر أحد شيئا الا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه".
7 ـ ونختم مقالنا بالتعريج على اشارة طرحت في مقال سابق؛ "بعد تلك الظهيرة الغبراء وقبل ساعة من لقاء مولانا المظلوم ربه، هتف بنداء "هل من ناصر ينصرني"، فانتاب الشيطان الحيرة، بان ما الذي يجري في روع ابن رسول الله (ص)؟ والى من يوجه خطابه بالنصرة؟ فجميع اصحابه المضرجين بدمائهم في جهة، وعلى الجهة الاخرى اعداؤه بسيوفهم العطشى بسفك دم الحسين!
فإلى من يوجه الحسين خطابه؟ واي تلبية يتوقعها في هذه الصحراء اللاهبة؟ واي جماعة يستنقذها للنصرة؟ فلا احد هنا!... فما كان الشيطان يدري ـ وكذلك اللصوص ـ ان كربلاء ارض بوسعة جميع الاراضي، وان عاشوراء يوم بطول جميع الايام... لم يكن يعلم ان كربلاء بداية درب، وان عاشوراء اول المصاب ... فحسيننا كان يعلم ان "عصر الخميني" في الطريق، وان هتاف "هل من ناصر" في عصر عاشوراء يرن اسماع الزمان وفي "عصر الخميني" طرق اسماع الكربلائيين حيث لم يلحقوا حينها كربلاء".