kayhan.ir

رمز الخبر: 154810
تأريخ النشر : 2022August03 - 20:38
عاشوراء

سنظل أوفياء للحسين عليه السلام  مادمنا أحياء

 

نهاد الدباغ

 

 من أغرب الأحاسيس في ليلة العاشر عدم الإحساس بالزمن، سيغيب عنا بأن المعركة حدثت قبل أكثر من (1000) سنة.

بالرغم من أننا جميعنا متأكدون ومتيقنون بأن كل شيء قد انتهى، وأن الحسين وأهل بيته وأصحابه قد استشهدوا جميعهم، وسُبيت عياله وجرى ما جرى عليهم من هول المصاب وعظم الفاجعة.

لكن يبقى في دواخلنا شعور غريب وإحساس عجيب شيء غامض يؤكد لنا أن المعركة لم تحصل في الماضي بعد، وها هي قبل أيام بزمننا قد انتهت.

وأن الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) قاتلهم بعد أن ظلّ وحيدا غريبا وقد أسر قلوبنا وآلمها، وهو يتقدم نحو الجيش المعادي الناصبي المبغض له ولأبيه وهو يتألم بألم الفراق لفقد أهل بيته وأصحابه المخلصين، وهذا الألم شعرنا به، وهذا الألم دخل إلى قلوبنا وعقولنا، حتى أصبحنا نرى المعركة وكأنها تحدث أمامنا فعلا، ونرى كل ما جرى على الحسين وأهل بيته وأصحابه، وهذا الشعور والإحساس بعظم المصيبة وهول الفاجعة، جعلنا نقيم المآتم، ونبكي بحرقة، ونلطم صدورنا بقوة لحبنا للحسين ولحب رسول الله (ص) له، وقبله حبّ الله (جلّ وعلا) له، ولنوفي حقه لقرابته من رسول الله (ص) الذي قال فيه: «حسين مني وأنا من حسين أحبّ الله من أحبّ حسينا، حسين سبط من الأسباط»(1).

ولتضحيته العظيمة التي قدّمها لنا وهي مواجهته وثورته ضد الظالمين الطغاة يزيد وأعوانه لإنقاذنا منهم إنقاذ أمة جدّه رسول الله من هذه الزمرة الفاسدة والمجرمة التي كانت تحكم البلاد آنذاك، وعاثت في الأرض فسادا، وأهلكت الحرث والنسل، فهو القائل (سلام الله عليه): «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت للإصلاح في أمة جدي محمد أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»(2).

 فهذه التضحية التي قدمها لنا بشهادته وشهادة ثله طيبة طاهرة من أهل بيته وأصحابه النجباء، وسبي نسائه، تجعلنا إلى الموت نقيم المآتم، ونبقى نلطم ونبكي عليه بحرقه وألم، ونلعن قتلته وأتباعهم، ومن مهّد لهم الطريق لقتله وذريته من الأولين، ومن رضي بقتله من الآخرين العمر كله ومع كل ما نقدمه لأجله لن نفيَ حقّه قيد أنمله.

وسنظلّ سائرين على نهجه وسيرته العطرة، ولن نحيد عنها، فالحسين بالنسبة لنا ليس فقط جسدا وروحا، وإنما فكر ومبدأ وعقيدة وأخلاق.

فمن يراجع التاريخ والسير سيرى في تضحية هذا الرجل العظيم انها فاقت الخيال، ولم تحصل في العالم كله بعظمائها هكذا تضحية، فمواجهة جيش جرار كامل العدد والعدة، ومدرّب، ولديه استعداد كامل للحرب، يواجههم مع قلة قليلة من أهل بيته وأصحابه، فيستشهدون، ويظلّ وحيدا يتضوّر جوعا وعطشا مصحوبا بخيانة من نادوه ليخلصهم من جيش الطاغية يزيد مع غربته وعياله ونسائه مقابل جيش جرار لا رحمة له ولا شفقة جيش قد سُلبت منه العاطفة، فأصبح لا فرق بينه وبين حيوان مفترس لا يرحم طفلا ولا شيخا ولا امرأة يبطش بمن يراهم امامه، جيش مسلوب الضمير والدين والاخلاق، فمثل هذه التضحية يراها محبوه وعاشقوه أنها تضحية لا مثيل لها، وإن كل ما يفعلونه من لبس السواد والحزن وإقامة المآتم والشعائر الحسينية واللطم والبكاء والنحيب قليل بحقه، فتضحيته لا يتقبلها عقل، لكنها حدثت فعلا، فمثل هذا الرجل العظيم القدر عند الله ورسوله لا يُترك ولا تُترك مبادئه مهما عمل أعداؤنا ومهما خططوا لنا لثنينا عنها لن نتركها الى الموت.

لأجل ذلك سنكون معك يا أبا عبد الله يا حسين يا نور عيوننا يا شهيدنا الغالي معك في كل مكانا وزمان سنحارب أعداءك الذين هم أعداؤنا اليوم كما حاربتهم بالأمس سنحارب أبناءهم الطغاة كما علّمتنا، ولن نصدق يا بن بنت رسول الله (ص) أنك ميت فأنت حيّ والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون كما قال الله (جلّ وعلا) في كتابه الكريم: «وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» [سورة آل عمران: 169].

سنظلّ كل عام يرافقنا هذا الاحساس وهذا الشعور الغريب الذي يقوينا ويعطينا الأمل بحياة خالية من الفاسدين والطغاة والصبر لتحمل مصابكم الذي هو مصابنا.

 سنظلّ كلّ عام يرافقنا هذا الإحساس الذي يمدّنا بالقوة على من عادانا ولن نخشى عدته وعدده فقد انتصرنا على أعتى قوة في العالم داعش الإرهابية التي ذاع صيتها في الإجرام، وخشيتها دول الاستكبار العالمي وارعبتها وأرعبت دول العالم بعددها وعدتها، لكننا بك ياحسين، بصمودك بقوتك بصبرك بمبادئك بأخلاقك حيث كنا بحشدنا المقدس أقلّ منهم عددا وعدة هزمناها وجعلناها عبرة لمن اعتبر، وأرينا العالم أننا حقا أبناء ذاك البطل الضرغام المقاتل الشجاع الذي لاتأخذ في الله لومة لائم، فكيف نخشى طغاة وفينا عرق ينبض بالحسين.

فإيماننا بالله (جل وعلا)، وعلمنا يقينا انه ناصر المؤمنين المخلصين وبمظلومية الحسين ابن بنت رسول الله (ص) سندك مضاجع الظالمين والفاسدين بثورة الحسين (عليه السلام) ونجعلها لنا نبراسا وعلما نقتدي بها فدماؤك وأهل بيتك وأصحابك لن تذهب سدى.

وسيظلّ شيعتك ومحبوك في العالم ينصبون العزاء ويحيون الشعائر ويقيمون المآتم ليس فقط للبكاء وإنما تثبيتك في الأذهان والعقول كفكرة ومبدأ وعقيدة علينا الالتزام بها والمضي في السير لإحيائها لتظلّ معلقة في الأذهان، ليأخذ منها كلّ ثوار العالم.

 فالحسين (عليه السلام) ملك للجميع ولكل ثائر يرى الظلم سائدا في بلده ويكافح الظلم ويقاتل الاستبداد والفساد، فأنت يا أبا عبد الله صرخة كل مظلوم يقف بوجه الظالمين، وستبقى شعائرنا الحسينية الى الموت، لن يستطيع أحد الوقوف بوجهها مادمنا أحياء ورافضين الظلم والفساد، فطغاة كثر وقفوا بوجهها واندثروا ولن تبقى لهم باقية.