kayhan.ir

رمز الخبر: 154772
تأريخ النشر : 2022August03 - 20:32

لماذا تتضارب الرّوايات حول مِصداقيّة “مسرحيّة” عمليّة اغتِيال الظواهري؟

 

وهل ستُؤدّي إلى رفع شعبيّة بايدن المُنهارة؟ ومن الذي انتهك اتفاقيّة الدوحة الأمريكان أم الطّالبان؟ وهل سترد الحركة على هذا العُدوان على سيادتها.. وكيف وأين؟

 

إذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يعتقد بأنّه بـ”اغتِياله” “المُفترض” للدكتور أيمن الظواهري زعيم تنظيم “القاعدة” يستطيع أن يُنقِذ شعبيّته المُتهاوية داخِل الولايات المتحدة وخارجها مع اقتِراب الانتخابات التشريعيّة النصفيّة في شهر تشرين ثاني (نوفمبر) المُقبل، فإنّه واهمٌ في اعتِقاده هذا، لأن هُناك فرق شاسع بين ظُروف اغتيال زعيم القاعدة المُؤسّس أسامة بن لادن، ونائبه ثمّ خليفته الدكتور الظواهري، مُضافًا إلى ذلك هزيمته الواضحة المعالم في حرب أوكرانيا.

مُنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، تراجعت عمليّات التنظيم، وفقد الكثير من زخمه وقوّته ومركزيّته، وتشظّى إلى أكثر من تنظيم، وفي أكثر من مكانٍ، وبات الهمّ الأكبر لقِيادته الأم، سواءً الصّف الأوّل منها أو الثّاني، هو كيفيّة تجنّب الاعتِقال أو الاغتِيال على أيدي خلايا المُخابرات الأمريكيّة التي كانت تُطاردهم، وتَصرِف مِئات الملايين من الدّولارات لتتبّع تحرّكاتهم.

رواية الاغتِيال وتفاصيلها لم تَصدُر إلا من جانبِ طرفٍ واحد وهو الأمريكي، ولأسبابٍ دعائيّة صِرفَة، الأمر الذي جعلها مصدر العديد من الشّكوك مِثل روايات أُخرى لم يتم التأكّد من صحّتها، مِثل رواية اغتِيال بن لادن  ودفنه في البحر، ونجله حمزة، وبعد ذلك أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش)، وخليفته، فجميع هؤلاء اغتيلوا في ظُروفٍ غامِضة، ولم يتم الكشف حتّى الآن عن جثامينهم من قِبَل مُغتاليهم الأمريكان.

حركة طالبان لم تُعلِن حتّى الآن عن مقتل الدكتور الظواهري، واكتفت بالقول إنّه جرى قصف منزل مهجور في أحد أحياء العاصمة كابول، كما أن تنظيم القاعدة لم يُصدِر أيّ بيان موثوق يُؤكّد اغتِيال زعيمه، وهُناك معلومات تقول إن الدكتور الظواهري كان مريضًا، ومن غير المُستَبعد أن يكون قضى نحبه قبل سنوات، بينما تقول أُخرى إنه يتواجد في دَولةٍ مُجاورة في منزلٍ سرّي يُعتَقد أنها إمّا إيران أو باكستان.

فالقول إنه كان يجلس في شُرفة منزل فخم في أحد أحياء كابول الدبلوماسيّة الرّاقية من الصّعب القُبول به أو تصديقه، فالرّجل مُطاردٌ من العديد من أجهزة المُخابرات الأمريكيّة والغربيّة، ليس على هذه الدّرجة من السّذاجة الأمنيّة لكيّ يحتسي قهوته في الشُّرفة انتِظارًا لوصول صواريخ المُسيّرات الأمريكيّة لاقتِناصه، ولكن لا شيء مُستَبعَدًا.

السيّد ذبيح الله مجاهد النّاطق باسم حركة طالبان اعترف بحُدوث الغارة الجويّة وإطلاق صواريخ من طائرات مُسيّرة، ولكنّه لم يتطرّق مُطلقًا إلى أيّ وفيات ترتّبت عليها، بينما نفى وزير الداخليّة الأفغاني سراج الدين حقاني، المُتّهم وشبكته (شبكة حقاني) بإيواء الدكتور الظواهري وأُسرته، مُؤكِّدًا لوكالة “فرانس برس” أن صاروخًا أصاب منزلًا مهجورًا في أحد أحياء العاصمة الأفغانيّة.

لا نُريد أن نستبق الأحداث، أو نستبعد أيّ من الرّوايات، سواءً الأمريكيّة أو المُضادّة والنّافية لها، ولكن ما يُمكن أن نقوله، إنه إذا صدقت الرّواية الأمريكيّة، فإنّ نتائج ورُدود فِعل وعواقب خطيرة قد تترتّب عليها، لأنّ حركة “طالبان” وما تبقّى من تنظيم “القاعدة” قد ينتقمان لهذا الهُجوم الذي يُشَكِّل انتهاكًا للسّيادة الأفغانيّة.

أنتوني بلينكن، وزير الخارجيّة الأمريكي قال إن وجود الدكتور الظواهري في أفغانستان يُشَكِّل انتهاكًا لاتّفاق الدوحة مع حركة طالبان، ولكن ما حدث هو العكس تمامًا، فهذا الاتّفاق لا يتضمّن نصًّا صريحًا في هذا الشّأن، وإنّما يتضمّن بندًا يقول بعدم سماح حركة طالبان بتحويل بلادها إلى مِنَصَّةٍ لانطِلاق عمليّاتٍ إرهابيّة ضدّ الولايات المتحدة، ولا نعتقد أن الدكتور الظواهري، الذي تجاوز السّبعين، وفي حال تقاعد، كان يُخَطِّط لعمليّات إرهابيّة، وحتّى لو أرادَ ذلك فإنّ السّلطات الأفغانيّة لن تسمح له بذلك، فهي تحترم تعهّداته بالنّظر إلى حالاتٍ سابقةٍ مُماثلة.

إرسال المُخابرات المركزيّة الأمريكيّة مُسيّرات لاغتِيال الدكتور الظواهري، وفي قلبِ كابول العاصمة الأفغانيّة، عُدوانٌ خطير على سيادة دولة تُواجِه حِصارًا أمريكيًّا بغضّ النّظر عن مُبرّرات هذا الهُجوم والشّخص الذي يستهدفه، واتّهام حركة طالبان باختِراق المُعاهدات والمواثيق باطِلٌ وغير مُقنع، وغير قانوني.

الولايات المتحدة تلقّت هزيمةً مُهينةً مُذلّة في أفغانستان على يد حركة طالبان بعد عشرين عامًا من احتِلال كلّفها أكثر من ثلاثة آلاف قتيل وعشَرات الآلاف من الجرحى، وخسائر ماديّة تقترب من ترليونيّ دولار، ولعلّ ما هو أكثر إهانة هُروب الرئيس الأفغاني حليف أمريكا أشرف غني، وتَعَلُّق العشَرات من أركان حُكومته وأنصار أمريكا بعجلاتِ الطّائرات التي أقلّت الرّعايا الأمريكيين الهاربين بأرواحهم في مطار كابول.

بايدن ربّما أراد من خِلال المسرحيّة الدعائيّة المُبالغ في فُصولها إنقاذ سُمعته ورئاسته التي تمرّغت في وحل أفغانستان، ولكنّه سيفشل حتمًا، ولعلّ هُجوم واحد من أنصار حركة طالبان والقاعدة على هدفٍ أمريكيّ، سواءً داخل أفغانستان أو في دول الجِوار ثأرًا وانتقامًا قد يُؤدّي إلى انهِيار إدارته سواءً في الانتِخابات النصفيّة بعد ثلاثة أشهر، أو الرئاسيّة والتشريعيّة الكاملة بعد عامين.

مَرّةً أُخرى نُؤكّد بأنّنا أمام روايات مُتضاربة حول عمليّة الاغتِيال، ولهذا نحنُ في انتِظار الرّواية الرسميّة، وخاصَّةً الأفغانيّة، أو الصّادرة عن أُسرة الظواهري، لأنّهما الأصدق، ويأتيان وِفْق نُصوص الشّريعة الإسلاميّة التي تُحَتِّم إعلان الوفاة رسميًّا، لأُمورٍ تتعلّق بالإرث، وأحكام الزّواج والعدّة، وحتى ذلك الحين لكُلّ حادثٍ حديث.

“رأي اليوم”