kayhan.ir

رمز الخبر: 154628
تأريخ النشر : 2022August01 - 21:12

أمريكا تواجه أعلى معدل تضخم منذ عقود: رفع الفائدة يتسبب بالركود

 

د. علي دربج

 عبثا تجهد الادارة الامريكية لمكافحة أعلى معدل تضخم تواجهه منذ عقود، والذي بسببه تسير الولايات المتحدة هذه الأيام على الطريق المؤدي إلى انهيار اقتصادي صعب. ولهذا، رفع مجلس المصرف الاحتياطي الفيدرالي في 27 تموز/ يوليو سعر الفائدة القياسي مرة أخرى بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية للسيطرة على أسعار المواد الاستهلاكية المرتفعة، مبررا ذلك، أن بعض الآلام القصيرة الأجل، قد تكون الطريقة الوحيدة لتجنب الندوب طويلة الأمد.

 للعلم، فإن هذه الزيادة والتي اتتت بمقدار 75 نقطة أساس، هي الثانية بعد رفع أسعار الفائدة بشكل مماثل في حزيران/ يونيو الفائت، والرابعة خلال عام، رغم اعتراف رئيس المصرف "جيروم إتش باول"، أن الزيادات السابقة تلقي بثقلها بالفعل على الإسكان والاستثمار التجاري وطلب المستهلكين.

ما هو الهدف من زيادة سعر الفائدة؟

مع بقاء التضخم في الولايات المتحدة عند أعلى مستوياته خلال 40 عاما، وارتفاع الأسعار في حزيران/ يونيو بشكل خاص، باتت السيطرة على التضخم هي الأولوية الرئيسية للاحتياطي الفيدرالي، حتى لو أدى ذلك إلى تباطؤ سوق العمل في الوقت الحالي، خصوصا وان هذا التضخم الكبير والراسخ (ان فشلت السيطرة عليه) سيؤدي الى فقدان الثقة بقدرة الاحتياطي الفيدرالي على الوفاء بتعهداته المزدوجة المتمثلة في استقرار الأسعار وتوفير الحد الأقصى من فرص العمل، فضلا عن انه سيزيد من تكلفة التعامل مع هذا التضخم لاحقا.

من هنا كان الهدف من هذه الزيادات، هو جعل الائتمان أكثر تكلفة لإبطاء الاستهلاك والاستثمار، وفي نهاية المطاف تخفيف الضغط عن الأسعار.

لكن المفارقة، ان لهجة جيروم باول في المؤتمر الصحفي ـ الذي بشّر الأمريكيين بخيارات صعبة للحد من التضخم ـ تناقضت كليا مع ما كان قاله العام الماضي صانعو السياسة في مجلس المصرف الاحتياطي الفيدرالي والبيت الأبيض (عندما كان التضخم يتصاعد باطراد)، حينما جادلوا بأن التضخم سيكون قصير الأجل ولن يهدد الاقتصاد بشكل أساسي.

 كيف انعكس التضخم على الاقتصاد الامريكي؟

اتى قرار الاحتياطي الفيدرالي في الوقت الذي يخشى فيه الاقتصاديون وصناع السياسة بالفعل من توجه الاقتصاد الاميركي نحو الركود، حيث هناك احتمال أن يكون الاقتصاد قد انكمش بالفعل، على غرار الربع الأول، كما انه من المتوقع حدوث نوع من التباطؤ الاقتصادي، مقارنةً بالنمو الضخم في العام الماضي، إذ تسببت أسعار الحليب والغاز والملابس المرتفعة، ببروز توترات عند المواطنيين الامريكيين الذين باتوا يشككون بصوابية الخيارات والسياسات الاقتصادية التي كان من المفترض ان تعمل لصالحهم، مما ساهم بإضعاف معنويات المستهلكين، كما اضطرت الأسر الامريكية الى تغيير سلوك الإنفاق الخاص بها، وهذه الامور بدورها قد تؤدي إلى تفاقم التضخم اكثر فأكثر.

  ما هو تأثير التضخم على الوظائف؟

 ادى التضخم الى بروز تحديات في بعض القطاعات، حيث حدثت بالفعل تقليص بالوظائف، فقد أدركت بعض الشركات التي وظفت عديدها بسرعة خلال الوباء، أن نماذج أعمالها ليست مناسبة لاقتصاد ما بعد الوباء، أو أنها ببساطة لم تكن قادرة على التعامل مع تكلفة التضخم.

 مثلاُ سرّحت شركة "Peloton Interactive" المتخصصة بالمرافق والتجهيزات الترفيهية آلاف العمال، كذلك تقوم شركة "Microsoft" بإجراء تخفيض في عدد العمال لديها. وبالمثل أعلنت كل من "Netflix" و "Tesla" و "Coinbase" عن اختصار الوظائف أو تجميد التوظيف.

وعلى خط مواز، قام العديد من مقدمي قروض الرهن العقاري في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك "Wells Fargo" التي تقدم الخدمات المالية وهي شركة متعددة الجنسيات، و"Better Mortgage" العقارية المتخصصة بتسريح الآلاف من الموظفين، مع انخفاض الطلب على قروض الإسكان وإعادة التمويل.

أكثر من ذلك كشفت كل من "Microsoft" و "Alphabet" الشركة الأم لشركة "Google" عن نمو أبطأ في تقارير الأرباح. كذلك أعلنت شركة General Motors"" إحدى أكبر شركات صناعة السيارات في أميركا عن أرباح أقل بكثيرمن الاعوام السابقة، وولفتت المدير التنفيذي للشركة "ماري بارا" أن الشركة تعمل على تقليل الإنفاق والحد من التوظيف.

  ما هي السياسة التي يتبعها الفيدرالي الأمريكي لمواجهة التضخم؟

 يسعى الاحتياطي الفيدرالي حاليا الى مواجهة التضخم الذي ارتفع إلى 9.1 في المائة في حزيران/ يونيو الماضي، مقارنة بالعام السابق. عبر الحفاظ على تدفق الزخم عبر سوق العمل القوي والحفاظ على توظيف العمال الأميركيين، خصوصا في الوقت الذي يدفعون فيه المزيد من الاموال مقابل السكن والكهرباء والوجبات.

ومع ذلك، فإن الحقيقة القاتمة هي أن سوق العمل الضيق سيتعين عليه أن يقبض يده حتى يتمكن الاحتياطي الفيدرالي من تحقيق أي تقدم بمواجهة التضخم، ما يعني تجميد الوظائف وحتى تقليصها.

ويوضح خبراء اقتصاديون أن "بنك الاحتياطي الفيدرالي يركز حملته لاستقرار الأسعار، وإذا لم يقض على التضخم في مهده، فإنه يجهز نفسه للفشل المؤسساتي".

المثير في الامر ان باول، ترك الباب مفتوحا لرفع سعر الفائدة مرة أخرى بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية في اجتماع المجلس الاحتياطي في أيلول/ سبتمبر المقبل، لكنه استدرك قائلا ان "جميع القرارات ستعتمد على تحديث البيانات".

 ماذا الانعكاسات السلبية للتضخم على إدارة بايدن؟

 أصبح المزاج الاقتصادي الكئيب للامريكيين، مشكلة سياسية رئيسية لإدارة جو بايدن في انتخابات التجديد النصفي. وما زاد الطين بلة، ان الجمهوريين يواصلون إلقاء اللوم على جهود التحفيز التي قام بها الديموقراطيون في وقت سابق من وباء كورونا لتعزيز الاقتصاد، ويعملون على مقاومة المزيد من الإنفاق الفيدرالي، وما يلفت الانتباه ان المخاوف من أن رفع أسعار الفائدة مجدداً سيؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد بشكل مفرط، أثار انتقادات جديدة من بعض أعضاء حزب الرئيس بايدن، وخاصة المشرعين ذوي الميول اليسارية، الذين قالوا إن ذلك قد يتسبب في أضرار مالية هائلة للأمريكيين.

وفي هذا السياق، وتعقيبا على انخفاض الاجور قالت زعيمة التجمع التقدمي في الكونغرس النائبة براميلا جايابال: "في الأشهر الأخيرة تحمل العمال الأقل أجراً والأكثر فقراً في بلدنا الكثير بالفعل، بحيث لا يمكن التضحية بهم سعيا وراء رفع أسعار الفائدة الحادة التي تسببت في كثير من الأحيان في حدوث ركود".

وعبّرت جايابال عن "مخاوف جدية" من أن "رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي لاسعار الفائدة، قد يعرض للخطر تعهد الرئيس "بتنمية الاقتصاد من الأسفل إلى الأعلى ومن المنتصف".

 اما في في الكابيتول هيل، استكشف الديمقراطيون مجموعة واسعة من مقترحات السياسة التي يقولون إنها يمكن أن تستجيب للتضخم. لقد وصلوا إلى خطوة كبيرة في 27 تموز/ يوليو، عندما حصل السناتور جو مانشين الثالث (الديمقراطي المكروه من الديمقراطيين) على صفقة مع زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشارلز إي شومر (ديمقراطي اخر من نيويورك) بشأن التشريع الذي يهدف إلى خفض تكاليف الرعاية الصحية، ومكافحة المناخ، ومراجعة قانون الضرائب، وتحقيق بعض العناصر المركزية في جدول الأعمال الاقتصادي للرئيس بايدن.

في المحصلة، اضحى كل شيء في امريكا من الغذاء والطاقة إلى المعادن أكثر كلفة، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تبدأ أسعار الفائدة المرتفعة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في تقليص التضخم، وحتى ذلك الحين، سيظل التضخم خاضعًا لتطورات الازمة الاوكرانية، وفوضى سلسلة التوريد، وبالطبع جائحة كورونا.