القضيّة الفلسطينيّة بين التاءات الثلاث واللاءات الثلاث
حسين مرتضى
لم يعرف التاريخ المعاصر قضيّة أهمّ من القضية الفلسطينية، تلك القضية المحورية التي غيّرت وجه العالم منذ وعد بلفور المشؤوم مروراً بالنكبة والنكسة وحتى يومنا هذا.
تاريخياً ما جرى في فلسطين هو مؤامرة غربية هدفها السيطرة على نقطة التقاء القارات الثلاث عبر إقامة كيان محتلّ هدفه الاستيطان وتغيير ديموغرافية المنطقة العربية ونهب ثرواتها وإعادة احتلالها عبر استعمار حديث قائم على مفهوم الترهيب والترغيب لتحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية للدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، على حساب الدول النامية.
منذ احتلال فلسطين من قبل عصابات الصهاينة بدعم بريطاني وغربي انطلقت المقاومة لمواجهة الاحتلال، فكان الردّ الصهيوني عبر ارتكاب سلسلة من المجازر التي نجم عنها ترهيب الفلسطينيين ومحاولة تهجيرهم من مدنهم وقراهم لتأتي النكبة في العام ١٩٤٨ والتي كان أحد أسبابها تخاذل عدد من الأنظمة العربية الناشئة.
وبعد النكبة بدأت الأحداث تتسارع في المنطقة العربية حيث شكلت الانقلابات السياسية جزءاً مهماً من إعادة تشكيل المنطقة لتكون القضية الفلسطينية محور الحدث مجدّداً وما هي إلا سنوات حتى وقعت النكسة في حزيران ١٩٦٧ ليتمكّن كيان الاحتلال من توسيع رقعة احتلاله جغرافياً لتبدأ المرحلة الأكثر دقة في تاريخ الصراع مع كيان الاحتلال الصهيونيّ عبر ظهور حركات مقاومة هدفها تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيونيّ ومن هنا سنبدأ في سرد شهادتنا لنسجلها في صفحات التاريخ الحقيقي بعيداً عن التشويه المتعمّد لطمس الحقائق.
في هذه القراءة التاريخية لكتاب «قضية فلسطين: قضية الهجمة الاستعمارية على الوطن العربي» الصادر عن مركز الحضارة العربية (القاهرة، 2021) للكاتب أحمد السعدي الذي وثق به مرحلة تاريخية لا يمكن تجاوزها خاصة أنها مرتبطة بحاضرنا ومستقبلنا.
لقد وثق المناضل الفلسطيني أحمد السعدي مسيرة القضية الفلسطينية عبر مراحلها التاريخية في مجلد تضمّن ثمانمئة صفحة تناول من خلالها الحركة السياسية الفلسطينية ما بين العام 1799 حتى العام 1993 وفصائل المقاومة الفلسطينية المعاصرة، وعرض مجمل الهجمة الاستعمارية الراهنة على الوطن العربي.
من خلال القراءة التاريخية الموثقة سنقدّم شرحاً حول المراحل التي مرّت بها القضية الفلسطينية وفق الآتي:
ـ المرحلة الأولى: الصهيونية فكرة مشبوهة تحوّلت إلى أمر واقع،
ـ المرحلة الثانية: الكفاح المسلح والتآمر العربي،
ـ المرحلة الثالثة: تداعيات كامب ديفيد وفلسطنة الصراع،
ـ المرحلة الرابعة: القضية الفلسطينية بين المقاومة وسورية
وفي كلّ مرحلة سنناقش أبرز الأحداث التي أثرت على مسار القضية الفلسطينية من خلال دراسة تحليلية لواقع القضية الفلسطينية. بالتأكيد لا يمكن اختصار تاريخ القضية الفلسطينية بسلسلة مقالات لكن ما أردنا قوله إنّ هناك العديد من الأسباب لاستهداف الوطن العربيّ، وأبرز تلك الأسباب:
1 ـ الموقع الاستراتيجي: ففي عام 1944 وصفت الولايات المتحدة على لسان رئيسها أيزنهاور الشرق الأوسط بأنه المنطقة الأكثر أهمية استراتيجية في العالم، وبعد ستة عقود من تصريح أيزنهاور أكد الرئيس أوباما هذه الأهمية إذ قال في أحد خطاباته أنّ مستقبل الولايات المتحدة يرتبط بما يجري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
2 ـ الثقافة والمصالح المشتركة العربية مع شعوب آسيا وأفريقيا وتضامن شعوب أميركا اللاتينية معها مما يجعل من الوطن العربي كتلة تواجه المطامع الغربية وسياسات هيمنتها. فوجود وطن عربي موحد في القارتين الآسيوية والأفريقية مع وجود هذه العلاقة الثقافية والتاريخية والتجارية لبقية سكان القارتين يجعل من وجود تعاون وتنسيق عربي أفريقي آسيوي ممكناً وحيوياً وله أهمية في العلاقات الدولية، كذلك وجود دولة عربية محورية ستشكل مع دول آسيا وأفريقيا كتلة قادرة على التفاوض والندية مع دول أوروبا ومع الولايات المتحدة وهو أمر لا تريده الدول الغربية الاستعمارية.
3 ـ تواجد معظم احتياطات النفط في العالم في الأقطار العربية: وهنا يشير الكاتب الى أنّ الهجمة على الوطن العربي بدأت في القرن التاسع عشر ولم يكن النفط مكتشفاً في الدول العربية، ولكن وجود النفط أصبح عاملاً هاماً مستجداً للاهتمام الاستعماري في الدول العربية. وأصبحت الدول العربية النفطية تجني من صادرات النفط أموالاً طائلة تستعمل جزءاً منها لأسباب سياسية ضمن السياسات الغربية.